واشنطن تدخل نفق التمرد والتناحر بين السلطات

03 مايو 2019
ترامب يراهن على كسب مزيد من الوقت (جو رايدل/Getty)
+ الخط -

تمر العلاقة بين المؤسسات الدستورية الأميركية في لحظة اختبار تاريخي، وصفتها رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بأنها "غير اعتيادية بتحدياتها"، فيما وضعها آخرون في خانة المرحلة "الخطيرة". هي مرحلة غير مسبوقة ومفتوحة على المزيد من التدهور الذي يهدد عصب التركيبة الدستورية لمؤسسات الدولة.

فالصراع السياسي المندلع بين البيت الأبيض وخصومه منذ مجيء إدارة دونالد ترامب، شهد نقلة نوعية في الأيام الأخيرة، أثارت مخاوف جدّية في صفوف الدوائر والأوساط السياسية والفكرية الأميركية، انتقل من طور الخطاب الموتور إلى طور ما بدا أنه بداية صدام كاسر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية (المتمثلة في هذه الحالة بمجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، من دون مجلس الشيوخ). وهذا الصراع في طريقه إلى المحاكم كطرف أخير لفض الاشتباك. والخشية لدى البعض أن يتعذر على مؤسسة القضاء لأسباب مختلفة، القيام بمهمة الحسم ورد الأمور إلى نصابها. عندئذ تصبح كل الاحتمالات واردة. فالأجواء مهيأة لتصفية الحسابات، والهوة واسعة بين الجانبين ومخارج التسوية مفقودة حتى الآن، وقد يزيدها التهاباً أنها قد تتداخل مع الحملة الانتخابية وسخونتها المتوقعة.
أخذت الأمور هذه الانعطافة الحادة بعد صدور تقرير المحقق روبرت مولر في قضية التدخل الروسي في انتخابات 2016. صياغته التي بدت ملتبسة، تركت فجوات للاجتهاد رأى فيها فريق الرئيس بقيادة وزير العدل وليام بار، شهادة على براءة ترامب من تهمة "إعاقة سير العدالة" أثناء تحقيقات مولر. زعم الوزير أنه استند إلى نص يعطيه صلاحية تفسير ما تركه مولر معلقاً وقضى بأن التقرير لم يُدِن الرئيس.
خصوم الرئيس رأوا أن المحقق نأى بنفسه عن إدانة ترامب وأحال أمر البت بها إلى الكونغرس لأنه "لا يقوى على توجيه هذه التهمة للرئيس"، حسب القاعدة المعتمدة من جانب وزارة العدل. على الأثر تأزم الخلاف وبدا أن الوزير بات يمسك بزمام المبادرة لإغلاق الملف. رد مجلس النواب باستدعاء عدد من المسؤولين السابقين والحاليين للمثول أمام لجانه المعنية للإدلاء بشهاداتهم حول الموضوع. كما صدرت استدعاءات أخرى لتسليم النسخة الأصلية لتقرير مولر والبيانات الضريبية للرئيس وتقديم الوثائق اللازمة لغرض التحقيق.
ثم تعمّق الخلاف فجأة عندما انكشف قبل يومين كتاب أرسله مولر إلى الوزير أواخر إبريل/ نيسان الماضي، يعترض فيه على الخلاصة التي قدمها هذا الأخير عن التقرير "لأنها لم تعكس سياقه ومضمونه على الوجه الصحيح". في جلسة استماع، يوم الأربعاء، مع لجنة العدل في مجلس الشيوخ، رد بار بحزم على مولر كما على استفسارات الأعضاء الديمقراطيين في اللجنة، متمسكاً بموقفه من التقرير ورافضاً تسليم بعض المدونات والإجابة الصريحة على بعض الأسئلة المحرجة. وتولى الدفاع عن الرئيس بزعم أن خصومه يتآمرون للإطاحة به.
على أثر إفادته، التهبت الأزمة من جديد وأخذت شحنة قوية من التحدي المتبادل، فقرر الوزير عدم المثول، أمس الخميس، أمام لجنة العدل في مجلس النواب، في جلسة كان مقررا عقدها للاستماع إلى شهادته.
عدم حضوره صبّ الزيت على النار وحوّل المواجهة إلى تناحر بين الطرفين. في مجلس النواب توالت الدعوات لاستقالته على اعتبار أنه "رجل خطير"، أو لإصدار مذكرة جلب من المجلس النيابي بحقه، أو لسوق تهمة "ازدراء الكونغرس" ضده إذا رفض، أو حتى محاكمته في مجلس النواب وتهديده "بالسجن"، وهو ما دعا إليه الوزير الأسبق روبرت رايش. رئيسة مجلس النواب اتهمته بالكذب على الكونغرس أثناء شهادته، الخميس، تحت اليمين وبما يشكل "جريمة"، كما قالت بيلوسي. تهمة خطيرة نادراً ما صدرت بهذه الصورة، حتى في زمن فضيحة "ووترغيت".
النظام الأميركي ينهض على التوازن بين السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، كل واحدة تلعب دور الرقيب على الأخرى. صلاحيات السلطة التنفيذية الواسعة توازيها صلاحيات السلطة التشريعية الكبيرة لكبح الرئاسة. لكن هذا على الورق فقط، في زمن ترامب المتمرد على الصيغة وضوابطها. ولهذا انفجرت حرب الصلاحيات بينهما. مجلس النواب يستجمع أوراقه لتأكيد دوره، ويبدو على درجة من الارتباك لناحية ترتيب أولويات معركته. موقفه قوي في جانبه الدستوري – القانوني، وقد يتعزز بعد الاستماع إلى مولر في جلسة علنية للاستماع إلى إفادته قريباً. لكن البيت الأبيض يراهن على صلاحياته التنفيذية القوية لعرقلة إجراءات الكونغرس وبما يكفل شراء الوقت، عبر إجبار الخصم على اللجوء إلى القضاء.



فالمقاضاة في هذه الأمور تستغرق وقتاً طويلاً وبما يؤجل الحسم ربما إلى بداية العام القادم، بشكل تطغى على الساحة حينها الحملة الانتخابية كأولوية، أو ربما يرى القضاء أن هذه مسألة سياسية يفضل النأي عنها وتركها للحل بتسوية بين الفريقين. عندها يتقرر مصير هذا الملف في الانتخابات التي لو كسبها ترامب وفاز بتجديد رئاسته، لتحولت أميركا إلى ما يشبه "ملكية دستورية" حتى نهاية الولاية الثانية لدونالد ترامب إن فاز فيها بالفعل.
المساهمون