تضليل روسي بشأن إدلب: ترويج لمفاوضات وتحشيد عسكري بالبحر

29 اغسطس 2018
مخاوف من كارثة إنسانية في إدلب (عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -
تتسارع الضغوط الروسية من أجل دفع فصائل إدلب إما إلى الاستسلام بشروط موسكو، مع ما يعنيه هذا الأمر من فرض حل سياسي شبيه بالتسوية التي جرت في جنوب سورية والتي ترفضها المعارضة السورية في شمال البلاد، أو جرّ الفصائل إلى معركة فاصلة، ينتظر في حال تمت أن تترافق مع مجازر بحق المدنيين الذين تحولت إدلب على مدى السنوات الماضية إلى ملاذ لهم بعدما هجرهم النظام من مناطقهم تباعاً.

مؤشرات المخططات الروسية بشأن إدلب توالت، أمس الثلاثاء، وسط مساع واضحة للتضليل. وتولى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الشق الخاص بالتضليل، إذ خرج في تصريحات صحافية مروجاً أن موظفي "مركز المصالحة الروسية" في سورية يجرون "محادثات ثقيلة وصعبة على جميع المستويات مع من كنا نسميها سابقاً بالمعارضة المعتدلة ونسميهم اليوم بالمسلحين وزعمائهم. كما يجري العمل مع الشيوخ الذين يسيطرون على بعض القبائل في هذه الأراضي"، لافتاً إلى أن هذه المحادثات تهدف إلى تحقيق تسوية سلمية في هذه المنطقة على غرار تسوية الأزمة في درعا والغوطة الشرقية. وهو الأمر الذي نفته "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تضم أكبر فصائل الجيش الحر، في شمال غرب سورية، واضعة إياها في سياق "الكذب والتدليس والمكر والخداع".


أما الجزء الثاني من الخطة الروسية، تحديداً العسكري، فيتضح مما أوردته صحيفة "إزفيستيا" الروسية، في عددها الصادر أمس الثلاثاء، إذ أفادت بأن روسيا تنشر أكبر مجموعة من السفن الحربية في البحر الأبيض المتوسط منذ بدء تدخلها العسكري المباشر في سورية في 30 سبتمبر/ أيلول 2015، بينها ثماني سفن مزودة بصواريخ "كاليبر" المجنحة، بالإضافة إلى غواصتين. وربط خبراء سياسيون وعسكريون، استطلعت "إزفيستيا" آراءهم، بين نشر السفن وبين الاستعداد الروسي للمعركة في إدلب. وقال الخبير العسكري البحري دميتري بولتينكوف: "لهذا الهدف تحديداً تم نشر ثماني حاملات صواريخ (كاليبر) في البحر الأبيض المتوسط في آن معاً. تضرب هذه المنظومات الأهداف الساحلية بفاعلية، ولذلك يمكنها أن تشكل دعماً كبيراً للقوات السورية أثناء تنفيذها عملية برية".
أما العنصر الثالث من الخطة، فيركز على الترويج لأن تنظيم "هيئة تحرير الشام" (التي تشكل جبهة النصرة ثقلها الرئيسي)، بصدد القيام باستفزاز كيميائي بالغ الخطورة في المنطقة، وهو ما علقت الصحيفة عليه بالقول إن الوضع اليوم "يشبه عام 2013، حين تم تفجير ذخائر كيميائية في الغوطة الشرقية، فحاولت الولايات المتحدة تحميل القوات الحكومية المسؤولية وأعلنت عن استعدادها لشن عملية عسكرية محدودة ضد نظام بشار الأسد في سورية، بينما ردت روسيا بإنماء مجموعة الأسطول البحري الحربي في المتوسط وإبعاد السفن الأميركية عن السواحل".
وشهد هذا الأسبوع تكراراً للتصريحات الروسية بشأن استخدام الكيميائي، آخرها ما قاله نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أمس الثلاثاء، عندما أعلن أن بلاده دعت إلى عقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن الدولي لإجراء مشاورات حول الأوضاع في إدلب السورية. وزعم المسؤول الروسي أن تنظيم "هيئة تحرير الشام"، بصدد القيام باستفزاز كيميائي بالغ الخطورة في المنطقة، مدعياً أن رجال الدفاع المدني التابعين للمعارضة والمعروفين بـ"الخوذ البيضاء" "سيصورون فيديوهات ليتم استخدامها كذريعة لشن هجوم عسكري مكثف على سورية من الخارج".

ومع اتضاح تفاصيل التوجهات الروسية، أكدت مصادر في المعارضة السورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه لم تتم مباحثات بين فصائل المعارضة والجانب الروسي. ولفتت إلى أنه "ربما اتصل الروس ببعض المشاركين في مسار أستانة لا أكثر ولا أقل".

من جهته، نفى المتحدث الرسمي باسم الجبهة الوطنية للتحرير، النقيب ناجي أبو حذيفة، صحة تصريحات شويغو، قائلاً في حديث مع "العربي الجديد": "إننا في الجبهة الوطنية للتحرير (الفصيل الأكبر الذي يضم معظم الفصائل في إدلب وحماة والساحل وحلب) ننفي نفياً قاطعاً هذا الكلام. لم يتم التواصل مع الروس، ولن يتم". وأشار إلى أن "التصريحات الروسية تندرج تحت أسلوبهم المفضوح في الكذب والتدليس والمكر والخداع والحرب النفسية على شعبنا وأهلنا". وأكد على الجاهزية العالية لصد النظام في حال حاول الهجوم على إدلب والمناطق المحررة.

في غضون ذلك، لم يطرأ أي جديد على صعيد إيجاد حلول لأزمة "هيئة تحرير الشام"، تحديداً في ما يتعلق بالمساعي التي تبذلها تركيا لإقناع قادة هيئة تحرير الشام وتنظيمات أخرى بسحب الذرائع من يد النظام وحلفائه، من خلال حلّ هذه التنظيمات بهدف التوصل إلى حلول مع الجانب الروسي ربما تبعد شمال غربي سورية عن شفير كوارث إنسانية جمة متوقعة.

وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن المفاوضات "مستمرة" بين السلطات التركية من جهة، وهيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني ومجموعات جهادية ثانية من جهة أخرى، بهدف الوصول إلى اتفاق وتوافق على حل هذه الفصائل لنفسها. ونقل المرصد عن مصادر "موثوقة" تأكيدها وجود تخبط في صفوف قادة وعناصر هذه المجموعات، "إذ وافق قسم منها على مطالب السلطات التركية بحلّ نفسها، في حين رفض القسم الأكبر عملية الحل هذه، أو الموافقة على أي من الشروط التركية ضمن التفاوض". ويشكّل وجود هيئة تحرير الشام، التي تشكل جبهة النصرة ثقلها الرئيسي، العقبة الرئيسية أمام التوصل لحل سياسي يجنب شمال غربي سورية عملية عسكرية واسعة النطاق هي "كارثة" بكل المقاييس الإنسانية والعسكرية، حيث تستهدف منطقة تضم ملايين السوريين فضلاً عن وجود عدد كبير من الفصائل فيها.


ولطالما اتخذ النظام السوري، وحلفاؤه الروس والإيرانيون، من "الهيئة" غطاء وذريعة للفتك بالسوريين، مدنيين وفصائل عسكرية تُوصف بـ"الاعتدال" تبحث عن حل سياسي للأزمة السورية تحت غطاء الأمم المتحدة، وهو ما يقلق النظام الذي ساهم في صنع الإرهاب والتنظيمات التي تتهم بالتطرف كي تكون مدخلاً واسعاً لاستعادة السيطرة على سورية والعودة بها إلى ما قبل عام 2011.

وكان القائد العام لـ"هيئة تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني، قد قال في تسجيل مصور الأسبوع الفائت، إن "سلاح الثورة خط أحمر لا يقبل المساومة"، مشيراً إلى أن "المصالحات التي أجراها الجانب الروسي مع فصائل المعارضة السورية المسلحة أسقطت الجنوب". وأكد أن "الهيئة لن تسمح بتمرير هذا الأمر في الشمال السوري"، لافتاً إلى أن "الهيئة اعتقلت رؤوس الذين يدعون إلى مصالحة مع النظام". وقال إن "ما قامت به الهيئة من حملات أمنية ضد مروّجي المصالحات في إدلب، هو للعمل على إفشال أي مشاريع أو خطط من قبل نظام الأسد لتكرار سيناريو جنوب سورية في إدلب، وعدم إمكانية تمرير ما قامت به روسيا ونظام بشار الأسد في الجنوب من مصالحات في إدلب". وشدد على أن "الهيئة مستعدة للمواجهة في شمال غربي سورية"، مؤكداً أن "الاستسلام خيانة للشعب". لكن "الهيئة" تدرك أن العناد يضعها في مواجهة مباشرة مع الأتراك وفصائل المعارضة السورية التي لا تزال حتى اللحظة تأمل بقرار من قادة "الهيئة" يجنب الطرفين مواجهة لا منتصر فيها، وتصبّ في صالح النظام الذي يتأهب لشن عملية عسكرية تدفع شمال غربي سورية إلى حافة الهاوية.

وأكدت مصادر مطلعة في المعارضة السورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن قادة هيئة تحرير الشام يدرسون الاحتمالات كافة، بما فيها الإعلان عن الاندماج مع الجبهة الوطنية للتحرير (التابعة للمعارضة السورية) أو مع فصائل أخرى، كما فعلت "الهيئة" سابقاً، إذ تخلت عن تسمية جبهة النصرة تحت الضغوط، وتحولت الى جبهة فتح الشام، ومن ثم اندمجت مع فصائل أخرى تحت مسمى هيئة تحرير الشام. وأشارت المصادر إلى أن الضغط الشعبي والإقليمي ربما يدفع قادة الهيئة إلى الإعلان عن حلها وتوزيع مقاتليها على الفصائل الأخرى "لكن هذا الخيار سيدفع متشددي الهيئة للالتحاق بتنظيم أكثر تشدداً هو (حراس الدين)، ما من شأنه خلق أزمة أخرى"، وفق المصادر. ويضم تنظيم "حراس الدين" مسلحين متهمين بتطرف يفوق تطرف عناصر "هيئة تحرير الشام"، يقدر عددهم بنحو ألف وينتشرون في ريف إدلب الغربي وفي أجزاء من ريف اللاذقية الشمالي. وهناك مسلحو الحزب التركستاني المنتشرون في ريف مدينة جسر الشغور، وهم متهمون بالتطرف، ومن الممكن أن يكونوا وجهة لمتشددي "الهيئة" في حال حل الأخيرة تجنباً للمواجهة.

وفي السياق، رجحت مصادر مطلعة على كواليس ما يجري داخل هيئة تحرير الشام، أن يتم تغيير اسم الهيئة، مشيرة إلى أن هناك تحولات كبيرة داخل الهيئة نفسها على صعيد تبديل خطابها المتشدد، موضحة أن مقاتلي الهيئة بدأوا في الآونة الأخيرة يتلقون محاضرات بالإسلام السياسي، مع تقصير للذقون وارتداء ملابس عسكرية فقط. وأشارت إلى أن طيران التحالف الدولي "اغتال أغلب القادة المتشددين في الهيئة، أمثال أبو الفتح المصري، وأبو عمر سراقب"، مؤكدة أن الجولاني "سيضطر إلى تقديم تنازلات كي يتجنب مصيراً مشابهاً".

وبرأي المحلل العسكري، العميد أحمد رحال، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، فإن تغيير اسم هيئة تحرير الشام "لم يعد مجدياً"، مشيراً إلى أن جبهة النصرة قامت سابقاً بتغيير اسمها، ولكنه لم يغير من طبيعة المواقف نحوها. ولفت إلى أن المشكلة الرئيسية هي "الغرباء"، شارحاً بأن هناك آلافاً من غير السوريين في الهيئة وتنظيمات أخرى ترفض دولهم عودتهم إليها، وهو ما يعقد أزمة هذه التنظيمات ويحول دون التوصل لحل سياسي. وأشار إلى أن "السوريين في هيئة تحرير الشام لا يحملون فكر القاعدة، لذا التعامل معهم سهل، حيث نقوم بإعادة تأهيلهم"، معرباً عن اعتقاده بأن النظام وحلفاءه لا يريدون حل هيئة تحرير الشام كي يقتحموا المنطقة بذريعتها. وأكد أن الروس يعتبرون كل من حمل السلاح ضد الأسد إرهابياً "ومن ثم لن يكتفوا بحل هيئة تحرير الشام وتنظيمات أخرى، وسوف يطالبون بحل كل فصائل المعارضة". وبرأي رحال، فإن تركيا "أغلى من الأسد" لدى الروس، مشيراً إلى أنه لا يتوقع عملية عسكرية واسعة النطاق. وأضاف "ربما تجري عمليات محدودة على أطراف جسر الشغور وما تبقى من جبلي التركمان والأكراد في ريف اللاذقية الشمالي". ولفت إلى أن "هدف الروس فتح طريقي اللاذقية حلب، ودمشق حلب".