وسط تصاعُد الحراك الدبلوماسي الذي تقوم به مصر بشأن ملف أزمة سدّ النهضة، عبر جولة يقوم بها وزير الخارجية المصري سامح شكري، تشمل 7 بلدان عربية، طالباً منها الدعم السياسي، كشفت مصادر مصرية خاصة على اطلاع دقيق بملف الأزمة، إمكانية اللجوء للخيار العسكري في المستقبل والذي تمّ التلويح به، بشكل غير مباشر، عقب ترؤّس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قبل أسبوع، لاجتماع ضمّ كبار قيادات الجيش في مقر الأمانة العامة للقوات المسلحة، بعد إعلان أديس أبابا عزمها على ملء خزان السد في يوليو/ تموز المقبل، من دون التوصل لاتفاق رسمي مع مصر بشأن ذلك.
لكن المصادر أكّدت، لـ"العربي الجديد"، استحالة الخيار العسكري المباشر في الوقت الراهن، وذلك لأسباب عدة، أهمها عدم تأثير القاذفات التقليدية من طرازات مثل "أف 16" الأميركية، و"رافال" الفرنسية، في الإنشاءات الحالية للسدّ، وذلك في حال التوصل لتفاهمات مع دول جوار بشأن تنفيذ الضربة.
وتابعت المصادر، بخلاف ذلك، هناك نوعان فقط من القاذفات الجوية القادرة على تنفيذ هجمات من شأنها إحداث عيوب أو تلفيات تعطّل تشغيل السدّ، إذ يمكنها حمْل كميات ضخمة من القنابل والطيران لمسافات طويلة، وهما "بي 52" الأميركية، وطرازي توبوليف 95 و160 الروسيين. وأضافت المصادر "للأسف لا يملك هذا الطراز، (في إشارة إلى بي 52)، سوى إسرائيل التي حصلت عليه من الولايات المتحدة"، لافتة إلى أنّ السيناريو البديل للتدخل العسكري المباشر، هو تنفيذ عمل تخريبي من داخل السدّ، وهذا سيناريو مستحيل تماماً.
وتمتلك قاذفات "بي 52" القدرة على حمل قنابل تزن 35.000 كيلوغرام، وتعدّ من الأسلحة التي تنتمي إلى عصر الحرب الباردة، إذ ترمز إلى القوة الأميركية في مجال سلاح الجو بفضل حمولتها الكبيرة من القنابل والذخائر. ونفذت قاذفات "بي 52" ما يعرف بـ"القصف البساطي" خلال حرب فيتنام وكذلك حرب الكويت عام 1991، وكانت تطير أحياناً من الولايات المتحدة وتقصف أهدافاً في العراق، ثمّ تهبط في قاعدة "دييغو غارسيا" الأميركية في المحيط الهندي. كما استخدمت بكثافة أثناء الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، ولجأت إليها القوات الأميركية في قتالها ضدّ تنظيم "داعش" في سورية أخيراً. فيما تبلغ الحمولة الكلية لقاذفات "توبوليف 160" الروسية 40 ألف كيلوغرام من المتفجرات.
من جهة أخرى، كشفت مصادر فنية مصرية عن توجيهات رئاسية بالتحضّر للتعامل مع القرار الإثيوبي ببدء التخزين خلف سدّ النهضة في يوليو/ تموز المقبل، موضحةً أنّ تعليمات رئاسية صدرت لوزارة الري بضرورة تحضير التجهيزات للتعامل مع العجز الذي سيصحب بدء أديس أبابا عملية التخزين، والذي يقدر بنحو 5 مليارات متر مكعب، وسيتم اللجوء إلى المخزون الاستراتيجي من المياه الموجودة ببحيرة السدّ العالي في أسوان، وذلك تحسباً لعدم القدرة على إثناء إثيوبيا عن قرارها قبل يوليو المقبل.
يأتي ذلك في الوقت الذي أكد فيه وزير الري المصري محمد عبد العاطي، في حديث تلفزيوني، الإثنين، أنّ الرئيس عبد الفتاح السيسي "يتابع الملف خطوة بخطوة، ومهتم للغاية بالوصول إلى اتفاق وحلّ نهائي للأزمة، كما أن لديه رؤية وانفتاحاً، وهو مهتم بإحداث تنمية، وبعلاج الفقر في إثيوبيا، بل وفي دول حوض النيل كلها".
وحول دراسات السدّ، أوضح وزير الري المصري أنّ "اللجنة الفنية المصرية أبلغت نظيرتها الإثيوبية بأنّ دراسات سدّ النهضة غير مكتملة، وفيها العديد من القصور، التي تؤثر على أمان السدّ وعلى دول المصب"، لافتاً إلى أنّ "إثيوبيا قللت عدد التوربينات في سدّ النهضة من 16 إلى 12 توربيناً لتوليد الكهرباء بناء على ملاحظات مصرية". وتابع أنّ "السدّ لن يولّد 6 آلاف ميغاوات من الطاقة الكهربائية كما يعلن الجانب الإثيوبي، لكنه سيولد 1600 ميغاوات فقط"، مشدداً على أنّ "المسؤولين في إثيوبيا يضللون شعبهم، بعد جمع أموال ضخمة".
وأشار عبد العاطي إلى أنّ "أحد شروط اتفاق واشنطن بشأن سدّ النهضة هو توليد طاقة كهربائية من السدّ بنسبة 75 في المائة في حالة الجفاف القاسي في مياه النيل، وهذا لن يحدث ولو بعد 10 سنوات"، مضيفاً "كما أنّ الجانب السوداني كان مهتماً بأمان السدّ والتأثيرات البيئية والاجتماعية، ووافق على الاتفاق الأخير بالأحرف الأولى، لكنه لم يوقّع عليه، وتعجبنا من ذلك، في حين وقعت مصر بالأحرف الأولى على الاتفاق".
وأكّد الوزير نفسه أنّ "إثيوبيا والسودان شاركا بأفكار كثيرة لصياغة الاتفاق والمقترحات وكانا إيجابيين؛ والوفود الثلاثة كانت إيجابية"، مضيفاً أنّ "مصر كانت حريصة على نجاح المفاوضات، وهناك إرادة سياسية والتزام بالتوصل إلى اتفاق في ملف سدّ النهضة، ولن نخرج ببيانات وتسريبات مثيرة، كالجانب الإثيوبي الذي كان يخرج ببيان قبل المفاوضات وآخر بعدها لتأليب الرأي العام، ونحن لم نتبع هذا الأسلوب".