معارضة الداخل في سورية: مبادئ حل تحت سقف النظام

23 فبراير 2015
"بناء الدولة" كان يتواصل مع خوجة (عن موقع الائتلاف)
+ الخط -


تدلّ ورقة التفاهم السياسية التي وقّعتها في دمشق أمس الأحد، مجموعة من القوى السورية المعارضة والموالية، أن هذه القوى لا تزال تعمل تحت مظلة النظام السوري، ولم تتمكّن من تطوير خطابها ولغتها السياسية، بما يواكب التطورات الهائلة التي شهدتها الساحة السورية طيلة السنوات الأربع الماضية.

الورقة التي وقّعها كل من "تيار بناء الدولة السورية"، وحزب "الشعب"، وحزب "التضامن"، وحزب "التنمية" القريبين من النظام، إضافة إلى قوى وشخصيات عامة، مع ملاحظة غياب هيئة التنسيق الوطنية، تقول إن الوضع السوري وصل إلى حالة كارثية تقتضي من جميع القوى اتخاذ موقف مسؤول، عبر "الانخراط التام للمشاركة بمسار سياسي تفاوضي مسؤول وجدي يحمل تنازلات مؤلمة من الجميع، يكون هدفه وقف هذه الحالة الكارثية والمضي قدماً في بناء سورية الجديدة وطناً موحّداً لجميع السوريين، تتحقق فيه مصالحهم بغض النظر عن خلفيتهم السياسية، وذلك بهدف بناء المستقبل الذي يحقق الحرية والعدالة والأمان للسوريين جميعاً".

ويتضح في قراءة لهذه الوثيقة أن هذه القوى لا تزال تراوح مكانها في البحث عن حل من رحم النظام، لا يُبقي الأخير فحسب، بل يعيد تأهيله عبر تطعيمه ببعض القوى والشخصيات المحسوب بعضها على المعارضة، بينما بعضها الآخر لا يجد حرجاً في إعلان ولائه الصريح للنظام، بل إن بعض هؤلاء يضع صور الرئيس السوري بشار الأسد في مكاتبه الرسمية.

وتنص الورقة الموقّعة على ما تسميه "ثوابت وطنية" تتضمن "وحدة البلاد والحفاظ على سيادتها، الحفاظ على مؤسسات الدولة وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، كفالة وصيانة الحريات السياسية، بناء العملية الديمقراطية الشاملة، ومحاربة الإرهاب بكل أشكاله".

وحتى في هذه الصياغات العامة، تبرز تساؤلات حول المقصود بالحفاظ على "مؤسسات الدولة وعلى رأسها المؤسسة العسكرية"، بعدما باتت المؤسسة العسكرية تُستخدم لسفك دماء السوريين.

وتحدد الوثيقة ما تسميه أسس الحل السياسي بـ"بناء العملية الديمقراطية بما تتضمنه من إطلاق للحريات ووضع آليات لتداول السلطة بشكل ديمقراطي، وإنهاء العنف بما يشمله من نزاعات مسلحة ومن تواجد إرهابي وممارسات عنفية، ومعالجة تداعيات الأزمة".

ومن الواضح أن الحديث عن تداول السلطة بشكل ديمقراطي، يعني دائماً الانطلاق من النظام القائم حالياً، والذي ثبت أنه غير قابل للتطوير، لأنه منظومة أمنية عسكرية عائلية شاملة إذا انهار جزء منها، تنهار كلها.

كما فقد هذا النظام الحد الأدنى من الاستقلالية والقدرة حتى على التحكم بقراراته وتحديد خياراته. أما تصوير الثورة السورية وقمع النظام لها على أنه "عنف ونزاعات مسلحة ووجود إرهابي"، فهذا خلط يتهرب أولاً من التوصيف الصحيح للواقع، ومن ثم تحديد المسؤوليات، ويعجز تالياً عن تلمّس الحلول والمخارج، لأنه لا يستند في الأساس إلى قراءة موضوعية لهذا الواقع.

اقرأ أيضاً: سورية: 5150 برميلاً متفجراً في 3 أعوام

وتتضح هذه القراءة القاصرة من خلال الفقرات التالية في الوثيقة التي سُميت "مبادئ دمشق للحل السياسي توافقات الحد الأدنى"، إذ جاء فيها ضرورة "الدفع والمشاركة بمسار سياسي تفاوضي برعاية وضمانة الدول المعنية بالأزمة السورية، يفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية ائتلافية تتشارك فيها السلطة والمعارضة، تعمل على تنفيذ الحل السياسي من خلال آليات متوافق عليها وأهمها الحوار الوطني".

ويظهر أن الأساس في الحل المقترح من هذه القوى هو "تشكيل حكومة وحدة وطنية ائتلافية تتشارك فيها السلطة والمعارضة"، من دون التطرق لا من قريب أو بعيد لمصير الأسد، الذي من الواضح وفقاً لروح هذه الوثيقة أنه باقٍ كسلطة أعلى من الحكومة المقترحة، وبيده القوات العسكرية والأمنية، الأمر الذي يُحوّل الحديث عن حل سياسي إلى موضوع هزلي لا علاقة له بالواقع المعقّد.

ولا يُخفّف من هذه الحقيقة الفقرات التالية في الوثيقة المقترحة، والتي تدعو إلى "خلق بيئة مناسبة لإطلاق العملية السياسية عن طريق إجراءات بناء الثقة، بما فيها الإفراج عن المعتقلين السياسيين وتحرير المخطوفين وضمان وصول المساعدات الإنسانية، والانفتاح على جميع القوى السورية الموجودة في الداخل والخارج بهدف بناء التوافقات الضرورية لإنجاح العملية السياسية".

والواقع أن هذه الورقة التي وُصِفت بأنها "توافقات الحد الأدنى للقوى الموقّعة عليها، حيث تعمل هذه القوى على وضع برنامج عمل وفقاً لرؤيتها ومنهجها السياسي"، لا يمكن ان تُشكّل أساساً صالحاً للبناء عليه بالنسبة للقوى السياسية الأساسية في الساحة السورية، بما في ذلك هيئة التنسيق الوطنية التي تجنّبت الانخراط فيها، فكيف بقوى الخارج خصوصاً الائتلاف الوطني المعارض الذي أقر من جهته قبل أيام تصوّره للحل السياسي والقائم على مبادئ مؤتمر جنيف من خلال تشكيل هيئة حكم انتقالية حاكمة تتولى جميع الصلاحيات السياسية والعسكرية وتدير مرحلة انتقالية محدودة إلى حين يتم إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وإقرار دستور للبلاد، مع استبعاد تام وصريح للأسد وطاقمه الأمني من هذه العملية.

وكانت مصادر مطلعة قد كشفت لـ"العربي الجديد"، أن "تيار بناء الدولة السورية يتواصل مع رئيس الائتلاف الوطني المعارض خالد خوجة لبناء توافقات حول مبادئ وأسس العملية التفاوضية، بهدف جمع قوى المعارضة"، لكن من المستبعد أن تُشكّل هذه الورقة أساساً صالحاً لتوافق الطرفين، إذ إن الهوة واسعة بين التصورين، على الرغم من اعتبار مصدر في تيار بناء الدولة الوثيقة الموقّعة بأنها "متوافقة مع بيان جنيف 1، ولو حملت لغة مخففة"، وهو ما يزيد من فرصة تقارب القوى السورية على توافق يطلق الحل السياسي، بحسب تعبيره.

ويأتي إعلان هذه المبادئ في وقت يتم فيه التحضير لعقد الجلسة الثانية من "منتدى موسكو" بداية الشهر المقبل، كما يتم التحضير لعقد مؤتمر القاهرة، بين قوى المعارضة السورية المختلفة، والذي تم تحديد تاريخ انعقاده المبدئي في 17 أبريل/نيسان المقبل.

المساهمون