"داعش" يدمي عدن: استياء من تكرار الاعتداءات والتقصير الأمني

19 ديسمبر 2016
أوقع التفجير أكثر من 50 قتيلاً (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
لم تكن التداعيات التي أعقبت التفجير الانتحاري في عدن جنوبي اليمن، في العاشر من الشهر الحالي، قد انتهت، حتى أفاقت المدينة يوم أمس الأحد، على تفجير دامٍ جديد، راح ضحيته العشرات من طالبي التجنيد، في اعتداء تتشابه ملابساته مع التفجير السابق إلى حد كبير، وبسيناريو مكرر، من دون أي إجراءات واضحة من السلطات لوقف هذه الهجمات، لتتحوّل عدن إلى هدف أساسي لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وأكدت مصادر محلية في عدن لـ"العربي الجديد"، أن عدد الضحايا حتى عصر أمس الأحد، وصل إلى أكثر من 50 قتيلاً ونحو 25 جريحاً تباينت المعلومات الأولية بين مصادر تقول إنهم من الجنود وأخرى تقول إنهم من طالبي الالتحاق بقوات الأمن في المدينة، كانوا يتجمعون أمام منزل أحد القيادات الأمنية، قبل أن يتسلل الانتحاري إلى صفوفهم ويُفجر حزامه الناسف.
ووقع التفجير أمام منزل قائد قوات الأمن الخاصة في المدينة، العقيد ناصر العنبوري، بالقرب من معسكر الصولبان التابع لقوات الأمن، والذي وقع أمامه التفجير الانتحاري في العاشر من الشهر الحالي، واستهدف تجمعاً مماثلاً لجنود وطالبي تجنيد، قالت بعض المصادر إنهم كانوا يصطفون لاستلام رواتبهم وأخرى بأنهم جاءوا لطلب التجنيد، وهي معطيات تجعل من التفجيرين (الأول في 10 ديسمبر/كانون الأول والآخر أمس)، بملابسات متشابهة إلى حد كبير، خصوصاً أن الجهة الإرهابية التي أعلنت مسؤوليتها عن العملية، هي ذاتها تنظيم "داعش".
وفي الوقت الذي انهالت فيه الانتقادات على الحكومة والأجهزة الأمنية في المدينة بتحميلها المسؤولية عن تكرار الهجمات، والتي تستهدف تجمّعات الجنود وطالبي التجنيد بطرق وظروف متشابهة، جاء التبرير الحكومي متشابهاً، ففي تفجير السبت قبل الماضي، نفت اللجنة المسؤولة عن صرف المرتبات أن تكون هي من دعا الجنود للتجمّع أمام المعسكر لاستلام رواتبهم المحجوزة منذ شهور، في ظل أزمة معيشية واقتصادية خانقة يواجهها اليمنيون. وفي التفجير الذي وقع أمام منزل قائد قوات الأمن الخاصة أمس الأحد، تحدثت بعض المصادر، عن أن طالبي التجنيد تجمعوا دون إذن من السلطات. وفي موقف بات مكرراً، استدعى الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي قيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية، موجهاً إياهم بضرورة العمل بالإجراءات والأساليب الأمنية المطلوبة وبصورة فورية وحازمة. وحمّلهم مسؤولية أي تقصير أو خلل باعتبارهم مسؤولين ميدانيين في إطار أجهزتهم وقطاعاتهم ومعنيين باستقرار وتثبيت الأمن بشكل عام.
وفيما بدا إلقاءً بالمسؤولية على الأجهزة الأمنية التنفيذية، أعلن نائب رئيس الحكومة اليمنية، وزير الداخلية، اللواء حسين عرب، في تصريحات نقلها موقع وكالة الأنباء اليمنية الرسمية أن وزارته أصدرت خطة أمنية ووزعتها على كافة اللجان في جميع المناطق"، مشيراً إلى أن "حدوث مثل هذه العمليات تقع عندما لا تنفذ الخطط كما وردت". وأضاف أن "هناك لجنة ستتولى عملية التحقيق في الحادث وكشف المتسببين في الجريمة".
من جهة أخرى، يُعدّ تكرار الهجمات الإرهابية، والتي تستهدف تجمّعات الجنود والمجندين، مؤشراً على تزايد أنشطة تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي تبنى تفجير أمس، وقال إنه نُفذ بواسطة انتحاري أطلق عليه "أبو هاشم الردفاني" (يشير اللقب لانتمائه لمنطقة ردفان الشهيرة في محافظة لحج)، بعد أن أعلن أن التفجير السابق حصل بواسطة انتحاري يُدعى "أبو سعد العدني"، وهو نجل إمام جامع في منطقة البريقة، انضم والده لتنظيم "داعش"، ويقبع في سجون السلطات.
وكانت عدن شهدت سلسلة تفجيرات استهدفت تجمّعات المجندين، بدأت في فبراير/شباط الماضي، من معسكر رأس عباس، بواسطة انتحاري فجر نفسه وسط تجمّع طالبي التجنيد. وفي مايو/أيار من العام الحالي أيضاً، قُتل وأصيب العشرات بتفجير انتحاري استهدف تجمعاً لطالبي التجنيد أمام منزل قائد في الجيش وهو العميد عبدالله الصبيحي. وفي أغسطس/آب الماضي، قُتل وجرح أكثر من 100 من الجنود وطالبي التجنيد بتفجير انتحاري في معسكر بمنطقة المنصورة. وتبنى تنظيم "داعش" هذه التفجيرات، بعد أن أصدر بياناً في فبراير/شباط حذر فيه من الالتحاق بأجهزة الجيش والشرطة لحراسة ما وصفها بـ"القوانين الوضعية" التي تتبعها الحكومة، وحذر من الاقتراب مما وصفها "أوكار المرتدين" و"الصحوات" سواء كانت مقرات عملهم أو بيوتهم أو الركوب في سياراتهم "فإنهم هدف مشروع لنا".


وارتفعت الأصوات التي تتهم السلطات الحكومية بالتقصير في حماية تجمّعات المجندين، والذين عادة ما ينحدرون من أسر فقيرة، في ظل وضع أمني هش، خلقته الحرب التي انهارت في ظلها مختلف أجهزة الأمن والجيش الحكومية التي كانت تسيطر على عدن ومناطق أخرى، وتعرضت للاستهداف بالمقاتلات الحربية التابعة للتحالف بعد سيطرة مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) والموالين للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، عليها في أواخر مارس/آذار العام الماضي.
من جهة أخرى، يربط محللون بين وقوع الهجمات وبين تطورات سياسية، إذ يأتي تصاعد العنف في عدن، في ظل تواجد الرئيس عبدربه منصور هادي ورئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، في المدينة. ويعتبر بعض الجنوبيين أن الانقلابيين في صنعاء طرف مستفيد من التدهور الأمني في عدن، الذي يظهرها مدينة غير مستقرة. في المقابل، وعلى الرغم من الاتهامات الموجهة لأطراف سياسية، تتفق غالبية ردود الفعل على وجود تقصير أمني من قِبل السلطات.
إلى ذلك، يتزامن وقوع التفجير الذي يضعف الحكومة الشرعية أمام المجتمع الدولي، مع التطورات السياسية الهامة، والمتمثلة بزيارة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إلى العاصمة السعودية الرياض، حيث عقد لقاءات مع كبار المسؤولين في البلاد ومسؤولين خليجين، تناولت أساساً سبل الدفع بجهود السلام اليمنية إلى الأمام.
الجدير بالذكر، أن تنظيم "داعش" ظهر لأول مرة في اليمن، من خلال تفجيرات دامية استهدفت مساجد في صنعاء، في مارس/آذار 2015. ونشط التنظيم خلال الفترة التي تلت ذلك، بتفجيرات متفرقة ركزت في صنعاء على استهداف المساجد. وفي عدن باشر عملياته بأربعة تفجيرات انتحارية في أكتوبر/تشرين الأول 2015، استهدفت مقر الحكومة المؤقت، ومقراً لقوات التحالف. وفي ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، تبنّى التنظيم اغتيال محافظ عدن السابق، اللواء جعفر محمد سعد، أما في العام 2016 فتركزت غالبية الهجمات على الاغتيالات وتجمّعات الجنود والمجندين في عدن بدرجة أساسية، وفي المكلا مركز محافظة حضرموت بدرجة ثانية. ولا يتمتع التنظيم بقيادة ومراكز انتشار معروفة كما هو حال تنظيم "القاعدة"، غير أن السلطات الأمنية في عدن، أعلنت أكثر من مرة عن ضبط خلايا وقيادات تابعة لـ"داعش"، بالإضافة إلى تنفيذ عملية استهدفت معقلاً للتنظيم في منطقة يافع بمحافظة لحج.

المساهمون