زحمة دعوات الحوار الأفغاني: إبحث عن "داعش" وأزمة باكستان

01 مارس 2018
ارتفعت حدّة الاعتداءات أخيراً (وكيل كوهسار/فرانس برس)
+ الخط -
بدت التحوّلات الأخيرة في أفغانستان أقرب إلى الغرابة، أقلّه لناحية الاقتراحات المتبادلة من جميع الأطراف الرئيسية، تحديداً الولايات المتحدة وحركة طالبان والحكومة الأفغانية، والتي صبّت جميعها في سياق الحوار والسلام. ومع اختلاف التكتيكات المتّبعة للوصول إلى حلّ سلمي في أفغانستان، إلا أن مسببات التقارب متعددة، منها ما هو لضرب العدو المشترك لجميع هؤلاء، وهو "داعش"، وإما لأن الخلاف الأميركي ـ الباكستاني بات أكبر من قدرة الجميع على تحمّل تداعياته في أفغانستان.

آخر العروض المقدمة في هذا السياق، كان عرض الرئيس الأفغاني أشرف غني، أمس الأربعاء، الاعتراف بحركة طالبان كجماعة سياسية مشروعة، حسبما كشف في افتتاح مؤتمر "عملية كابول" الثاني للسلام، الذي حضره ممثلون من نحو 25 دولة ومنظمة؛ مؤتمر دولي وهادف إلى إنشاء منصة لإجراء محادثات سلام.

كما أتى اقتراح غني بعد سلسلة إشارات من كل من الحكومة المدعومة من الغرب وحركة طالبان دلت على استعداد أكبر لبحث مسألة الحوار. وفي اقتراح غني "وقف إطلاق النار والإفراج عن سجناء"، أبدى استعداده لـ"قبول مراجعة الدستور في إطار اتفاق مع حركة طالبان، والحكومة تعرض مفاوضات سلام على طالبان من دون أي شروط". وأضاف أن "الحكومة ستقدم تسهيلات وستوفر الأمن لطالبان حال انضمامها لعملية السلام"، مشدّداً على أنه "سندرس وجهة نظر طالبان بشأن محادثات السلام". وكشف أن "الحكومة ستصدر جوازات سفر وتأشيرات دخول لأعضاء طالبان وعائلاتهم، وستفتح مكتباً للحركة في كابول، كما ستعمل على إزالة العقوبات المفروضة على قادة طالبان". وذكر أنه "يجب الموافقة على وقف لإطلاق النار، كما يتعين على طالبان تدشين حزب سياسي، ويجب على طالبان القبول بسلطة الحكومة الأفغانية، وسنعمل أيضاً على إعداد قائمة بسجناء طالبان الذين سيفرج عنهم، ويمكن إعادة دمج المقاتلين السابقين واللاجئين في المجتمع وتوفير فرص عمل لهم ". وطالب غني أيضاً بإجراء محادثات رسمية مع باكستان. مع العلم أن مؤتمر "عملية كابول" الأول انطلق في يونيو/ حزيران من العام الماضي.


ومثّلت هذه التصريحات تحولاً كبيراً في موقف الرئيس الأفغاني الذي دأب على وصف مقاتلي طالبان بـ"الإرهابيين" و"المتمردين". كما حضّت كابول عناصر الحركة على اتخاذ "خطوات عملية"، فأكد المتحدث باسم الحكومة هارون شاخنسوري، أن "جميع الأبواب مفتوحة لإجراء محادثات سلام". وقال في مؤتمر صحافي إنه "إذا كانوا أفغاناً فعليهم التحاور مع الحكومة الأفغانية. لن تحاورهم الولايات المتحدة". أما بالنسبة إلى طالبان فقد سبق أن عرضت بدء محادثات مع الولايات المتحدة، لكنها رفضت حتى الآن إجراء محادثات مباشرة مع كابول.

ودعت الحركة يوم الإثنين الماضي، إلى محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة للتوصل إلى "حل سلمي" للنزاع، في تغيير جذري في استراتيجيتها، بعد نحو 17 عاماً من القتال بينها وبين الولايات المتحدة، بعد الهجمات التي تعرّضت لها أميركا في 11 سبتمبر/أيلول 2001. وسبق للحركة أن نشرت رسالة مفتوحة في وقت سابق من الشهر الحالي عبّرت فيها عن رغبتها بإجراء محادثات السلام، داعية الشعب الأميركي والمشرّعين الأميركيين إلى الضغط على إدارة الرئيس دونالد ترامب لحثها على إطلاق المفاوضات.

ورأت الولايات المتحدة يوم الثلاثاء، أن "الحركة لا تزال غير مستعدة لإجراء مباحثات سلام في أفغانستان رغم الدعوة التي أطلقتها الى الحوار". وذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر نويرت للصحافيين "لا يبدو أن طالبان مستعدة في هذه المرحلة للجلوس على الطاولة والتحدث عن السلام، رغم أننا نأمل بأن تصبح كذلك قريباً لأنها الطريقة الأفضل للتوصل إلى سلام في أفغانستان". وأكدت نويرت أن "أي محادثات سلام يجب أن تكون بين الأفغان أنفسهم وبقيادة أفغانية"، مشيرة إلى أن "بلادها لا ترى أي حل عسكري للوضع في أفغانستان وتصرّ على أن الحل سياسي فقط ويتم بالحوار".

بدورها، ذكرت نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون وسط وجنوب آسيا، أليس ويلز، أن "الولايات المتحدة أبقت الباب مفتوحاً للحوار مع طالبان"، مشيرة إلى أن "المجال لا يزال مفتوحاً لإجراء محادثات". لكن قيادياً كبيراً في "طالبان" أكَّد عدم اهتمام الحركة بإشراك الحكومة الأفغانية أو إسلام أباد، الداعم التاريخي للحركة، في أي محادثات محتملة. وقال القيادي "نحن الأطراف الفعلية فلنجلس ونتحدث بشكل مباشر دون وجود طرف ثالث، لا باكستان ولا أفغانستان".

مع العلم أن الانفتاح الذي أبدته طالبان تجاه إجراء مفاوضات أمرٌ مستغربٌ منها، فلطالما كررت رفضها بدء محادثات قبل انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان. غير أن مسببات الحراك الطالباني الأخير، قد تكون جراء سلسلة من الخطوات الأخيرة، عبر الحوارات المتنقلة بين روسيا وتركيا، فضلاً عن عدم قدرة طالبان على تحمّل ضغط تنظيم "داعش" أخيراً، في ظلّ المؤشرات الدالّة على انتقال عدد من عناصر التنظيم إلى ذلك البلد. عدا ذلك، فإن الخلاف بين الولايات المتحدة وباكستان، بات بمثابة عبء على طالبان، وهي في سياق مطالباتها بحوار مباشر مع الولايات المتحدة، بدت وكأنها لا تعترف بسلطة كابول، في خطوة ضمنية للمحافظة على "ثوابتها" التي حاربت فيها الولايات المتحدة.

(العربي الجديد، رويترز)