صراع تشكيل الحكومة العراقية: الحسم بيد القضاء والأكراد

04 سبتمبر 2018
قائمة العبادي ـ الصدر ضمت 20 كياناً (حيدر كرالب/الأناضول)
+ الخط -
أدت الخلافات الحادة بين الكتل العربية السنية المختلفة، حول اسم رئيس البرلمان ونائبيه الأول والثاني، وكذلك مسودة المطالب الكردية التي ستحسم بدورها ملف الكتلة الكبرى التي لها حق تشكيل الحكومة، إلى رفع جلسة البرلمان العراقي الأولى أمس الاثنين، والاتفاق على استئنافها صباح اليوم الثلاثاء، بحسب قرار الرئيس المؤقت للبرلمان محمد زيني، الذي قدم بدوره طلباً للمحكمة الاتحادية يستفسر عن طريقة احتساب أو اعتماد الكتلة الأكثر عدداً في البرلمان، بعد خلاف أُثير حول طريقة احتساب كل معسكر للأصوات التي لديه، وسط تسريبات حصلت عليها "العربي الجديد"، بأن "معسكر حيدر العبادي ـ مقتدى الصدر قد يوافق على مسألة عدم تقدم رئيس الوزراء الحالي لشغل ولاية ثانية مقابل قبول الأكراد التحالف معه".


وقدّم معسكر العبادي ـ الصدر قائمة تضم 20 كياناً سياسياً تحوي حسب قوله أكثر من 180 نائباً، كما قدم بالمقابل معسكر نوري المالكي ـ هادي العامري، قائمة أخرى تضم أكثر من 150 نائباً قال إنه "جمعها عبر التوقيع الشخصي من أعضاء البرلمان، وليس بالجملة من خلال مقاعد الكتل كما فعل الطرف الآخر".

ووفقاً لمؤتمرات صحافية عقدها الجانبان، فإن التحالف الذي تؤيده واشنطن، ويعد العبادي وعمار الحكيم وإياد علاوي ومقتدى الصدر أبرز رموزه، تمكن من جمع نحو 20 كتلة برلمانية ومنها النصر، والحكمة، وسائرون، والوطنية، والجبهة التركمانية، وبيارق الخير، والمكون الصائبي، والمكون المسيحي، والمكون الأيزيدي، وعابرون، وتحالف القرار، وتحالف تمدن، وصلاح الدين هويتنا، والأنبار هويتنا، ونينوى هويتنا، وتحالف بغداد، والتحالف العربي في كركوك، والجيل الجديد، والحزب المدني.

بينما تمكّن المعسكر الثاني الذي يعد نوري المالكي وهادي العامري وقياديون بارزون في مليشيات الحشد أبرز أقطابه، ومدعوم من قبل إيران، من جمع 153 نائباً، وفقاً لما أعلنه القيادي فيه هادي العامري، وبنحو ستّ كتل أبرزها الفتح، ودولة القانون، وكفاءات، وإرادة وعطاء، والحزب الإسلامي العراقي (الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين) إضافة إلى نواب منشقين عن قائمة النصر، والمحور الوطني وكتلة قلعة الجماهير، والمؤتمر الوطني.

ولوحظ في الأرقام التي قدمها الطرفان غياب المنطق، إذ إن مجموع المعسكرين بلغ وفقاً لأرقام كل فريق 330 نائباً من دون الأكراد البالغ عدد مقاعدهم 51. ما جعل عدد نواب البرلمان أكثر من 380 رغم أنهم 329 فقط، وهو ما أكد وجود أسماء مزدوجة مثبتة لدى كلا الطرفين، وكذلك الانشقاقات الواضحة في قائمتي النصر والوطنية، والتي لم تسقط من أرقام المعسكر الأول، وأُضيفت في الوقت نفسه إلى الطرف المنافس لها.
ورفع رئيس البرلمان المؤقت محمد زيني استفساراً إلى المحكمة الاتحادية العراقية، حول الجدل الحاصل في كيفية احتساب الكتلة الكبرى، ومن يحوزها من الفريقين. فأصرّ المعسكر الأول على أن لديه 180 نائباً من خلال احتساب مقاعد كل كتلة سياسية من الكتل المتحالفة، بينما اعتبر المعسكر الثاني أن "العدد يكون من خلال جمع التواقيع لكل نائب على انفراد، وليس من خلال الأرقام التي يقدمها رئيس الكتلة وتجمع في النهاية".

وقال المتحدث باسم محور المالكي – العامري، النائب أحمد الأسدي، في مؤتمر صحافي، "جمعنا 153 نائباً، ووقع كل هؤلاء النواب على قائمة واضحة بأسمائهم، وقدمناها إلى رئيس السن (النائب الأكبر سنّاً)"، مؤكداً أنّ "محور العبادي لم يقدم أسماء أو تواقيع النواب، لكنّه قدّم أسماء رؤساء القوائم، في وقت انسحب عدد من نواب هذه القوائم وانضموا إلى تحالفنا".

وأكد أنّه "وفقاً للقانون والدستور، فإنّ النائب الذي يؤدي اليمين الدستورية من حقه تحديد مصيره بأي كتلة يراها"، مؤكداً "ننتظر من رئيس البرلمان الذي سيتم انتخابه أن يعلن تحالفنا الكتلة الكبرى". وأشار إلى أنّ "المحكمة الاتحادية هي من ستحسم الخلاف، لأننا سنلجأ إليها للفصل بشأن الكتلة الكبرى، في حال حاول البعض إعاقة إعلانها".

ويخشى معسكر العبادي - الصدر في هذه الحالة من رئيس المحكمة الاتحادية القاضي مدحت المحمود، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع نوري المالكي وإيران. وسبق له أن حكم مرات عدة في أزمات دستورية كثيرة خلال السنوات العشر الماضية لمصلحة المالكي وآخرين مقربين منه على حساب آخرين.

القيادي في تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، حسن لخلاطي قال لـ"العربي الجديد"، إن "موضوع تحديد الكتلة الأكثر عدداً بات لدى المحكمة. وهناك وجهتا نظر، الأولى هو أن الكتل التي حصلت على أعلى الأصوات تجتمع وتأتلف داخل البرلمان وتُشكّل الكتلة الكبرى، أما الوجهة الثانية فتقول بأن الكتلة الكبرى تنجم عن أكبر عدد من الأعضاء. وقد قُدّم طلبان، الأول من محور سائرون والنصر، والثاني من محور الفتح والقانون. وكل واحد يقول إنه الأكثر عدداً، والأمر صار بيد المحكمة الاتحادية الآن".

ومن المقرر أن يستأنف البرلمان جلسته المفتوحة، اليوم الثلاثاء بدءاً من الساعة 11 صباحاً، من خلال طرح ستة أسماء من القيادات والشخصيات السنية لشغل منصب رئاسة البرلمان وهم كل من، أسامة النجيفي وطلال الزوبعي ومحمد تميم وأحمد الجبوري ومحمد الحلبوسي، ورشيد العزاوي. ويتصدر كل من تميم والزوبعي والحلبوسي المتنافسين، وسط خلافات حادة بين الكتل السنية التي وجدت نفسها منقسمة بين المعسكرين الشيعيين المتنافسين، وكل واحدة تدعي أنها الممثل الشرعي لسنة العراق.

وقال عضو تحالف القوى العراقية محمد المشهداني لـ"العربي الجديد"، إن "الخلافات بين القوى السنية استجدت بسبب قرارات فردية من الكتل لم تراع الاتفاقات السابقة"، مضيفاً أنه "إذا لم يتم التوصل لاتفاق قبل دخول البرلمان هذا اليوم على اسم معين فستكون عملية التصويت صعبة لكل الأطراف".

من جانبه قال مسؤول عراقي بارز في بغداد لـ"العربي الجديد"، على هامش وجوده في قبة البرلمان لـ"العربي الجديد"، إن "الإيرانيين يستخدمون أسلوباً واضحاً، وهو التحرك على النواب بشكل منفرد وتقديم مغريات كثيرة لهم، خصوصاً السنة والشيعة بالفريق المقابل"، مبيناً أن "الأميركيين الآن يصبون جهودهم على تطويع الأكراد وسحبهم إلى تحالف العبادي ـ الصدر. وهناك مؤشرات على أن العبادي ليس خياراً أميركياً وحيداً في رئاسة الحكومة الجديدة بسبب رفض الأكراد له منذ تداعيات استفتاء انفصال كردستان (25 سبتمبر/أيلول 2017) والحملة العسكرية على كركوك وطرد البشمركة منها ومن مدن كثيرة، وخلّفت قتلى وجرحى في صفوف القوات الكردية، إضافة إلى الحصار والعقوبات التي فرضها على الإقليم منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي واستمرت أشهراً عدة".

ولفت المسؤول إلى أن "الأميركيين يسعون إلى التوصل خلال هذه الساعات إلى تسوية لإقناع الأكراد، وهو ما سيكون حاسماً حتى لو حكمت المحكمة الاتحادية لمصلحة المعسكر الآخر، وفسّرت الفقرة الدستورية كما يريد المالكي والعامري بشأن احتساب عدد الكتلة الكبرى، وفي كل الأحوال إن لم يرغبوا في الانضمام إلى العبادي فلا يمكن قبول ذهابهم مع المالكي والعامري".

وشهدت الجلسة الأولى وجوداً كبيراً لسفراء دول غربية وعربية وآسيوية إلى جانب أعضاء بعثة الأمم المتحدة في العراق، وأعضاء الهيئة القضائية العراقية، ورئيس المحكمة الاتحادية العليا في العراق. وكان السفيران الأميركي دوغلاس سيليمان والإيراني إيرج مسجدي، في مقدمة المشاركين بجلسة الافتتاح، التي تلتها مراسم ترديد اليمين الدستورية للأعضاء الجدد.

وقال رئيس الجمهورية المنتهية ولايته، فؤاد معصوم، خلال افتتاحه جلسة البرلمان إن "الدورة الرابعة لمجلس النواب تأتي في ظل ظرف دقيق لاستكمال العراقيين بناء دولتهم، والعمل على حقوق المواطنين في المناطق المحررة وإعادة النازحين ومعالجة الفقر والبطالة وتعميق التوعية المجتمعية وتوفير الخدمات إلى جانب السلم الأهلي ومعالجة ملف المياه". وشدّد على "ضرورة اختيار حكومة تمتلك برنامجاً يلبي طموحات العراقيين".

وفي إشارة مباشرة لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، قال رئيس الوزراء حيدر العبادي في كلمته الافتتاحية إنه "تسلم البلاد قبل أربع سنوات وكانت بحالة ضياع وعزلة وسيطرة للإرهاب وفساد ينخر كل مؤسساتها وسنسلمها الآن موحدة قوية، وبخطة عمل ممتازة نحو تحسين الخدمات. كما ستتسلم الحكومة المقبلة دولة موحّدة ومستقرة أمنياً وستقدم حياة أفضل". وعبّر عن فخره بـ"تحرير الأراضي من الإرهاب"، مطالباً بـ"عدم توظيف معاناة الشعب لتحقيق مكاسب سياسية". وحذّر من "إذكاء النعرات الطائفية مستقبلاً كونها مدمرة".

وبعد أقل من 60 دقيقة على مغادرته قبة البرلمان العراقي عقب جلسة الافتتاح أصدر العبادي بياناً أعلن فيه زيارته المقر الرئيس لهيئة الحشد الشعبي بصفته رئيساً لـ"الحشد الشعبي". وذكر بيان لمكتب العبادي أن "القائد العام للقوات المسلحة رئيس هيئة الحشد الشعبي الدكتور حيدر العبادي زار مقر الهيئة للاطلاع على الأوضاع فيها"، مضيفاً أن "الأخير أشاد ببطولات عناصر الحشد في الحرب على الإرهاب ومواصلة الجهود من أجل بناء وإعمار البلد". وأكد "حرصه على حقوق عناصر الفصائل المسلحة تلك".

وحول ذلك، قال عضو مركز بغداد للدراسات السياسية محمد الحمداني، لـ"العربي الجديد"، إن "زيارة العبادي للمظلة المشرفة على جميع الفصائل المسلحة وفي هذا التوقيع قد ينطوي على رسائل كثيرة، بعد تسريبات وإشاعات من أن الحشد لن يسكت إذا ما خسر جناحه السياسي معركة الكتلة الكبرى". وأضاف أن "البلاد في مخاض كبير وإقصاء الصدريين أو الفتح من الحكومة لن يجعلها مستقرة. كما أن صورة البرلمان بجلسته الأولى تشير إلى مدى الانقسام الحاد بين الكتل الشيعية نفسها، وكذلك الحال بالنسبة للسنّة والأكراد".

المساهمون