إسرائيل وتركيا ــ أردوغان: تقليص الاحتكاك تفاديا للأسوأ

25 اغسطس 2014
في البرلمان التركي نهاية الشهر الماضي (آدم ألتان/فرانس برس/getty)
+ الخط -

تقر النخب الصهيونية التي ظلت تحاجج بأنه بالإمكان إصلاح العلاقات مع أنقرة، أن فوز رجب طيب أردوغان برئاسة تركيا، قد جعل مثل هذا الرهان في غير محله، ولا سيما أن هذا الحدث يتزامن مع بلورة بيئة إسرائيلية داخلية تقلص هامش المناورة أمام أي قيادة تركية يمكن أن تفكر بمراجعة العلاقات الثنائية، ناهيك عن سطوة ظروف إقليمية تغري تل أبيب بعدم إبداء مرونة تجاه صناع القرار الأتراك. ولقد بات في حكم المؤكد بالنسبة لأوساط الحكم والنخب البحثية في تل أبيب، أن إمكانية إصلاح العلاقات في ظل حكم أردوغان كرئيس، تدنو من الصفر بسبب مركزية تأثير الموقف من القضية الفلسطينية على العلاقة الثنائية.
ولا خلاف في تل أبيب على أنه بالنسبة للأتراك، فإن الموقف من القضية الفلسطينية وغزة عابر للأحزاب والمنطلقات الأيديولوجية، وأن هذا الموقف يمثل أحد أهم القواسم المشتركة بين الحكم وقطاعات واسعة من المعارضة التركية. وترفض جاليا ليندا شتراوس، الباحثة في "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، الافتراض القائل بأن أردوغان هو الذي دفع بالموقف من غزة والقضية الفلسطينية إلى قلب الجدل العام في تركيا، إذ تؤكد أن أردوغان لم يكن ليتجاهل عمق التعاطف الجماهيري التركي مع القضية الفلسطينية ومعاناة غزة على وجه الخصوص. وفي ورقة نشرتها دورية "مباط عال" في عددها رقم 594، ترى ليندا شتراوس أن فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية كان محققاً على كل الأحوال، إلا أن القائد التركي في المقابل حرص مراراً وتكراراً على التشديد على موقفه من الحرب الإسرائيلية على غزة في حملته الانتخابية لإدراكه مدى الاهتمام الشعبي التركي بتلك القضية.
وتلفت ليندا شتراوس إلى حقيقة أن قادة المعارضة التركية العلمانية عبروا عن مواقف متعاطفة تجاه غزة لنفس السبب. وتلفت الباحثة الأنظار إلى حقيقة أنه نظراً لمركزية الموقف من غزة في الجدل التركي العام، فقد أصبحت القضايا الداخلية والاتهامات بالفساد، واختطاف الدبلوماسيين الأتراك في العراق، قضايا هامشية خلال الحملة الانتخابية. وهناك في تل أبيب من يرى أن أوضاع إسرائيل في أعقاب الحرب التي تشنها على قطاع غزة وتدهور مكانتها الدولية لا "تغري" أردوغان أو أي قيادة تركية لأن تسعى لتحسين العلاقات معها، بما أنه من غير المتوقع أنه في ظل حرص الدول على فرملة علاقاتها مع تل أبيب، أن تسعى أنقرة تحديداً لتحسينها.
ويشير تساحي هنغبي، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، في مقابلة أجرتها معه إذاعة الجيش الإسرائيلي في الثامن عشر من الشهر الحالي، إلى أن الصلاحيات الواسعة التي يحظى بها أردوغان ستعزز مكانته في مواجهة قيادة الجيش التي كانت دوماً من أهم المتحمسين للعلاقة مع تل أبيب.

من الواضح أن الإسرائيليين الذين يشيرون إلى دور الظروف التركية الداخلية في التأثير على العلاقة مع تل أبيب، يتجاهلون حقيقة أن تأثير البيئة السياسية الداخلية في إسرائيل هو أكثر سلبية على هذه العلاقات. فإسرائيل التي تديرها الحكومة الأكثر يمينية وتطرفاً في تاريخها، لن يصدر عنها ما قد يدفع القيادة التركية لإعادة تقييم العلاقات الثنائية. وإن كان لا خلاف على مركزية تأثير الموقف من القضية الفلسطينية على العلاقات التركية الإسرائيلية، فإن الشعار الذي يحكم نمط تعامل حكومة تل أبيب في مواجهة الفلسطينيين حالياً، هو: "ما لم ينجز بالقوة ينجز بمزيد من القوة". ومما يغري حكومة نتنياهو بعدم الذهاب بعيداً في محاولاتها إصلاح العلاقة مع أنقرة، هو طابع العوائد الهائلة التي جنتها من التحولات التي تتلاحق في العالم العربي، ولا سيما مع صعود العسكر من جديد للحكم في القاهرة، والتقاء المصالح غير المسبوق بين تل أبيب وبعض دول الخليج.
وفي مقال نشرته "هآرتس" قبل أيام، يوضح الكاتب تسفي بارئيل، أنه كان من الطبيعي أن يغضب نتنياهو من أردوغان ويصر على عدم السماح له بالتوسط بين إسرائيل و"حماس" لوقف الحرب الدائرة، في الوقت الذي يتواجد نظام عبد الفتاح السيسي الذي يكن العداء للحركة الإسلامية الفلسطينية، مشيراً إلى أنه حتى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس غير مستعد للسماح لأردوغان بالتوسط حتى لا يغضب القاهرة والرياض، على حد تعبير بارئيل. وهناك توقعات أن تتمثل مظاهر التدهور في العلاقة الثنائية في عهد أردوغان كرئيس، في المجالين الاقتصادي والأمني. فبحسب معطيات "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، تراجعت السياحة بين البلدين بشكل كبير، إذ أعلنت شركة الطيران التركية "توركيش أيرلاينز" عن إلغاء ربع رحلاتها إلى إسرائيل. ويخشون في إسرائيل أن تنجح منظمة الإغاثة التركية "IHH" في الوفاء بوعدها بتسيير قافلة بحرية في مسعى لفك الحصار عن غزة، وهي عراب قافلة أسطول عام 2010. وتخشى إسرائيل أن تفي تركيا بوعدها بأن يقوم الأسطول التركي بحماية هذه القافلة، على اعتبار أن مثل هذا التطور قد يفضي إلى مواجهة مع الأسطول الإسرائيلي.
ولهذا السبب، فإن نتنياهو، على الرغم من اتهامه أردوغان بمعاداة السامية ووصفه بـ"غوبلز" بسبب انتقاداته للحرب على غزة، إلا أنه لم يتردد بالموافقة على أي طلب تركي بتقديم المساعدات لغزة عبر ميناء أسدود. من هنا، يمكن الافتراض بأن إسرائيل ستسعى إلى تقليص الاحتكاك السلبي مع أنقرة إلى أقصى حد، على الرغم من اليأس من إصلاح العلاقة مع الأتراك.

يروي الصحافي الإسرائيلي بن كاسبيت أنه التقى نتنياهو في صيف 1999، بعد هزيمته المدوية على يد إيهود باراك، في أحد المطاعم شمال تل أبيب، حيث كان اللقاء بمبادرة من نتيناهو. ويضيف كاسبيت، في مقال نشره في "معاريف" بتاريخ 3-6-2010، أنه فوجئ عندما قال له نتنياهو من دون مقدمات "إذا أصبحنا في حال حرب مع تركيا، فلا مستقبل لنا في هذه البقعة من العالم". لا يمكن أن تصدر مثل هذه العبارة بشكل علني الآن عن نتنياهو، لكنها تكشف حجم الإحباط من تدهور العلاقة مع أنقرة.

المساهمون