إسرائيل والولايات المتحدة عاملان إضافيان لعرقلة المصالحة الفلسطينية

21 أكتوبر 2017
السنوار بات يُسمى في غزة برجل المصالحة الوطنية(علي جادالله/الأناضول)
+ الخط -
يبدو الموقفان الأميركي والإسرائيلي من المصالحة الوطنية الفلسطينية متوقعين أو على الأقل غير مستغربين، غير أن المثير في شأنهما هو تأخرهما هذه المرة، على عكس التجارب الماضية حين كانت كل من أميركا وإسرائيل تسارعان لعرقلة أي جهود للمصالحة وتعلنان عن لائحة شروط سرعان ما تفجر الاتفاقيات وتزيد رقعة الخلاف الفلسطيني الداخلي. وغالباً ما كان "الفيتو" الأميركي والإسرائيلي على المصالحة الفلسطينية عاملاً حاضراً، معطلاً ومربكاً، في كل الاتفاقيات التي وقعتها حركتا "حماس" و"فتح" في أوقات سابقة. وقد تعود المصالحة لمربع الإرباك والتشكيك عقب الموقفين الجديدين القديمين لهما.

وفي وقت سابق، أعلن المبعوث الأميركي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، أنه يتوجب على حكومة الوحدة الفلسطينية المرتقبة التعهد بنبذ العنف والاعتراف بإسرائيل، وهو موقف أثار ارتياحاً واسعاً في إسرائيل. وسبق لحكومة الاحتلال الإسرائيلي أن قررت عدم الدخول في مفاوضات سلام مع السلطة الفلسطينية، قبل الالتزام بشروط عدة، منها "نزع سلاح حركة حماس، واعترافها بإسرائيل، والتزام الحركة بشروط اللجنة الرباعية الدولية، وإعادة الجنود الإسرائيليين المحتجزين في غزة، ومنح السيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية على غزة، بما في ذلك المعابر". لكن المثير يتمثل في ما سبق وأعلنه عضو المكتب السياسي لـ"حماس"، موسى أبو مرزوق، حين قال إنّ مسؤولين عرب أطلعوا الحركة على قرار واشنطن برفع "الفيتو" الأميركي الإسرائيلي عن المصالحة، وأنّ هذه "الفيتو" لم يعد قائماً الآن.

لكن اليوم، يبدو أنّ تغيراً ما قد حدث وأعاد ذلك "الفيتو"، أو أن الأمر يتعلق بمحاولة تهدف إلى جرّ "حماس" لمربع التفاوض والاعتراف بإسرائيل. لكن الشروط التي طرحها غرينبلات وحكومة الاحتلال للمصالحة الفلسطينية، قوبلت برد من قائد "حماس" في القطاع، يحيى السنوار، الذي أكد أنّ حركته تجاوزت مرحلة الاعتراف بإسرائيل، مؤكداً في الوقت ذاته أنّ أحداً لن يجرؤ على انتزاع اعتراف من حركته بإسرائيل.

غير أنّ السنوار الذي بات يُسمى في غزة برجل المصالحة الوطنية، اعتبر أنّ واشنطن وتل أبيب تشكلان خطراً يهدد فرص نجاح المصالحة الفلسطينية، على الرغم من تأكيده الاستمرار في طريق إنهاء الانقسام، وقوله إنّ "حماس" لم تعد طرفاً فيه. لكن ما يُخشى منه وما قد يحصل في أي وقت لعرقلة المصالحة، يتمثل في تعرض السلطة الفلسطينية لعقوبات مالية من إسرائيل التي أوقفت سابقاً تحويل أموال الضرائب إلى خزينة السلطة بعد اتفاق سابق في غزة للمصالحة، والذي سمي في حينه "اتفاق الشاطئ".

عُرقل "اتفاق الشاطئ" بعدما أوقفت إسرائيل تحويل أموال الضرائب للسلطة، وكذلك نتيجة الخلاف حول رواتب موظفي حكومة "حماس" السابقة، إضافةً إلى الموقفين الأميركي والإسرائيلي من المصالحة في حينه وعودة الشروط المعتادة.

وفي ما يتعلق بالمصالحة الحالية، لم يتغير موقف الاحتلال وواشنطن من "حماس" بالتحديد، لكن فُهم من صمت الطرفين على المصالحة في أيامها الأولى، والتي عُقدت برعاية مصرية، أن المقصود إعطاء فرصة للنظام المصري لتطويع حركة حماس ومحاولة أخذ مواقف مختلفة منها، وربما تمرير ما بات يعرف بصفقة القرن، في إشارة إلى مشروع الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط.

لكن يبدو أنّ عدم تغيير "حماس" خطابها تجاه إسرائيل بعد الاتفاق، أعطى إشارات سلبية بالنسبة للأميركيين الذين وجدوا أن الحركة غير مستعدة لتغيير موقفها، خصوصاً أنها تفاهمت مع "فتح" على ملف المقاومة في اتفاقيات سابقة. ويُمكن لـ"حماس" التي تسارع لكسب موقف الراعي المصري، أن تقدم له اتفاقاً أمنياً على حماية الحدود الفلسطينية المصرية، كذلك تهدئة طويلة الأمد مع الاحتلال الإسرائيلي، وإعطاء القاهرة دوراً محورياً في ملف تبادل الأسرى، غير أنها لن تمنح مصر صك الاعتراف بإسرائيل، ولا موافقة على تفاوض مباشر معها.

ومع ذلك، فإنّ المصالحة الفلسطينية التي تسير ببطء في تطبيق بنودها داخلياً ومحاولات الطرفين إظهار نفسيهما رابحين منها على حساب الآخر، تمر الآن بموقف مختلف وأزمة حقيقية، قد يهددانها بالعودة إلى المربع الأول، لا سيما أنّ لواشنطن وتل أبيب تأثيراً حقيقياً وفعلياً ومباشراً في السياسات الفلسطينية وتغيير المزاج الرسمي تجاه القضايا المطروحة. وإذا كانت "حماس" تراهن على الموقف المصري من "الفيتو" الأميركي الإسرائيلي، لا يبدو الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في الموقف نفسه، خاصةً أنه يتشكك في نوايا مصر من اندفاعها المفاجئ نحو "حماس" والمصالحة. وحتى ولو زادت عليه الضغوط، فإنه سرعان ما سيغير رأيه، وقد يفجر المصالحة وينهيها، وحينها ستعود تفاهمات "حماس" والقيادي المفصول من "فتح" محمد دحلان للواجهة، وقد تكون هذه التفاهمات بديلاً عن المصالحة.

وفي كل الأحوال، لا يبدو مستقبل غزة خصوصاً، والقضية الفلسطينية عموماً، وردياً كما يحاول البعض تصويره. وهناك من يعتبر أنّ أحداً لن يعطي الفلسطينيين في ضعفهم ما لم يُحصّلوه في أوقات سابقة، كانوا فيها أقوى من الآن، وأكثر تصلباً في الملفات السياسية.

ولا يبدو أنّ البيت الأبيض مقبل على منح السلطة الفلسطينية أي فرصة حقيقية للعودة للمفاوضات مع إسرائيل وهو الذي لا يعترف حتى الآن بحل الدولتين، وتجنب الحديث عنه أكثر من مرة. كما أن مشروع ترامب الذي يوصف إعلامياً بـ"صفقة القرن"، لا يُعتقد أنّ لفلسطين نصيب كبير منه.

المساهمون