رغم الإشادات التي تتلقاها الحكومة الألمانية بقيادة أنجيلا ميركل على مستوى العالم لطريقة إداراتها أزمة فيروس كورونا الجديد، يتخذ الوضع الداخلي على مستوى القيادات ورؤساء وزراء الولايات منحى آخر في مقاربة الأزمة، بعد أن اختلط الهاجس الصحي والاجتماعي بالطموح السياسي، وصولاً لسعي أرباب الصناعات لاستعادة الحركة الاقتصادية، في وقت يحاول فيه اليمين المتطرف الاستفادة من الدعوات إلى رفض حالة الإغلاق والتهويل جراء الوباء.
التضارب في المقاربات حول كيفية التعامل مع المرحلة المقبلة من الأزمة، جاء بعد أن خففت الحكومة الاتحادية بعض القيود، اعتباراً من الاثنين الماضي، مع إلزامها المواطنين بارتداء الكمامات في الأماكن العامة والمتاجر ووسائل النقل العام. هذه الخطوة دفعت، وفق شبكة "ايه آر دي" الإخبارية، وزراء الاقتصاد والسياحة في ثلاث ولايات كبيرة (سكسونيا السفلى وشمال الراين فستفاليا وبادن فورتمبرغ) إلى التحضير لخطة مشتركة لإعادة فتح الأنشطة المعتادة ورفع القيود المتعلقة بفيروس كورونا على مراحل.
وتقضي الخطة، في أولى مراحلها، بإعادة فتح حدائق الحيوانات والمتاحف وملاعب الغولف الصغيرة والسماح لسفن الرحلات بمغادرة الموانئ. أما المرحلة الثانية فيسمح خلالها للمطاعم والمقاهي والحانات ومحال الوجبات السريعة بالعودة إلى العمل، وكذلك الفنادق التي تستوعب أعداداً صغيرة من الزوار، فيما المرحلة الثالثة يعاد فيها افتتاح المسارح وقاعات الحفلات الموسيقية ودور السينما، مع إمكانية إقامة باقي الفعاليات الثقافية، بالإضافة إلى ارتياد حمامات السباحة وفك القيود المفروضة على الفنادق الكبيرة.
ويقتضي كل ذلك الامتثال لشرط المسافة الصارمة ومتطلبات النظافة، على أن تبدأ المرحلة الأولى، وفق تقرير لصحيفة "هانوفيريشه ألغماينه تسايتونغ" في 7 مايو/ أيار المقبل، وتليها المرحلة الثانية في 11 مايو/ أيار، على أن تبدأ المرحلة الأخيرة في 25 مايو/ أيار.
ويأتي هذا التطور في المقترحات لتخفيف القيود المرتبطة بالحجر الصحي، بعد حوار صحافي لرئيس البرلمان وزير المالية السابق فولفغانغ شويبله، حذر فيه أخيراً من تمديد تقييد الحركة والحقوق الأساسية للمواطنين، حيث قال: "لا يجب التركيز وبشكل حصري فقط على حماية الأرواح"، قبل أن يضيف "في مكان آخر يجب ألا نترك القرارات لعلماء الفيروسات وحدهم، بل يجب أن نوازن بين الآثار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية الهائلة وغيرها". من دون أن يغفل الإشارة إلى الجهد الذي تقوم به المستشارة ميركل وحكومتها في برلين، شدد على "ضرورة توخي الحذر لأن عودة تفشي مخاطر كورونا ستكون رهيبة".
هذا الأمر شدد عليه أيضاً وزير الصحة الاتحادي ينس شبان، في حديث لصحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ"، حيث نبه من "التسرع في تخفيف الإجراءات الخاصة باحتواء فيروس كورونا"، ليؤكد أنه "من الصواب أن تسلك الولايات المسار الآمن، وأن تتخذ خطوات صغيرة إلى الأمام لتخفيف الوضع حتى لا تخاطر بانتكاسة كبيرة"، داعياً إلى "عدم التهور حتى لا يذهب النجاح المشترك الذي حققته ألمانيا بالسيطرة على الوباء هباء".
من جهته، توقع رئيس وزراء ولاية بافاريا ماركوس سودر، بعد اجتماع لحكومته، موجة ثانية من الإصابات بفيروس كورونا، وعبر عن مخاوفه قائلاً: "موجة ثانية ستأتي في وقت ما، لا أحد يعرف متى؟" داعياً إلى "الاستمرار بتوخي الحذر حتى لا يتم إرهاق النظام الصحي، وضرورة عدم تخفيف التدابير الخاصة بفيروس كورونا قبل الوقت المناسب".
وكانت ميركل قد نبهت المواطنين، خلال كلمة لها أخيراً في البرلمان، من "الإفراط في تحركاتهم ودعتهم إلى التحمل والانضباط لأن النجاح ما يزال مرحلياً"، مؤكدة أنّ "المثابرة في الانضباط ستترجم بإمكانية العودة بشكل أسرع إلى الحياة العامة والمخالطة الاجتماعية واستعادة الدورة الاقتصادية".
في المقابل، طالب رئيس وزراء ولاية شمال الراين فستفاليا والمرشح لزعامة "الحزب المسيحي الديمقراطي" أرمين لاشيت، في مقابلة مع شبكة "إيه آر دي" الإخبارية، بـ"توسيع النقاش والاستماع إلى الاقتصاديين والباحثين في علم الاجتماع والخبراء في مجال مساندة الأسرة".
من جانبهما، طالب حزبا "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، و"الليبرالي الحر" بالمزيد من التسهيلات للمواطنين والكف عن الحد من حريتهم وفق ما ذكرت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ"، في وقت جابت بعض المدن مسيرات نظمتها أحزاب يسارية دعت الحكومة للتخفيف من القيود.
ويبدو اليمين المتطرف وكأنه يحاول استعادة بعض من تراجعه في استطلاعات الرأي باللجوء للاحتجاجات في الشارع، حيث نظم، أمس الأربعاء، تجمعاً أمام البرلمان في مدينة ماغدبورغ.
ونقلت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" عن القيادي في "البديل" أوليفر كيرشنر، قوله إنّ "الهدف يبقى توجيه الانتقادات للحكومة الاتحادية حيال إجراءاتها بخصوص كورونا لأنها معادية للديمقراطية"، زاعماً أنّ "حكومة ميركل تسبب حالة من الذعر غير المبرر حول الفيروس".
استغلال اليمين والتصويب على اللاجئين
ومع تحركات حزب "البديل"، جاء أخيراً تقرير لهيئة حماية الدستور، يحذر من خطر اليمين المتطرف وإمكانية استغلاله الوضع الطارئ بسبب وباء كورونا ونشر نظريات المؤامرة والتحريض ضد اللاجئين وتحميلهم مسؤولية تفشي مرض "كوفيد 19"، وبالتالي زيادة خطر تعريضهم لاعتداءات من قبل اليمين المتطرف.
وأشار التقرير إلى أنّ "اليمين الشعبوي يفترض أن الإغلاق المتأخر للحدود واستقبال المزيد من اللاجئين سبب التفشي الواسع لفيروس كورونا في ألمانيا".