تونس أمام امتحان الوحدة الوطنية لمحاربة الإرهاب

28 يونيو 2015
مسيرة ليلية ضد الاعتداء الإرهابي في سوسة(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

بعد حادثة سوسة الإرهابية، خرجت جماهير المدينة ليلة الجمعة بعد الإفطار في اتجاهين؛ أول إلى ساحة شهيرة وسط المدينة  للتنديد بالإرهاب دعت إليه حركة "النهضة" وجمعيات، والاتجاه الثاني إلى ملعب كرة القدم لمتابعة مباراة في إطار كأس أفريقيا يخوضها "النجم الساحلي" فريق الجهة الأول وحبهم الأكبر، في رسالة عكست حب التونسيين المعروف للحياة وإصرارهم على استمرارها كما كان مخططاً لها، برغم هول الجريمة.

غير أن التونسيين لم يستفيقوا بالكامل من صدمتهم بعد العملية التي سقط من جرائها 38 قتيلاً وجرح العشرات. وحاول مسؤولو الدولة الظهور بموقف المتماسك والحازم للحد من حالة الارتباك التي أحدثتها الضربة الإرهابية القوية. واستجمعوا قواهم لمنع السقوط والحيلولة دون تحقيق هدف الإرهابيين في إرباك الدولة وإدخال الشك في مؤسساتها.

وبدت تأثيرات الضربة أقوى بكثير من حادثة باردو، نظرا للسهولة التي تمكن بها الإرهابي من الولوج الى داخل الفندق والتجول في كثير من فضاءاته بكل هدوء، وملاحقة السياح في كل مكان  لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا. وبدأت تداعيات العملية في الظهور بشكل سريع للغاية، بإصرار عدد من السياح على العودة إلى بلدانهم وإلغاء رحلات كانت مبرمجة إلى الجهة.

غير أن ردود فعل التونسيين عموماً، على المستوى الشعبي والرسمي، كانت حازمة وغاضبةً هذه المرة، وعبروا في كل المداخلات والتصريحات والبيانات عن عزمهم على وضع حدٍّ لآفة الاٍرهاب وتغيير الاستراتيجية في مكافحته، وهو ما تلخص بشكل واضح في رد فعل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الذي تحوّل إلى سوسة مباشرة بعد العملية، وقال إن الدولة لن تسقط ولن تتراجع عن مكافحة الاٍرهاب بكل الوسائل، داعياً إلى اتخاذ إجراءات عاجلة الليلة وليس غداً، وهو ما تُرجم في اجتماع خلية الأزمة الذي تواصل إلى ساعات الفجر الأولى أمس السبت، وخلُص الى قرارات جديدة وقوية أهمها دعوة جيش الاحتياط وتسليح الأمن السياحي ومراقبة الشريط البحري، وإحداث مناطق عسكرية مغلقة جديدة ودعم منظومة الاستخبارات بتقديم مكافآت مالية للمواطنين الذين يساعدون بتقديم معلومات تساهم في القبض على الإرهابيين، وهو إجراء هام لأن كشف خلايا سابقة تم بإعانة مواطنين تونسيين، وفق ما أكدته الداخلية مراراً.

غير أن التونسيين يدركون أن وضع حد للإرهاب ولبقية الأزمات الكبرى، يمرّ حتماً عبر وفاق سياسي واجتماعي عام، هو غير متوفر في الوقت الراهن، بل إن بعض رموز المعارضة وحتى قيادات داخل حركة "نداء تونس"، لم تفوت فرصة لتسجيل نقاط في مرمى الحكومة. ولذلك دعا رئيس الحكومة الحبيب الصيد أمس السبت 21 حزباً سياسياً لتحسيس قياداتها بضرورة الوعي بخطورة الوضع  وحتمية البحث عن وحدة وطنية مفقودة.

سجال السبسي المرزوقي

كذلك أثار الاعتداء الإرهابي سجالاً، وإن كان عن بعد، بين الرئيس الحالي السبسي والسابق منصف المرزوقي، إذ أشار الأول الى أن حملة "وينو البترول" وما شابهها من حملات تسهم في إضعاف السلطة وتشتت التركيز الأمني، داعياً إلى سحب تراخص بعض الأحزاب التي لا تتماهى مع فكرة الجمهورية، فجاء ردّ المرزوقي من اليونان، بأن هذا اليوم هو يوم حزين لتونس يستوجب وحدة وطنية لا تستثني أحداً وهو ما كان يدعو إليه منذ كان في السلطة. 

واعتبر المرزوقي أن ما سماه "الاستثمار السياسي في الإرهاب" لا يمكن إلا أن يغذي الإرهاب، مضيفاً أن "بعضهم لا يفهم الدرس، ويستمر في المزايدة، ويواجه الإرهاب بالدعوة إلى ضرب الديمقراطية وحل الأحزاب، و لذلك فإن الأسف مضاعف".

وتواجه الحكومة التونسية مأزقاً حقيقياً واختباراً صعباً يقضي بالبحث عن معادلة صعبة بين التضييق على المتشددين ومراقبة منابع الدعوة إلى التشدد، وبين القوانين الجديدة التي كفلها الدستور في إنشاء الجمعيات والتعبير الحر والعمل السياسي، وهو ما لمّح إليه رئيس الحكومة في لقاء الفجر مع الصحافيين، حين أشار إلى العودة للمداهمات وحل بعض الجمعيات ومراقبة تمويلها والتنبيه على بعض الأحزاب ثم حلّها "في إطار ما يسمح به القانون"، وهي عملية ليست باليسيرة وتواجه معارضة وتخوفاً من تراجع الحريات.

اقرأ أيضاً: تونس تستدعي جيش الاحتياط عقب هجوم سوسة

ويبقى التحدّي الأكبر أمام حكومة الصيد متمثلاً في توافق حول "هدنة اجتماعية" مع النقابات، تضع حدّاً للإضرابات ليس بهدف إيقاف نزيف تدهور الحياة الاقتصادية فحسب، بل أيضاً من أجل عدم تشتيت جهود الأمنيين المطالبين بحماية هذه الإضرابات وعدم السماح بتدهور الأمن في الجهات. ويعرف الصيد أن هدفاً كهذا يبقى صعب التحقيق، وسط إصرار بعض النقابات على التصعيد بعد دخولها في مواجهات كسر عظم مع بعض الوزراء وإصرارهم على كسب معاركهم مهما كلّف الأمر، ولكنه يبقى مستنزفاً للجهود الحكومية والأمنية، ويُفقد التركيز على معركة الاٍرهاب.

من جهة ثانية، جاءت عملية سوسة لتعجل من عمل مجلس نواب الشعب في البت بقانون مكافحة الاٍرهاب، إذ أعلن رئيسه محمد الناصر أن المجلس سينتهي من النظر في القانون قبل 25 يوليو/تموز الذي يوافق عيد الجمهورية، ويوافق أيضاً ذكرى اغتيال النائب محمد البراهمي.

وتلقي عملية سوسة بظلالها على الانطلاق في محاكمة قتلة السياسي شكري بلعيد الثلاثاء المقبل، إذ يقود الضغط الشعبي الى محاولة الضرب بقوة وبسرعة على أيدي الارهابيين وعدم التسامح، بعد الكوارث التي احدثتها العمليات الإرهابية التي ناهزت الـ50 عملية إرهابية منذ الثورة.

ولن يكون الجدل  يسيراً في قانون الاٍرهاب الذي تنظر فيه حالياً لجنة التشريع العام بالمجلس، ويتوقع أن يستعيد ذات الخلافات بمجرد أن تهدأ قليلاً تأثيرات سوسة، ويبقى السؤال التونسي الأكبر، هل سيكون بمقدور التونسيين تجاوز خلافاتهم السياسية والأيديولوجية والشخصية والتوحد لمواجهة الإرهاب، أم أن الانتخابات المقبلة ستكون البوصلة التي تتحدد على أساسها المواقف دائماً؟

المساهمون