أزمات القوات الأمنية الأفغانية تتفاقم: هجمات داخلية وفرار الجنود

20 مارس 2016
استعر القتال في بعض الجبهات (شاه ماراي/فرانس برس)
+ الخط -
رغم التحسّن الكبير والملحوظ في قدرات القوات الأفغانية خلال الأشهر الأخيرة، تحديداً في ما يتعلق بالتدريب والقدرة القتالية، إلا أنها لم تزل تواجه العديد من التحديات، أكبرها وأكثرها خطورة، مرتبط بالهجمات الداخلية المتكررة، وفرار الجنود ورجال الأمن. وفي وقتٍ أجّجت فيه الهجمات الداخلية الذعر في أوساط الجيش والقوات المسلحة، أثارت قضية فرار الجنود قلق قادة القوات الدولية العاملة في أفغانستان، والحكومة الأفغانية معاً.
في هذا السياق، ارتفعت وتيرة الهجمات الداخلية، التي تترك آثاراً سيئة على معنويات الجنود ورجال الأمن، بعد انسحاب القوات الدولية من أفغانستان نهاية عام 2014، ما يُشرّع الأبواب أمام التساؤلات عن مستقبل الجيش الأفغاني، الذي يعوّل عليه المجتمع الدولي لمحاربة الجماعات المسلحة، التي باتت تُشكّل خطراً لأمن المنطقة، وخصوصاً أن الإحصائيات الأخيرة تشير إلى انخفاض عدد المجندين في الفترة الأخيرة.

في هذا الإطار، شهد الربع الأول من العام الحالي هجمات داخلية متتالية، آخرها وقع مطلع شهر مارس/ آذار، حين هاجم جندي أفغاني رفاقه في منطقة شين خور، بإقليم قندهار، جنوبي البلاد. الهجوم، الذي تبنّته حركة "طالبان" ووصفت منفذه بـ"البطل"، أسفر عن مقتل أربعة جنود. وقبل أسبوعين من هذا الهجوم نفّذ جنديان هجوماً مماثلاً في المدينة نفسها، أدى لمقتل 5 جنود وإصابة ستة آخرين. وفي نهاية شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، قُتل 10 جنود نتيجة قيام جندي بتسميم رفاقه في إقليم أورزجان.

ويدلّ تكرار هذه الهجمات وارتفاع وتيرتها، على نفوذ "طالبان" والجماعات المسلحة داخل المؤسسة العسكرية، ويُحدث إرباكاً في صفوف رجال الأمن. كما طرحت تساؤلات حول أداء الحكومة، ولا سيما أن الضعف في الإدارة وغياب مبدأ المحاسبة، من أهم أسباب تلك الهجمات.

ولكن يبدو أن الحكومة انتبهت أخيراً إلى خطورة القضية، وشنّت حملة تفتيش في صفوف رجال الأمن، اعتقلت على أثرها العشرات. كما أعلنت السلطات الأمنية عن اعتقال 30 فرداً من ضباط ورجال الأمن خلال الأيام الأخيرة، في إقليم هلمند، الذي يشهد معارك ضارية بين مقاتلي "طالبان" وقوات الأمن.

علاوة على ذلك، أطلقت الحكومة حملة إصلاح في صفوف قيادة الجيش والقوات المسلحة، فأقالت من خلالها عشرات الضباط والمسؤولين، ولاقت إصلاحاتها ترحيباً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية. غير أنها عُدّت فاشلة في سياق الحدّ من الهجمات الداخلية، التي تعوّل عليها الجماعات المسلحة، وعلى رأسها "طالبان"، كونها تؤدي إلى فقدان الثقة في القوات المسلحة الأفغانية.

اقرأ أيضاً وثائق بن لادن: هواجس وملايين مفقودة وشؤون عائلية

ليست الهجمات الداخلية وحدها ما يُثقل كاهل القوات الأفغانية، بل ثمّة قضية أخطر من ذلك تهدد مستقبل المؤسسة العسكرية، هي فرار الجنود ورجال الأمن. القضية مطروحة منذ أمد طويل في مختلف الصعد الإعلامية والسياسية، إلا أن صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، كشفت في تقرير في شهر فبراير/ شباط الماضي، أن "36 ألف عنصر من الشرطة الأفغانية هربوا من وظائفهم في عام 2015".

ويفيد التقرير بأن "الداخلية الأفغانية كشفت عن هذه الحقيقة في رسالة لها، وجّهتها إلى الجهات المانحة والدول الداعمة للمؤسسة العسكرية". بيد أن الداخلية الأفغانية نفت الادعاء، مؤكدة أن "ما بثته الصحيفة هو أمر غير واقعي ولا أساس له من الصحة".

إلا أن ضابطاً متقاعداً في الجيش الأفغاني، هو محمد نوروز خان، يتفق مع الصحيفة إلى حدّ ما. ويذكر قصة ثلاثة ضباط من رفاقه فروا من الجيش، بعد أن تلقى أفراد من عائلاتهم تهديداً بالقتل من "طالبان"، لكن اثنين منهم عادا إلى العمل بعد أشهر عدة بحكم الظروف المعيشية الصعبة.

يقول الضابط المتقاعد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "نسبة فرار رجال الأمن وجنود الجيش ارتفعت بعد انسحاب القوات الدولية، بسبب هجمات طالبان المتزايدة". ويضيف أن "18 إقليماً أفغانياً في حالة حرب، بالتالي فإن جنود الجيش ورجال الأمن لا يستطيعون العودة إلى منازلهم، تحديداً في المناطق النائية".

المكوث الطويل والبقاء لفترات أطول في جبهات القتال من أسباب فرار الجنود، كما يوضح نوروز. ويتابع قائلاً إنه "في بعض الأحيان يمكث الجنود ستة أشهر أو أكثر في جبهات القتال مع طالبان، بالتالي فإن بعض هؤلاء لا يعودون إلى العمل بعد العودة إلى منازلهم".

وعلى عكس ما يدّعيه الضابط المتقاعد، يرفض مسؤول إدارة مكافحة الإرهاب في الداخلية الأفغانية أمرالله أمان، صحة التقارير التي تؤكد فرار رجال الأمن، ويزعم أن "عدد رجال الأمن الحاليين أكبر من العدد المطلوب المتفق عليه بين الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي"، مشدّداً على أن "الحكومة منتبهة إلى القضية، وتأخذ جميع الخطوات اللازمة بهذا الصدد".

من جهته، يرى المحلل الأمني محمد إسماعيل وزيري، أن "تقرير الصحيفة الأميركية فيه الكثير من الغلوّ، وأن عدد الهاربين من القوات المسلحة ليس بهذه الوتيرة"، غير أنه لا يرفض الأمر بالكامل، كما تفعل الحكومة. ويضيف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "أحداث الفرار المتكررة، هي بسبب الوضع الأمني الصعب في البلاد من جهة، وضعف الإدارة من جهة أخرى، ولكنها ليست بالوتيرة التي ذكرتها الصحيفة الأميركية".

اقرأ أيضاً: هجمات انتحارية لـ"طالبان" على مبان حكومية جنوب أفغانستان

المساهمون