النظام السوري يحاول التغلغل "سياسياً" في درعا

27 سبتمبر 2019
بقيت بعض المناطق عصية على دخول النظام(محمد أبازيد/فرانس برس)
+ الخط -
منذ توقيع اتفاق التسوية بين بعض فصائل المعارضة، وروسيا ضمن ما كان يُعرف بـ"منطقة خفض التصعيد الجنوبية" التي تضم محافظتي درعا والقنيطرة، يحاول النظام السوري التغلغل بأجهزته الأمنية والعسكرية في حوران، ناسفاً الاتفاق الذي يقضي بمنع أي تواجد عسكري أو أمني له، على أن تكون المنطقة تحت إشراف القوات والشرطة العسكرية الروسية، مع بقاء تشكيلات من الجيش الحر دخلت ضمن إطار التسوية، من بينها فصيل "شباب السنّة" الذي كان يقوده أحمد العودة، والذي بات يقود اليوم ما يعرف بـ"الفيلق الخامس" الذي شكّلته روسيا بعد توقيع التسوية في يوليو/تموز من العام الماضي، وذلك بعد إنهاء كل التسميات العسكرية للمعارضة التي لم تذعن للاتفاق، وتهجير منتسبيها مع عائلاتهم إلى الشمال السوري.

وخلافاً للاتفاق، لا يزال النظام ينتشر في العديد من القرى والبلدات، من خلال تواجد حواجز ومفارز للمخابرات الجوية والأمن العسكري، بالإضافة إلى ثكنات للفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام بشار الأسد، وما زال الحديث في درعا وخارجها يدور حول كيفية حصول التسليم، في وقت كان يمكن لتلك الفصائل أن تصمد أكثر، أو تحسن من شروط التسوية تلك، إذ إن الغموض لا يزال قائماً حول أدوار بعض قادة التسوية وعرابيها.

وفيما لا تزال بعض المناطق المهمة عصية على دخول النظام عسكرياً وأمنياً، مثل درعا البلد وطفس في الريف الغربي، وبعض القرى المحيطة بهما، يبدو أن استراتيجيته للتغلغل في درعا هي من خلال أجسام سياسية، عبر افتتاح أفرع أو تشكيل كيانات سياسية جديدة تحمل صفة الأحزاب المعارضة، والتي باتت تصنف من قبل السوريين بعد انطلاق الثورة "معارضة تحت سقف الوطن"، وزجّ قادة وأفراد من عناصر التسويات ضمن هذه الأحزاب.

وعلمت "العربي الجديد" أن ما تسمى "خلية الأزمة في درعا"، والتي تتشكّل من عناصر فاعلة في ملف المصالحات من داخل المعارضة، منهم عدنان المسالمة، أدهم الكراد، ومحمد الدهني، تسعى لتطبيق هذه الفكرة بناء على رؤيتها لها، عبر تنظيم كل عناصر التسويات من القطاعات المدنية والسياسية ضمن إطاراتها. ولكن بحسب مصادر، فإن النظام يسعى لتسخير مخرجاتها بما يخدم أجنداته السياسية، ولا سيما بعد طرح موضوع اللجنة الدستورية، ومحاولاته اللعب على وتر وجود كيانات سياسية معارضة، حتى داخل المناطق التي دخلها ضمن ملف التسويات لتحسين موقعه السياسي أمام الفاعلين الدوليين.

ونقلت مصادر أخرى معلومات لـ"العربي الجديد" أن النظام زج بأفرع لكل من أحزاب: "الإرادة الشعبية"، و"الوطني السوري الجديد"، و"النهضة الوطني الديمقراطي"، و"التضامن العربي الديمقراطي"، في درعا، لكن الحزب الأكثر نشاطاً حالياً ما يسمى حزب "المقاومة السورية" ذو الصبغة السياسية والعسكرية في آن، وهو مستنسخ عن "حزب الله" اللبناني أو مدعوم منه بشكل أو بآخر عن طريق قيادات ميدانية أمثال ياسين الخبي، وخالد أباظة، ومحمد زهرة، وعلي الخطيب، ومحمد الجباوي، وعارف الجهماني، وفوزي الحريري، وفراس شعابين.
ولا شك أن هذه الأحزاب أو الأفرع التي تمثّلها في درعا وُجدت لتضم عناصر التسويات، إلا أن مؤيدين للنظام أو ما يصنفون بـ"الشبيحة" يشكّلون جزءاً لا بأس به منها، أما الحزب الأكثر علانية في درعا فهو حزب "التضامن العربي الديمقراطي"، وهو حزب قديم افتتح فرعاً له في درعا، ويهدف لخلق عملية ضبط سياسي وأمني في آن معاً.


وتحدث الأكاديمي أحمد الحمادي، وهو ابن محافظة درعا، لـ "العربي الجديد" عن ماهية تلك الأحزاب ولا سيما حزب "التضامن" والهدف من الزج بها، قائلاً إن "هذا التوجّه ليس بجديد، ولكن في الحقيقة هو حزب قديم يحاول إحياء نفسه وضخ الحياة في مسيرته من جديد، إذ يعمل على كسب بعض القواعد له في درعا بافتتاح فرع له فيها، ويرأس الفرع شخصية كانت معارضة هو خالد قنبر، ولا شك أن هذا الحزب سيكون كغيره من الواجهات السياسية التي تعمل وتتفاعل تحت إطار النظام ومظلته سياسياً وأمنياً".
وأضاف الحمادي: "ﻻ تقدّم هذه الأحزاب رأياً ولا برنامجا ولا تنفذ أجندة، إلا انعكاساً للتوجّه والضبط والسيطرة التامة للمنظومة العسكرية لنظام الأسد، ولنا في أحزاب ما يسمى الجبهة الوطنية التقدمية أكبر مثال". واعتبر الحمادي أن "النظام ﻻ يسعى لتنشيط الحياة السياسية العامة، بل كان كعادته يسعى لخلق واجهات هيكلية، من دون جدوى فاعلة وتأثير بالتغيير، ومن خلال ملاحظتنا أثناء مسيرة الثورة رأينا أن أكثر الأبواق شراسة وتهجماً على الثورة، ودفاعاً عن النظام المجرم، هي هذه الأحزاب، التي ارتضت النشاط تحت ستار النظام القمعي، لتحقيق مكاسب وامتيازات بسيطة لقادتها الذين ينفذون دورهم بكل احترافية".

أما الكاتب والمعارض أسامة المسالمة، فرأى في استراتيجية النظام الجديدة تضليلاً لا فائدة منه، قائلاً في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "معظم مناطق درعا خارج القبضة الأمنية حتى الآن، خصوصاً درعا البلد ومعها الجزء الكبير من الريف، وما زال السلاح الفردي بيد الأهالي، إذ إن بُنية درعا لا تسمح بذلك، أي تكوين أحزاب تابعة للنظام، ولا سيما انتشار أحزاب ذات صبغة دينية كحزب الله في بعض المناطق بالقرب من القنيطرة ومنطقة اللجاة التي تتواجد كنقاط عسكرية، لكن درعا مغلقة عشائرياً ولا تؤمن بالعمل الحزبي وكل هذه المحاولات التي طفت على السطح بعيدة عن الواقع".

واعتبر المسالمة أن "النظام الآن يمر بمرحلة غير قادر فيها عملياً على تقرير حتى مصيره فيها، وإلى أين تقوده اللعبة الدولية، والتي قد تطيح برأسه في مرحلة قريبة"، مضيفاً "المشكلة باعتقادي هي ببعض الباحثين عن الفتات والأدوار الشخصية لهم، بين ركام الوطن وشلالات الدماء، هؤلاء يبحثون عن مصالح ضيقة وآنية من خلال خلق حالات سياسية وهمّية منفصلة عن الواقع، ولكنها تخدم طموحاتهم ومصالحهم، ولا أعتقد أن لهذه التشكيلات أي مستقبل أو رصيد أو حتى مشروع سياسي".