احتجاجات "غضب فزان" تجتاح الجنوب الليبي: حراك مسلّح أم صرخة مواطن جائع؟

15 ديسمبر 2018
توسعت رقعت الاحتجاجات تدريجياً لتطاول 12 منطقة ومدينة بالجنوب(تويتر)
+ الخط -
مسافات ليست بالقصيرة يجب على ليبيا قطعها للوصول إلى حلول لأزمتها المتشابكة والمعقدة، التي ما إن يطل بصيص أمل لحلحلتها في منطقة ما حتى تتفجر في منطقة أخرى لتزداد سوءاً، وآخرها اندلاع احتجاجات شعبية في الجنوب وصلت إلى حد تهديد مصدر الدخل القومي والوحيد للبلاد، بل المطالبة أيضاً بتمثيل سياسي حقيقي في السلطة وقوات عسكرية تخضع لقادة من أبنائها، وإلا فالتلويح بعرقلة المؤتمر الجامع.

وبعد أيام من تفجر أزمة حقل الشرارة بالقرب من أوباري جنوب البلاد، الذي أقدم محتجون على إغلاقه في الثامن من الشهر الجاري، توسعت رقعت الاحتجاجات تدريجياً لتطاول 12 منطقة ومدينة بالجنوب شهدت تظاهرات، مساء أمس الجمعة، لتأييد مطالب حراك "غضب فزان" وتأكيد ضرورة اعتذار رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، الذي وصف خطوة محتجي غضب فزان بـ"الإرهابية"، فيما أشارت مصادر ليبية إلى وقوف اللواء خليفة حفتر وراء تثوير الوضع في الجنوب كوسيلة للضغط على حكومة الوفاق، التي باتت تقف عاجزة أمام توفير مطالب المحتجين في الجنوب بتحسين ظروفهم المعيشية.

لكن علي السعيدي، عضو مجلس نواب برلمان طبرق عن منطقة الشاطئ بالجنوب، أكد أن الحراك "انطلق قبل أسابيع بعفوية تامة ومن شبان لا علاقة لهم بالأطراف السياسية الحالية"، مشبهاً حراكهم بحراك فبراير عام 2011، الذي أسقط نظام الرئيس السابق معمر القذافي عندما تجاهل مطالب الشعب.

وقال في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "السلطات لا تريد التعاطي مع مطالب أهل الجنوب، وأصرّت على وصفهم بالإرهابيين على لسان رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله وعلى لسان عضو المجلس الرئاسي أحمد معيتيق بدلاً ًًمن الحوار معهم".

وحمل السعيدي الحكومة في طرابلس نتائج سياستها في حال فقد الأهالي ثقتهم في الحكومة، متسائلاً: "هل تنفع التهديدات مع مواطن يعاني الجوع ويرى مريضه يموت أمامه والمليشيات تخطف من حوله في كل لحظة".

وأيد عضو مجلس النواب مطالب حراك غضب فزان، بـ"ضرورة أن يكون لهم تمثيل قوي وفاعل في الحكومة وإخضاع القوات الموجودة بالجنوب لإمرة أبناء المنطقة، وهي مطالب تضمنها بيان الحراك مؤخراً في شكل تصعيد تجاوز المطالب بتحسين الظروف المعيشية".

وطيلة السنين الماضية عانى الجنوب صراعات مسلّحة قبلية، ولا سيما التي وقعت بين التبو والطوارق عام 2014 في أوباري، ومثلها في عدة مرات بين أولاد سليمان والتبو والقذاذفة في سبها، وفاقمت الحدود الجنوبية المفتوحة، التي سمحت بتدفق المهاجرين غير الشرعيين من أزمات المنطقة التي تعاني أصلاً انفلاتاً أمنياً، حدّ من وصول الموادّ الأساسية والوقود والسيولة النقدية للبنوك.

وفي خطوة من شأنها تأزيم الأوضاع، استنكرت البعثة الأممية لدى ليبيا في بيان لها قبل يومين، إغلاق حقول النفط في الجنوب، مطالبة من وصفتهم بـ"العناصر المسلحة" بالانسحاب الفوري من تلك الحقول، وهو ما استنكره بدوره مصطفى الشريف، عضو "حراك غضب فزان"، معتبراً أن البعثة "تعدت دورها الداعم في الأساس للمطالب الإنسانية وجهودها في توفيرها، لتصف من يطالب بها بالعناصر المسلحة".

وقال الشريف لـ"العربي الجديد"، إن "مطالب الأهالي شرعية والإقدام على إغلاق الحقل رسالة إلى السلطات وإخوتنا في الشرق والغرب من الليبيين، بأن خيرات النفط تمر من تحت أرجلنا ونحن نعاني الجوع وأطفالنا يموتون يومياً بسبب عدم توفر الدواء، حتى الأمصال التي تكافح سموم العقارب لا نجدها ويصارع الطفل الموت بين يدي والده وهو ينظر".

وتساءل "عضو حراك فزان"، قائلاً: "لماذا لم تلتفت البعثة الأممية إلى المسلحين في طرابلس وهم على بضع خطوات من مقارّها"، محملاً مسؤولية تصاعد الأوضاع في الجنوب لحكومة الوفاق.

وقال: "بدلاً من التعاطي مع مطالبنا العادلة أحيلت أوراق بعض منظمي الحراك لمكتب النائب العام"، مشيراً إلى "تضامن حرس المنشآت النفطية معنا، الذي يحمي حقل الشرارة وحقول أخرى ربما نقدم على إغلاقها أيضاً".

وحذر قائلاً: "يمكننا تكوين قوات بجهود منا لكننا لا نريد لها أن تكون خطوة نحو تكريس الانقسام أكثر مما تعانيه البلاد بين الشرق والغرب"، لافتاً إلى مشاورات حالية بين قيادات وقبائل في الجنوب تسعى لإعلان مقاطعة المؤتمر الوطني الجامع الذي تستعد البعثة الأممية لعقده مطلع العام المقبل.

وأكد أن الحراك بدأ في التصعيد ليشمل الصعيد السياسي، لإيصال رسالة مفادها أنه "لا استقرار في البلاد دون استقرار الجنوب"، مشيراً إلى "سعي قيادات بارزة لعرقلة انعقاد المؤتمر الوطني الجامع المرتقب". ​

 

 

 

المساهمون