وقد خطا نتنياهو، الذي لم يتوقف طيلة العامين الأخيرين، عن التحريض ضد الفلسطينيين في الداخل وأحزابهم السياسية، وضد اليسار وجمعياته المدنية، خطوة أخرى في محاولات شيطنة وتشويه سمعة خصمه الرئيسي غانتس، وإظهاره أولاً "يميناً مزيَّفاً" وأنه رجل يسار يتجه نحو تشكيل حكومة مع الأحزاب العربية، أو بالاعتماد على دعمها له من الخارج. وسُجّلت في تل أبيب خطوة أخرى مساء السبت، في إطار توسّل نتنياهو أيّ أمر قد يضرّ بخصومه السياسيين، بعد الكشف عن واقعة اختراق هاتف الجنرال بيني غانتس من الاستخبارات الإيرانية، وترجيح المحافل السياسية والإعلامية في الدولة العبرية أن يكون ديوان نتنياهو هو من يقف وراء تسريب اتصال جهاز المخابرات العامة "الشاباك" بالجنرال غانتس، لبلاغه بأن الاستخبارات الإيرانية اخترقت جهازه المحمول وعليه أن يتصرف بما يراه مناسباً.
ومع أن نتنياهو نفى أن يكون هو من يقف وراء تسريب هذه الواقعة، إلا أن جهات مختلفة في إسرائيل، ومنها حزب الجنرال بيني غانتس، "حوسين لاسرائيل"، طالبت المستشار القضائي للحكومة بفحص مصدر تسريب الخبر، عبر التلميح الأقرب إلى التصريح، بأن نتنياهو بصفته رئيساً للحكومة ووزيراً للدفاع، هو الشخص الوحيد في إسرائيل، عملياً، الذي يملك مفاتيح كافة الأجهزة العاملة في مجال مكافحة السايبر، بدءاً من مسؤوليته المباشرة على جهاز الشاباك، وهيئة السايبر القومية بصفته رئيساً للحكومة، أو بموجب مسؤوليته عن شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" والوحدة 8200 أيضاً بصفته رئيساً للحكومة.
ولم يكتف نتنياهو بالنفي، بل انتقل مباشرة لشنّ حرب دعائية ضد الجنرال غانتس، حينما نشر على صفحته في "فيسبوك" شريطاً دعائياً لليكود، يصوّر فيه غانتس مهادناً ويسارياً بفعل تأييده للاتفاق النووي مع إيران، ليصل إلى استنتاج أراد بعثه من الشريط لدعائي، يفيد بأن إيران تتدخل في الانتخابات الإسرائيلية، وأنها تفضل أن يكون بيني غانتس رئيساً للحكومة، بصفته "يساراً ضعيفاً".
ومع أن التلويح بحجم التدخل الإيراني في الانتخابات الإسرائيلية، يفترض فيه أن يكون آخر ما يلجأ إليه رئيس حكومة، إلا أن نتنياهو يربط هذه الدعاية مع بروباغاندا تفيد بأن أي مرشح غيره، باعتباره يمثل اليمين القوي في إسرائيل، يعني التصويت لمن يخدم مصالح الدول العدوّة، ولو لمجرد كون هذا المنافس (غانتس في هذه الحالة) معرضاً للابتزاز بفعل اختراق هاتفه، مع تلميح إلى احتمال أن يكون الجهاز المخترق محملاً بأشرطة ووثائق تحرج المرشح وتجعله عرضة للابتزاز السياسي من دولة أجنبية. وصدر الشريط الدعائي المذكور بعدما فشل الليكود قبل ثلاثة أسابيع، في تثبيت ادعاءات مواطنة إسرائيلية تعيش في الولايات المتحدة، زعمت قبل أسابيع أن الجنرال غانتس، قام بفعل فاضح بحقها، عندما كانا في المرحلة الدراسية الثانوية، في سن الـ18.
لكن اللافت في محاولات تضخيم حجم موضوع الاختراق الإيراني لهاتف غانتس، هو تكرار لنمط الشيطنة المتأصل لدى نتنياهو في دعاياته الانتخابية، منذ أن اتهم عام 2013 خصمه في الليكود دافيد ليفي، بأنه حاول ابتزاز نتنياهو نفسه، ومنعه من التنافس على زعامة الليكود في ذلك الوقت، ناسباً له تهديداً بأنه، أي نتنياهو، في حال مضى في المنافسة، سينشر ليفي شريطاً محرجاً له مع سيدة غير زوجته سارة.
وتكررت محاولات نتنياهو، شيطنة رئيس الحكومة في حينها إسحق رابين، بعد ذلك بعامين، أي عام 1995، عندما كشف وهو زعيم للمعارضة في إسرائيل، أمر وثيقة سرية تتعلق بالموقف الرسمي للحكومة في المفاوضات مع سورية حول الانسحاب من الجولان المحتل. وثيقة عُرفت باسم "وثيقة الجنرال تسفي شطاوبر"، الذي كان عضواً في فريق المفاوضات الإسرائيلية مع سورية، وأعدّ في حينها وثيقة باسم الجيش للوفد الإسرائيلي المفاوض. ولم يتورع نتنياهو عن كشفها رغم كونها سرّية وقد يلحق الكشف عنها ضرراً بموقف إسرائيل التفاوضي. وادعى نتنياهو آنذاك بأن الكشف عن الوثيقة حصل لإفشال نية رابين القبول بالمطلب السوري بالانسحاب من كامل أراضي الجولان.
وبعد اغتيال رابين، وخلال المعركة الانتخابية عام 1996، لم يتورع نتنياهو عن إصدار شعارات كاذبة ضد شمعون بيريز، مدعياً بأن الأخير "سيقسم القدس". وبرز خلال معارك الانتخابات التالية، وتحديداً منذ عام 2009، مع عودة نتنياهو لولايته الحكومية الثانية، نزوع نتنياهو إلى شخصنة المعركة الانتخابية ووصم منافسيه بأنهم مهادنون، أو أنهم على استعداد "للتفريط" بأراضي إسرائيل لإنقاذ أنفسهم من ملفاتهم القضائية. فعندما أقر أرييل شارون عام 2005، مخطط الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة، ومع أن نتنياهو عضواً للكنيست عن الليكود في حكومة شارون صوت تأييداً للخطة، إلا أنه عندما خاض الانتخابات لرئاسة الحكومة بعد ذلك بعام، وضع شعاراً يقول "عمق الانسحاب من القطاع كعمق التحقيقات"، في إشارة للتحقيقات التي دارت ضد شارون بتهم الفساد. وتكرر الأمر نفسه في الانتخابات مقابل إيهود أولمرت، الذي اضطر في نهاية المطاف إلى الاستقالة من منصبه بسبب ملفات الفساد وتقديمه لاحقاً للمحاكمة.