من يقف خلف فكرة صهر ترامب بإقامة خط موسكو ـ واشنطن؟

30 مايو 2017
ترامب وكوشنر في 15 مارس الماضي (وين ماكنامي/Getty)
+ الخط -

إذا كان أحد دوافع جولة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الخارجية تبديد غمامة الملف الروسي، وشبهاته التي تحوم فوق فريق حملته الانتخابية، فإنها قد فشلت في تحقيق غرضها. فبعد تسعة أيام من التنقل، وما رافقها من إثارة وصخب وجدل، عاد ترامب إلى واشنطن ليجد أن الغمامة أصبحت داكنة أكثر مما تركها، وتوسعت دائرتها لتشمل صهره ومستشاره الأول، جاريد كوشنر. فجأة تبين في الأيام الأخيرة أن الصهر مرشح ليتحول إلى واحد من الأبطال الرئيسيين في هذا الملف. وحسب معلومات مسربة، نشرتها صحيفة "واشنطن بوست"، فقد عرض كوشنر، في الثاني من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقبل تسلم ترامب للرئاسة بأكثر من ستة أسابيع، على السفير الروسي في واشنطن، سيرغي كيسلياك، إقامة "قناة اتصال خلفية" بين إدارة ترامب والكرملين، من خلال استخدام وسائل تواصل وهواتف روسية. خطوة "لو أقدم عليها مسؤول في أجهزة الاستخبارات، لكانت بمثابة عمل تجسسي تنطبق عليه مواصفات الجريمة الفدرالية"، كما صنّفها نائب مدير وكالة الاستخبارات (سي أي آيه) السابق، جون ماكلوغلن.

ترامب في تغريدته، مساء أول من أمس، أنحى باللائمة كالعادة، على الصحافة "التي لا تريد سرد القصة على حقيقتها". وقال "برأيي، أن العديد من التسريبات هي أكاذيب ملفقة من قبل وسائل الإعلام. أخبار وهمية". واعتبر أنه وفي كل مرة ترفض وسائل الإعلام الكشف عن مصادرها "من الممكن جداً ألا تكون هذه المصادر موجودة، بل هي من اختراع الصحافيين. إنها أخبار كاذبة". وأضاف، في تغريدة أخرى رد فيها على انتقادات حول تعبيره عن غضبه باستمرار عبر "تويتر"، إن "وسائل الإعلام الكاذبة تعمل بجهد من أجل السخرية من استخدامي لوسائل التواصل الاجتماعي، لأنها لا تريد لأميركا أن تسمع الرواية الحقيقية".

بعض كبار المسؤولين، مثل مستشار البيت الأبيض للأمن القومي الجنرال هربرت ريموند ماكماستر، ووزير الأمن الداخلي، الجنرال جون كالي، حاولوا في مقابلاتهم مع البرامج الإخبارية الهامة، التقليل من أهمية انكشاف هذا التطور، باعتباره ممارسة مألوفة بين الدول في ظروف معينة. كذلك هو حال الجمهوريين في الكونغرس، الذين وجدوا أنفسهم أكثر فأكثر، بين المطرقة والسندان. فهم يخشون الاقتراب من الدخان، خشية أن يكون خلفه نار حارقة، وفي الوقت ذاته، فإنهم لا يستطيعون عدم الوقوف إلى جانب الرئيس. وقال كيلي "بالنسبة لي الأمر طبيعي ومقبول. كل الجهود من أجل التواصل مع الناس، خصوصاً الهيئات غير الودية إزاءنا، أمر جيد". وأعرب السناتور الجمهوري، ليندساي غراهام، عن شكوكه إزاء التسريبات المتتالية. وقال غراهام، لشبكة "سي أن أن"، إنه "ليس منطقياً أن يقدم السفير الروسي تقريراً خاطئاً إلى موسكو عبر قناة يعرف، على الأرجح، أنها تتعرض للتنصت. كل القضية مثيرة للشبهات". ويطالب الديمقراطيون في الكونغرس بالاستماع مباشرة إلى كوشنر بشأن القضية، وأنه يجب وقف تصاريحه الأمنية.


وفي إطار إحباطه من عدم قدرة فريقه على الرد على الاتهامات، سيوسع ترامب من فريق المحامين والشخصيات التي لديها معرفة بالعمل العام. وأشارت وسائل الإعلام الأميركية إلى أن ترامب عقد اجتماعاً مع محاميه في البيت الأبيض لتحديد استراتيجية في القضية التي تقوض رئاسته، موضحة أن البيت الأبيض يشكل خلية أزمة، شبيهة بتلك التي أعدها الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، إبان التحقيق حول علاقته مع مونيكا لوينسكي. وأضافت أن كوشنر سيترأس هذه الخلية، التي ستضم مستشار الرئيس ستيف بانون، والسكرتير العام للبيت الأبيض رينس برايبوس. وستكلف الخلية، التي ستضطلع بمهام قضائية وإعلامية في الوقت ذاته، مهمة التعليق على التحقيق، بعد أن كان من مسؤولية مستشارين ومسؤولين إعلاميين في البيت الأبيض. ويفكر ترامب جدياً في ضم المدير السابق لحملته الانتخابية، كوري ليفاندوفسكي، ونائبه السابق ديفيد بوسي إلى الخلية. وكان ترامب طرد ليفاندوفسكي بعد مشادات بينه وبين أولاد الرئيس وفريقه الانتخابي.

مثل هذه المحاولات والمواقف الرمادية، عزّزت الشكوك، وزادت من علامات الاستفهام بدلاً من تلطيفها. صحيح أن الدبلوماسية لا تخلو من القنوات الخلفية. عرفتها إدارة الرئيس الأسبق، جون كينيدي، إذ تولى شقيقه روبرت فتح خط مع مسؤول سوفييتي للعمل على تخفيف حدة التوتر في ظرف عصيب أثناء أزمة الصواريخ الكوبية. كذلك فتحت إدارة رونالد ريغان مثل هذا الخط مع طهران، ولو أن العملية انتهت بفضيحة إيران – كونترا لمقايضة السلاح بالرهائن. لكن في هذه الحالات وغيرها كانت هناك أزمة أو قضية تتعلق بالأمن القومي، وتبرر مثل هذا الاتصال البعيد عن الأضواء.

في الحالة الراهنة، لا يتوفر مثل هذا التسويغ. عرض كوشنر على السفير الروسي، الذي تبين أنه أجرى ثلاثة اتصالات سابقة معه، جاء من موقعه كصهر الرئيس لأنه لم يكن يتمتع بصفة رسمية في حينه. وزاد من الريبة، أنه اقترح عليه أن يتم التواصل الخلفي عبر وسائل روسية. وكأن في الأمر ما يستدعي حجبه عن أجهزة التنصت والمراقبة الأميركية التي تتقفى اتصالات الروس العادية وغيرها، مع الجهات الأميركية المختلفة. الأمر الأخطر أن هذه الاتصالات، التي لم تكذبها الإدارة الأميركية بصورة قاطعة بقدر ما سعت إلى تدوير زواياها، تجاهل كوشنر ذكرها في بيان المعلومات حول سيرته وعلاقاته، الذي قدمه إلى السلطات المختصة، ونال على أساسه البراءة الأمنية التي تخوله تسلم مناصب حساسة في الإدارة. وفي ذلك ما يعرّضه للمساءلة القانونية، بل في ذلك ما يحمل على طرح الأسئلة الأبعد من مدخل أن مثل المبادرة الخلفية نحو موسكو، من المستبعد أن تكون من بنات أفكار كوشنر، ابن السادسة والثلاثين، الذي ليس لديه أي تجربة في عالم الدبلوماسية والعلاقات الدولية. وإذا كان الأمر كذلك، فمن هو صاحبها وما هي الغاية؟ أسئلة تتناسل عن بعضها، فيما يتواصل انقشاع الضباب بوتيرة متسارعة، وبما يمدّ المحقق الخاص بالمزيد من أدوات الحفر للوصول إلى قعر هذا الاختراق السياسي الروسي المحرج للأميركيين.