معبر بيت حانون... تسهيلات إسرائيلية بدواعٍ استخبارية

19 يوليو 2015
96% من الغزيين لا يستفيدون من المعبر(عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -

يستغل الاحتلال معبر بيت حانون (إيرز وفق التسمية الإسرائيلية) الواقع شمالي قطاع غزة، لابتزاز المسافرين العابرين عبره، محاولاً إسقاطهم في فخ التخابر لصالحه، إذ إن المعبر يخضع لسيطرة الاحتلال الكاملة، ولا يمر منه المسافر إلا بعد تصريح مسبق من السلطات الإسرائيلية، تقوم هيئة الشؤون المدنية التابعة للسلطة الفلسطينية بتحصيله له عبر اتصالاتها مع الإسرائيليين، بعد إجراء فحص أمني كامل على راغب السفر من قِبل الاستخبارات الإسرائيلية.

والمعبر مخصص بالدرجة الأولى لتنقّل المرضى من ذوي الحالات الخطرة، ورجال الأعمال والتجار، والدبلوماسيين والصحافيين ومن له حظوة عند السلطة الفلسطينية، لكن غالبية سكان قطاع غزة محرومون من السفر عبره، وفق إحصاءات رسمية تشير إلى أنّ المسموح لهم بالسفر عبر "إيرز" لا يزيدون عن 4 في المائة من سكان غزة. ولا تشمل التسهيلات التي تعلنها إسرائيل على المعبر جميع سكان غزة، وهي مقتصرة فقط على الفئات السابقة، وعلى الرغم من أنّ هناك بعض التسهيلات على المعبر حالياً، إلا أنّ المخاوف لدى الأجهزة الأمنية في غزة مع كل إعلان إسرائيلي عن تسهيلات تتزايد، وسط تأكيدها أنّ كثيراً من المسافرين يتعرضون على المعبر للابتزاز الإسرائيلي.

ويتردد كثيرون في تقديم طلبات للحصول على التصاريح الخاصة بالسفر عبر المعبر، على الرغم من أنهم بلا سوابق أمنية، لكن تبقى الخشية من المعبر واسمه مسيطرة على غزيين كثر، لما يسمعونه من محاولات الإسقاط والابتزاز، التي لا ترحم مريضاً ولا صغيراً، لا رجلاً ولا امرأة.

ويخضع المسافرون من غزة إلى الأراضي المحتلة أو الضفة الغربية أو الخارج عبر معبر بيت حانون إلى إجراءات أمنية مشدّدة من قِبل سلطات الاحتلال وجنودها، الذين لا يراهم أحد ولا يحتك بهم المسافرون إلا من طلبت الاستخبارات مقابلته، فالجنود في المعبر متحصنون في الكتل الإسمنتية والغرف المغلقة والأبراج العسكرية ويديرون المعبر عبر "ميكروفونات" يطلقون عبرها التعليمات للمسافرين.

ويقول المدير العام لهيئة المعابر والحدود في قطاع غزة، ماهر أبو صبحة لـ"العربي الجديد"، إنّ واقع العمل على معبر بيت حانون لم يختلف كثيراً عما كان عليه في السابق، إلا بشكل طفيف فقط، مشيراً إلى أنّ التسهيلات الإسرائيلية تأتي فقط لفئة الموظفين الأجانب ورجال الأعمال وزيارات الأسرى وللصلاة في المسجد الأقصى، موضحاً أنّ هذه هي الفئات التي تستفيد وستستفيد من أية تسهيلات إسرائيلية على المعبر.

ويلفت أبو صبحة إلى أنّ 96 في المائة من سكان قطاع غزة المحاصرين لا يستفيدون من عمل معبر بيت حانون، بفعل المخاوف الأمنية والمحاولات المستمرة لابتزاز المسافرين التي تقوم بها الاستخبارات الإسرائيلية، مشيراً إلى أنّ انتظام فتح معبر رفح البري بين مصر وغزة، هو الحل الوحيد للمسافرين، كون معبر بيت حانون يحتاج لتنسيقات وموافقات أمنية إسرائيلية مسبقة للمرور عبره، واقتصاره على فئة لا تتجاوز الأربعة في المائة من سكان القطاع.

ويعمل معبر بيت حانون يومياً عدا السبت، ويعمل يوم الجمعة لساعات محدودة جداً، فيما الأيام الأخرى يفتح أبوابه من الثامنة صباحاً حتى الثالثة عصراً، ويغادر عبره ويعود يومياً بين 1300 و1500 مواطن وموظف دولي يعملون في القطاع، إلى جانب التجار ورجال الأعمال.

ويشير أبو صبحة إلى أنّ المخاوف الأمنية من المعبر لا تزال قائمة، فالاحتلال لا يتورّع عن اعتقال المسافرين عبر المعبر أو إجراء تحقيقات معهم، وخصوصاً التجار والمرضى الذين هم بحاجة ماسّة للسفر، لإجراء عمليات جراحية خارج القطاع أو متابعة طبية، ما يضطرهم إما للمخاطرة والسفر، أو البقاء في مستشفيات غزة في ظل إغلاق السلطات المصرية لمعبر رفح وعدم انتظام فتحه.

اقرأ أيضاً: المعاناة ترافق أهالي الأسرى الفلسطينيين أثناء زيارة ذويهم

حقوقياً، يؤكد الوكيل القانوني لمؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، المحامي سامر موسى لـ"العربي الجديد"، أنّه عقب توقّف العدوان الأخير على غزة في 26 أغسطس/آب، أعلن الاحتلال تخفيف الشروط والإجراءات التي كان يضعها لعرقلة حق الفلسطينيين في التنقل والحركة والسفر من وإلى معبر بيت حانون. غير أنّ موسى يلفت إلى أنّ ذلك ترافق مع بروز قضية إنسانية، تتمثل بتوقيف وابتزاز قوات الاحتلال للمرضى ومرافقيهم والتجار على هذا المعبر، وأيضاً اعتقال عدد منهم، مشيراً إلى أنه على مدار التسع سنوات الماضية مارست سلطات الاحتلال هذه السياسة مع المرضى ومرافقيهم.

وتستغل إسرائيل، وفق المحامي موسى، حاجة المرضى لتلقّي العلاج المناسب في ظل تواضع القدرات الطبية في قطاع غزة، وتقوم بابتزاز بعضهم، مشيراً إلى أنّ استمرار هذا الابتزاز انتهاك يؤكد أن سلطات الاحتلال لا تحترم التزاماتها القانونية التي تفرضها قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

ويشير موسى إلى أنّ سياسة الاعتقال والابتزاز على معبر بيت حانون تتسبّب بتبعات جسدية واجتماعية ونفسية قاسية على المسافرين، مشدداً على أنّ المجتمع الدولي مطلوب منه التدخل الفوري لإطلاق سراح من اعتقلتهم إسرائيل على المعبر، وإنهاء سياسة الاعتقالات التعسفية التي تقوم بها، إضافة إلى إجبارها على وقف الابتزاز الذي يتعرض له المسافرون.

أما المختص في الشأن الأمني في غزة، إسلام شهوان، فيرى أن سيطرة الاحتلال على المعبر سيطرة كاملة، تعني أنّ المخاوف الأمنية موجودة، وخصوصاً في ظل عدم امتلاك الطرف الفلسطيني لأي بعد أمني، باستثناء الجوانب التوعوية للمواطنين. ويقول شهوان لـ"العربي الجديد"، إنّ العوائد الأمنية التي يكسبها الاحتلال من خلال التسهيلات التي يعطيها للفلسطينيين على المعبر أكثر بكثير من تلك التي يستفيد منها المواطن، مشيراً إلى أنّ هذه التسهيلات يستفيد منها الاحتلال من خلال الاعتقالات التي طاولت تجارا ورجال أعمال ومرضى ومواطنين.

ويتعرض المسافر، وفق شهوان، خلال سفره إلى ابتزاز على المعبر من قبل الاستخبارات الإسرائيلية، وهناك مخاطر حقيقية على البعض مرتبطة بالوضع الاقتصادي الصعب أيضاً لديهم، موضحاً أنّ هذا المتنفس الذي يفتح أمام بعض الغزيين محكوم بمخاطر أمنية كبيرة جداً. ويلفت شهوان إلى أنّ "معبر بيت حانون يأتي على الفلسطينيين بمخاطر أمنية كبيرة، على الرغم من أننا بحاجة ماسّة إليه"، غير أنه يدعو إلى مزيد من توجيه المواطنين وتنبيههم لما قد يحدث على المعبر من طلب منهم بالارتباط بالاستخبارات الإسرائيلية.

ويوضح أنّ ما تقوم به الأجهزة الأمنية في غزة من متابعة المواطن الذي يغادر ويأتي، والاستماع لبعض المواطنين والاستفسار منهم، ما هي إلا أعمال وقائية قبل أنّ يقع أي مواطنين بوحل العمالة، لكنه يشير إلى أنّ هذا أمر محدود، في ظل وجود وسائل متعددة للاحتلال من خلال هذا المنفذ، تمكّنه أنّ يتحكم بكل شيء عبره.

ويبينّ شهوان أنه في ظل محدودية الإمكانات وعدم التوافق السياسي بين غزة والضفة الغربية، ستبقى الأجهزة الأمنية محدودة الأداء في هذا الأمر، مشيراً إلى أنّ أفضل أسلوب له آثار على مواجهة ما يتعرّض له المواطن في المعبر هي التوعية العامة والخاصة، "فنحن نحتاج إلى بذل مزيد من الجهد البشري لأنه أنجح الوسائل التي يمكن أن يستفاد منها في توعية المواطن حول المخاطر". ويذكر شهوان أنّ وزارة الخارجية الإسرائيلية تنشر للرأي العام الدولي إحصائيات يومية عن عدد المغادرين والعائدين إلى غزة من المعبر، وهنا يضرب الاحتلال عصفورين بحجر واحد، فهو استفاد أمنياً ثم استفاد إعلامياً بتبييض وجهه أمام العالم.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تُجمّل حصارها لغزة بـ"تسهيلات شكلية"

المساهمون