عبد العزيز الفوزان... معتقل جديد من تيار الصحوة في السعودية

31 يوليو 2018
انتقد الفوزان قمع المشايخ والدعاة (تويتر)
+ الخط -


اعتقلت السعودية في الساعات الماضية وبدون مقدمات الدكتور والداعية الإسلامي، عبد العزيز الفوزان، من منزله في الرياض بعد سلسلة من التصريحات والتغريدات في مواقع التواصل هاجم فيها تيارات فكرية موالية للسلطة، واعتبرتها السلطات إساءة لها، في ظل استمرار حملة الاعتقالات الكبيرة التي تشنها السلطات السعودية ضد تيار الصحوة، أكبر التيارات الدينية في البلاد منذ سبتمبر/أيلول العام الماضي.

وولد الفوزان الذي ينحدر من مدينة بريدة في منطقة القصيم، معقل الدعوة السلفية الوهابية التي تعتنقها الدولة السعودية، عام 1963 ودرس على يد كبار السلفيين الموالين للحكومة مثل مفتي البلاد الرسمي السابق، عبد العزيز بن باز، وعضو هيئة كبار العلماء الحالي وابن خالته صالح الفوزان.

ويعمل الفوزان أستاذاً للفقه المقارن والقانون في المعهد العالي للقضاء (وهي الجهة التي تختص بتخريج القضاة للمحاكم السعودية) التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، إحدى أكبر الجامعات الإسلامية في البلاد، كما سبق للفوزان أن عمل أستاذاً زائراً في جامعة هارفارد، وترأس قسم الدراسات الإسلامية في معهد العلوم الإسلامية والعربية بواشنطن.

وعمل أيضًا عضواً في مجلس هيئة حقوق الإنسان الحكومية والجمعية الفقهية السعودية، واستشارياً كبيراً في بنوك وشركات استثمار إسلامية عدّة، بالإضافة إلى عمله الخاص كرجل أعمال مهم.

وعلى عكس الكثير من المعتقلين الآخرين مثل سلمان العودة وعوض القرني، لم يتورط الفوزان بأي عداوة سياسية مع الحكومة السعودية، كما أنه لم يكن من المشاركين في احتجاجات تيار الصحوة الكبيرة بعد حرب تحرير الكويت عام 1991 واستعانة الحكومة السعودية بالقوات الأميركية، والتي سجن على أساسها العشرات من قيادات التيار في تسعينيات القرن الماضي.

لكن الفوزان وبرغم توافقه التام مع النظام ومؤسساته وقع في المحظور، واختار مواجهة تيارين يحظيان بدعم كامل من السلطة، وهما تيّارا "السلفية الجامية" الذي يرى بوجوب طاعة "ولاة الأمر" طاعة مطلقة والعداء التام لجماعات الإسلام السياسي مثل جماعة الإخوان المسلمين أو التيارات المتعاطفة معه مثل تيار الصحوة.

و"التيار الليبرالي الحكومي" الذي بات حليف الحكومة المقرب في ظل حملة الانفتاح الاجتماعي التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان، عبر خطوات تمثلت في إلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، والحفلات، وهو أمر رآه بعض الإسلاميين تعدياً على الثوابت الدينية التي بنيت عليها الدولة السعودية الأولى قبل 300 عام.

ومنذ بداية عهد الحرب على الصحوة الذي بشّر به ولي العهد محمد بن سلمان، اختار الكثير من الدعاة والعلماء المحسوبين على هذا التيار مثل الداعية محمد العريفي وعائض القرني، وهما من الدعاة الجماهيريين المشهورين، الصمت خوفاً من الاعتقال أو الطرد من الوظيفة أو فرض الإقامة الجبرية عليهم، لكن تزايد مظاهر هذه الحرب، ومسّ العديد من المسلمات التي يعتبرها الإسلاميون أموراً مهمة، بالإضافة إلى قيام الدولة باعتقال المئات من أفراد التيار بدون سبب يذكر، أدت بالكثير إلى الانفجار والحديث، إما بالتصريح علناً كما فعل الداعية والمفكر سفر الحوالي والذي قام بنشر كتاب مكون من 3 آلاف صفحة اتهم فيه الأسرة الحاكمة بالحرب على الإسلام، أو بالتلميح كما فعل الفوزان قبل أيام قليلة.

وقال الفوزان في حسابه على "تويتر": "مع هذه الحرب الشعواء على الدين والقيم، إياك أن تكون ظهيرا للمجرمين، أو يحملك حب المال والجاه على مداهنتهم وتزيين باطلهم، فتخسر الدنيا والآخرة"، في إشارة واضحة لولي العهد محمد بن سلمان.

وبعد نشر هذه التغريدة متبوعة بآيات وأحاديث تحث على الصبر ومواجهة "المنافقين" تعرض الفوزان لهجوم شديد من قبل الإعلام الحكومي، إذ طالب مغردون "أمنيون" الحكومة باعتقاله والتعامل معه، فيما قال مدير جامعة الإمام محمد بن سعود، سلمان أبا الخيل في تصريح له نشر على صحيفة "سبق" الحكومية إن "أحد أعضاء هيئة التدريس في الجامعة دخل في نقاشات خلافية، وتدخّل فيما لا يعنيه بدعوى النصح في وسائل التواصل الاجتماعي، وهي أبعد ما يكون عن النصيحة الشرعية التي سار عليها سلفنا الصالح وعلماؤنا المحققون الأجلاء".

وأضاف في إشارة للفوزان من دون أن يسميه: "مثل هذه الطرق المخالفة التي سلكها هذا الأستاذ قد تستغل من المنتمين للفئة الضالة والخوارج والموالين، والمنتسبين لتنظيم جماعة الإخوان وأشياعهم وأضرابهم، وغيرهم من أعداء الدين والدولة والوطن".

وفور صدور هذه التصريحات سارعت السلطات إلى فصل الفوزان من منصبه أستاذاً في الجامعة، ومن مناصبه المتبقية في الإدارات الحكومية، كما أخلت الشركات الخاصة مسؤوليتها من العمل معه، وصرّح الفوزان في حسابه حينها: "أحبتي في كل مكان، لا تنسوني من صالح دعواتكم، وحسبنا الله ونعم الوكيل"، قبل أن تعلن حسابات حقوقية تأكيد اعتقاله بشكل رسمي يوم أمس.

وفي ظل صدور أوامر الاعتقال بشكل أسبوعي لرموز الإسلاميين، وإغلاق العشرات من حلقات تحفيظ القران، ومنع الخطب والدروس الدينية التي شكلت أساس انتشار هذا التيار وقوته، بات الصحويون اليوم يعيشون في حالة تخبط وذهول كبيرة، حتى أن رئيس هيئة كبار العلماء في البلاد، وهي الجهة التي تحظى باحترام التيارات الإسلامية كافة، مُنع من الظهور على التلفاز في برنامج الإفتاء الأسبوعي الخاص به منذ أكثر من عام ونصف العام.

ودفعت حالة الحيرة والخوف من الاعتقال، بالعديد من شباب الصف الثالث والرابع لتيار الصحوة إلى تنظيم الدروس غير المعلنة في البيوت أو على شبكات الإنترنت، فيما يخشى مراقبون أن يؤدي العمل السري للصحوة إلى نشوء حالة جديدة من التطرف قد تؤثر على أمن البلاد.


ولن يكون اعتقال الفوزان الأخير، إذ تخطط السلطات لاستئصال كل ما من شأنه أن يعطل الحكومة عن مساعيها الجادة في التغيير الاقتصادي والاجتماعي، وبناء دولة نيوليبرالية تقوم على أساس فرض الضرائب ورفع الدعم عن السلع، وخصخصة قطاعات واسعة من الدولة، وسبق لها أن اعتقلت في غضون عام واحد فقط، العشرات من الإسلاميين والناشطات النسويات واليساريين ورجال الأعمال والأمراء والصحافيين.