لا يبدو أن وضع مصر مع وباء كورونا تحت السيطرة، أقله وفقاً لمعطيات تقرير رسمي داخلي أعدته أجهزة الدولة المصرية الأمنية والطبية بغية عرضه على لجنة إدارة أزمة وباء كورونا. فقد توقع التقرير بلوغ عدد الإصابات في البلاد ذروته خلال الأسبوع الثالث من شهر مايو/ أيار المقبل، الذي سيوافق نهاية شهر رمضان وحلول عيد الفطر. ومن المتوقع أيضاً استمرار إغلاق الشواطئ والمنتزهات، غير أنه لم يتم الاتفاق بعد على كيفية التعامل مع هذه المناسبات فيما يتعلق بالحظر والتباعد الاجتماعي، في ظل إرادة النظام الحاكم استمرار الأنشطة الإنتاجية والاقتصادية ولو على حساب صحة المواطنين.
وتضمّن التقرير عدداً من المؤشرات السلبية التي بدأت في الظهور بعد خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 7 إبريل/ نيسان الحالي، الذي قال فيه إن "خسائر التوقف الاقتصادي أكبر من خسائر إصابات كورونا"، ثم بعد قرار الحكومة في اليوم التالي تقليص فترة حظر التجول لمدة ساعة، مع استمرار وقف التعليم والطيران وأماكن التجمّع والترفيه. لكن التقرير لم يتحدث صراحة عن شهر رمضان وعيد الفطر، بل وصف ما ترتب عليهما من آثار يمكن أن تؤدي إلى تخفيف القيود على الحركة. فبعد أيام من إعادة تشغيل كل المصانع الصغيرة والمتوسطة في ضواحي القاهرة الكبرى تحديداً، وزيادة نسب التشغيل في مشاريع المقاولات والإنشاءات، ازدادت أعداد المصابين المسجلين في الشرائح العمرية التي ينتمي إليها معظم العمال، أي الفئة التي يتراوح عمرها بين 30 و50 عاماً، بنسبة 30 في المائة عن العدد المسجل فيها سابقاً، كما ارتفعت أعداد الإصابات في المحافظات ذات الأنشطة الإنتاجية والمجمّعات الصناعية كالجيزة ودمياط والشرقية والإسماعيلية وبورسعيد.
وكشفت الإحصائيات عن تراجع توافد المصريين على أماكن التجمّع والترفيه (التي تشمل المطاعم والمحال التجارية غير الغذائية والمقاهي والسينما) ليصل حالياً إلى 25 في المائة، بعدما كان 50 في المائة من المعدل الطبيعي مع بداية الأزمة وعقب قرارات حظر التجول الجزئي ووضع قيود على الحركة. كذلك انخفض توافد المصريين على أسواق الخضروات والفاكهة ومحال البقالة إلى أدنى مستوياته وهو 10 في المائة فقط، بعدما كان 15 في المائة منذ 10 أيام، وكان أقصى معدل للانخفاض 24 في المائة.
كما أصبح معدل التراجع في استخدام وسائل النقل 25 في المائة فقط، أي أقل من نصف المعدل الذي تم تسجيله مع بداية تطبيق الحظر وهو 55 في المائة وأقل بنحو 10 في المائة مما تم تسجيله مع بداية تخفيف قيود الحركة في الأسبوع الثاني من الشهر الحالي، والأمر مرتبط بعودة تحرك العمال بكثافة على الطرق الداخلية وبين المحافظات، مع استمرار رصد كثافة عالية للغاية داخل القاهرة الكبرى، التي لا تبدو نسبة تسجيل الإصابات فيها متماشية مع عدد السكان الضخم، إذا ما قورنت بمحافظات أخرى كدمياط، والإسكندرية، وبورسعيد. وبحسب الإحصائيات المسجلة أمنياً لا من وزارة النقل، فقد امتدت فترة الذروة لاستخدام مترو الأنفاق لتصبح من الساعة الثالثة عصراً وحتى السابعة مساء، مما يعني أن قرار تخفيض حظر التجول ساعة أدى إلى إضافة ساعة جديدة لوقت الذروة، على الرغم من أنه كان مقصوداً منه تخفيف التزاحم عند العودة من الأعمال.
لكن المعدل الوحيد الذي سجل انخفاضاً أكبر هو الخاص بالتوافد إلى أماكن الترفيه المفتوحة مثل الحدائق، والمنتزهات، وشاطئ النيل، وشواطئ البحر، إذ زاد من 40 في المائة إلى 65 في المائة نتيجة لقرار إغلاق جميع الشواطئ بما في ذلك الخاصة بالقرى السياحية في الساحل الشمالي، ومطروح، والإسكندرية، ورأس البر، وبورسعيد، والعين السخنة، والغردقة، وشرم الشيخ، بعدما لوحظ أن المواطنين بدأوا يقبلون عليها قبل المواعيد الصيفية المعروفة بسبب تعطل الدراسة والعمل من المنازل. ولكن يمكن ربط نسبة الانخفاض هذه في ارتياد أماكن الترفيه المفتوحة بنسبة زيادة الإقبال المذكورة سلفاً، والخاصة بأماكن التجمع والترفيه المغلقة، لا سيما المتاجر التجارية، فالنسبة بلغت 15 في المائة، مما يعطي مؤشراً على ثبات كتلة المواطنين المقبلين على التجمع تقريباً، بالتالي فما نجحت الدولة في منعه بالمنتزهات المفتوحة خسرته في أماكن التجمع المغلقة، لا سيما مع إعادة تشغيل أكبر عدد ممكن من المراكز التجارية بشرق القاهرة أخيراً وبطاقتها القصوى طيلة ساعات النهار.
وعكست الإحصائيات مشهداً منفلتاً للشارع المصري في مواجهة هذه الأزمة يبدو للعيان في الصور المتداولة للأسواق والمتاجر في الأيام الأخيرة، مع إقبال المواطنين على شراء حاجياتهم وتخزين السلع بمناسبة قرب شهر رمضان وعيد الفطر، إلى جانب عدم الالتزام بقرارات الحكومة وليس فقط بدعواتها للتباعد الاجتماعي، فالإقبال على السفر في الأيام الماضية كان قائماً لكن الأمن على بوابات المحافظات والمدن الساحلية منع نسبة كبيرة من الراغبين في الدخول. وأوضحت الإحصائيات أن الزيادة المطردة في أعداد الإصابات أصبحت بمتوسط 150 حالة خلال الأيام السبعة الماضية، هي أدنى من النسبة المتوقع اكتشافها في ظل الوضع المنفلت حالياً. ويُتوقع أن تصل الأعداد المكتشفة يومياً إلى 200 إصابة في المتوسط خلال الأسبوعين المقبلين، في حال استمرت معايير إجراء التحاليل بالصعوبة الحالية، مما سيسهم بالتأكيد في انخفاض أعداد الحالات المكتشفة عن الواقع، فمن المنطقي أن تزيد الإصابات على 400 حالة يومياً بحلول الأسبوع الثالث من مايو/ أيار، لكن ليس من الواضح ما إذا كان لوزارة الصحة إمكانية للكشف عن كل تلك الأعداد.
وما زالت معدلات استكشاف الإصابات وتحديد بؤر انتشار العدوى ضئيلة، نتيجة ضعف أدوات الترصد الوبائي المتمثلة في التحليل الواسع لمخالطي الإصابات عشوائياً أو بصورة شاملة، وعدم السماح لجميع المخالطين بدخول المستشفيات، إلا بشرط أن تظهر عليهم الأعراض، وكذلك التشدد في قبول حالات الاشتباه القادمة من الخارج، وأخيراً، وهو السبب الذي يحمله التقرير المسؤولية الكبرى، تخوف المواطنين من الإبلاغ عن أنفسهم وغيرهم من أفراد الأسرة بأعراض كورونا، خوفاً من الوصمة المجتمعية ومن عدم إقامة جنازة للمتوفين وغير ذلك من الاعتبارات الاجتماعية.
وقارن التقرير بين وضعية ترصّد الوباء في مصر والنسب المكتشفة في عدد من دول العالم، فتبيّن تغير معدل اكتشاف الحالات الموجبة بالنسبة لعدد من يتم التحليل لهم، ليصبح حالة واحدة من كل 14 حالة (كانت 1/17 في الأسبوع الثاني من الشهر الحالي) وهو معدل قريب من الذي يعلنه الاحتلال الإسرائيلي (1/13) لكنه نصف المسجل في إيطاليا حالياً. ويعني هذا أن عدد التحاليل التي أجريت في مصر ارتفعت من 25 ألفاً إلى 43 ألفاً تقريباً خلال الأسبوع الماضي، وهو ما زال رقماً ضئيلاً بمعدل عام أقل من 900 تحليل يومياً.
لكن مصدراً في وزارة الصحة كشف لـ"العربي الجديد" أنه على الرغم من ضآلة هذا المعدل، إلا أنه يعني بدء تنفيذ توصيات مضاعفة عدد التحاليل يومياً، سواء بتوسيع دائرة الاشتباه أو السماح بالتحليل لمن تظهر عليهم الأعراض، من دون أن يكونوا من المخالطين، لأن تسجيل هذا الرقم حالياً يعني أن المعدل اليومي خلال الأسبوع الماضي تخطى 1050 تحليلاً يومياً. وأرجعت المصادر ذلك إلى أمرين؛ أولهما وصول كميات كبيرة من المواد المستخدمة في اختبارات كورونا وأجهزة الكشف السريع على حالات الاشتباه، كمساعدات من الصين، وثانيهما ارتفاع عدد التحاليل التي أجريت للأطباء والممرضين خلال الفترة الماضية، وتخطت في بعض المستشفيات الحكومية المائة تحليل يومياً، لمحاولة تدارك انتشار المرض بين الأطقم الطبية.
وتجاوز عدد الحالات المسجلة في مصر حتى الآن 3100 إصابة منذ بداية الأزمة، وتم تسجيل رقم قياسي للمعدل اليومي للإصابات والوفيات منذ يومين بتسجيل 188 حالة جديدة، و19 حالة وفاة، بينما تبلغ نسبة الوفيات من إجمالي الإصابات حالياً 7.3 في المائة وهي نسبة مرتفعة تزيد نحو 1.3 في المائة عن المتوسط العالمي، وتعللها وزارة الصحة بوصول نسبة كبيرة من الحالات إلى المستشفيات في مرحلة متأخرة وعدم القدرة على منحها العلاج المناسب.
وقررت الحكومة اتخاذ إجراءات خاصة خلال عطلة شم النسيم المقررة اليوم الإثنين، لمنع التجمّعات، على رأسها وقف وسائل النقل العام والحركة السياحية بين المحافظات وإغلاق المنتزهات والشواطئ ومنع دخول المدن الساحلية والمناطق السياحية، وتطبيق الحظر الإضافي على المحال التجارية والمراكز التجارية المخصص ليومي الجمعة والسبت.
وسبق أن كشفت مصادر حكومية مصرية عن ظهور آراء داخل لجنة إدارة أزمة وباء كورونا، ينتمي أصحابها لأجهزة سيادية وجهات اقتصادية نافذة، تقترح إلغاء حظر التجول بشكل عام خلال شهر رمضان، الذي سيبدأ مباشرة بعد انتهاء فترة الحظر الجزئي السارية حالياً في 23 إبريل/ نيسان الحالي، مع استمرار إغلاق المساجد وساحات الصلاة والاعتكاف، وكذلك منع التجمعات في المقاهي والمطاعم والخيم الرمضانية وغيرها من أشكال الترفيه المعتادة في رمضان.
وذكرت المصادر أن التقارير الأخيرة من وزارة الصحة باتت تحذّر بصورة متكررة من عواقب استمرار وضع الحظر الهش القائم حالياً، لا سيما بعد رصد فرق الترصد التابعة للإدارات الصحية العديد من الخروقات في تنفيذ قرارات الحكومة، مثل عودة تشغيل نسبة كبيرة من المطاعم خلال فترات السماح بالتجول، ضرباً بعرض الحائط قرار إغلاقها بشكل عام واستثناء خدمات التوصيل المنزلي فقط، وكذلك السماح بتجول المواطنين في العديد من المحافظات بعد الثامنة مساء سيراً على الأقدام، وأيضاً إعادة فتح بعض المقاهي في محافظات بالصعيد. وأشارت المصادر إلى أن المعضلة الحقيقية التي تواجه الدولة الآن تتمحور حول استحالة تحقيق التوازن بين متطلبات وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية، التي تحدث ممثلها في مصر يوم الاثنين الماضي داعياً الدولة للمرة الأولى، بما يحمل نقداً مبطناً، إلى الحدّ من تحرك المواطنين وتوسيع إجراءات الفحوص، وبين متطلبات مجتمع المستثمرين الذين تحاول الحكومة من خلال قرارات لوزارتي السياحة والتجارة منعهم من تقليص العمالة أو تقليل نفقات الأجور.