معضمية الشام تترقّب مصير داريا: تغيير ديمغرافي بمحيط دمشق

30 اغسطس 2016
قصف النظام معضمية الشام بالكيماوي عام 2013 (سمير تاتين/الأناضول)
+ الخط -
تسود مدينة معضمية الشام (غربي العاصمة السورية دمشق) حالة ترقب وقلق من مجهول مقبل، في ظل تهديدات قوات النظام بحرقها وتدمير ما تبقى منها في حال عدم الموافقة على شروط "هدنة"، تنهي كل مظاهر الثورة فيها. وتقضي هذه التهدئة بتسليم فصائل "الجيش السوري الحر" أسلحتها وخروج من لا يرضخ للشروط إلى الشمال السوري. في المقابل، حذّرت المعارضة السورية من عمليات تهجير ممنهج يقوم بها النظام، مطالبة الأمم المتحدة بأن "لا تكون أداة في تنفيذ أجندات مشبوهة". 

وبدأت أبعاد مشروع تغيير ديمغرافي تتوضح في محيط العاصمة دمشق أكثر، بعدما قام النظام منذ أيام بتهجير كامل لسكان مدينة داريا جنوب غربي العاصمة، ويتجه، حالياً، إلى إفراغ جارتها معضمية الشام في حلقة من مسلسل تهجير طاول مناطق سورية، ويتوقع مراقبون أن يتمدد نحو أخرى. وقال الناشط الإعلامي، داني قباني، إن الأمور في مدينة معضمية الشام باتت "معقّدة"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد"، من داخل المدينة، إلى أن "هناك اجتماعاً من المقرر عقده، مساء اليوم الثلاثاء، بين وفد المدينة المكلّف بالتفاوض عن أهلها، وقيادة الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق رئيس النظام، ماهر الأسد، لتحديد مصير المعضمية".

وأشار قباني إلى أنه من المتوقع أن يطلب النظام تسليماً كاملاً لسلاح فصائل الجيش السوري الحر، وتسوية أوضاع جميع السكان، ومن ثم تشكيل لجان تحت مسمى الشرطة المؤلفة من المنشقين والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية من شباب المدينة، ومن يرفض هذا الأمر عليه الرحيل باتجاه محافظة إدلب في الشمال السوري. وأكد أن هناك توجهاً جماعياً لدى أهالي معضمية الشام بعدم الخروج من مدينتهم مهما كانت الضغوط، مستدركاً حديثه قائلاً "لكن إذا كان لا بد من إتمام الاتفاق كما هو مطروح، أعتقد أن نسبة كبيرة ستفضل الخروج"، مشيراً إلى أن تهديدات قوات النظام "بقلب المدينة رأساً على عقب" لم تنقطع منذ عام 2011، وارتفعت وتيرتها منذ عام تقريباً إثر معركة فصلها عن داريا. وأوضح أن المنطقة الجنوبية من المدينة "أصبحت أثراً جراء قصفها بمئات البراميل المتفجرة والصواريخ".

ورأى هذا الناشط الذي لم يترك مدينته منذ بدء الثورة في آذار/مارس 2011 أن هناك "مؤامرة دولية تساند رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في ترك مناطق للمعارضة شمالي سورية على أن يأخذ المناطق المحيطة بدمشق، على غرار ما حدث، أخيراً، في داريا". وأشار إلى أن عمليات التغيير الديمغرافي في محيط دمشق "تسير على قدم، وساق"، وأن معضمية الشام "لن تكون في منأى عنه"، لافتاً إلى أن هناك معلومات موثوقة تؤكد أن الإيرانيين هم من سيستلمون زمام الأمور في داريا ويخططون للسكن فيها".

إزاء هذا الواقع، دقت المعارضة السياسية ناقوس الخطر على مستقبل سورية بعد تفاقم عمليات التغيير الديمغرافي الممنهج، خصوصاً في دمشق وريفها، وحمص وريفها، في ظل ورود أنباء غير مؤكدة عن نية إيران جلب عائلات شيعية من بلدان عدة وتوطينها في دمشق ومحيطها. ويتوقع مراقبون أن يلجأ النظام إلى تهجير أهالي جنوبي دمشق في المرحلة المقبلة. لكن عين النظام لا تزال على الغوطة الشرقية لدمشق، إذ لا يزال للمعارضة السورية وجود قوي فيها يمنعه من إملاء شروطه عليها، وفقاً للمراقبين أنفسهم.

وحذرت المعارضة السورية منظمة الأمم المتحدة من استخدامها غطاءً لخدمة "أجندات مشبوهة" يتم من خلالها إجراء عمليات تغيير ديمغرافي وتهجير قسري في سورية، مطالبة بـ"التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن، وإجبار النظام وحلفائه على الانصياع للإرادة". وقال المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، في رسالة وجهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، وتلقت "العربي الجديد" نسخة منها، أمس الإثنين، إن معاناة الشعب السوري "تزداد يوماً بعد يوم وتتجذر لتصبح أكبر مأساة يشهدها العالم المتحضر وهو يقف مكتوف اليدين من دون أن يحرّك ساكناً لوضع حد لهذه المأساة، والتي هي من دون شك وصمة عار على جبين المجتمع الدولي".





وأوضح أن تطور الأحداث في مدينة حلب "أخذ منحى خطيراً يتم من خلاله تغيير ديمغرافي، وتهجير قسري"، مبدياً خشيته من أن "تغرق الأمم المتحدة في تبعاته القانونية والأخلاقية"، مضيفاً أن "الأمر ذاته ينسحب على الوعر في حمص وداريا ومضايا في ريف دمشق وجميع المناطق في سورية. وأشار إلى أن "قرارات محددة صدرت عن الأمم المتحدة بشأن الوضع في سورية، لكن لا يتم تنفيذها، بل التلاعب بتنفيذها لخدمة أجندات مشبوهة بدأت ترتسم معالمها على الأرض. وللأسف، فإن الأمم المتحدة تُستخدم لتنفيذ هذه المخططات من خلال الهدن المحلية في مخالفة لقرار مجلس الأمن 2268/2016 وقبله القرار 2254/5201، بل في مخالفة لميثاق الأمم المتحدة وأهدافه ومقاصده".

ولفت المنسق العام إلى أن "تهجير المدنيين الآمنين من بلداتهم واقتلاعهم من أراضيهم والتنكيل بهم وإجبارهم على الرضوخ لترك منازلهم، سيزيد من تغذية التطرف والإرهاب"، مضيفاً أن "النظام وحلفاءه الروس، والإيرانيين والمليشيا والمرتزقة قتلوا ما يزيد عن 500 ألف مواطن سوري منذ بداية الثورة عام 2011، وشردوا الملايين، وارتفع معدل القتل منذ بداية ما يسمى بالعملية السياسية، بل تضاعف عما كان عليه قبلها". وأشار إلى أن العملية السياسية "شكّلت غطاء للنظام وحلفائه لقتل المزيد من السوريين وتهجيرهم، والمضي قُدُماً في خطتهم الخبيثة نحو تغيير ديمغرافي يهدد وحدة وسلامة الأراضي السورية كلها".

وتعد مدينة معضمية الشام من أوائل مدن ريف دمشق، التي ثارت على نظام الأسد، وخرجت عن سيطرته على الرغم من أنها لا تبعد سوى كيلومترات عن العاصمة دمشق (غرباً). لكنها دفعت الثمن مقابل صمودها، إذ قتل نحو ثلاثة آلاف من سكانها، وأصيب آخرون، واعتقل أكثر من ألف، توفي عدد كبير منهم تحت التعذيب، وفق تقديرات ناشطي المدينة التي تعرضت أغلب أحيائها إلى تدمير كامل نتيجة قصف جوي لم يتوقف طيلة سنوات.

قام النظام أكثر من مرة بقصف المدينة بأسلحة محرمة دولياً، وحاصرها سنوات عدة، مما أدى إلى وفاة مدنيين أغلبهم أطفال، نتيجة الجوع وقلة العناية الطبية. وقّعت معضمية الشام مع النظام أكثر من اتفاق أو "هدنة" كان أولها في 25 ديسمبر/كانون الأول 2013. نص الاتفاق على رفع علم النظام في المدينة ووقف القتال على الجبهات مقابل إطلاق سراح المعتقلين وفك الحصار عن المدنيين. لكن النظام لم يلتزم، كعادته، بالاتفاقات التي وقعها، إذ عاود حصار المدينة وقصفها بالطيران. ثمّ وقعت معضمية الشام اتفاقاً آخر مع النظام في مايو/أيار الماضي لفك الحصار عنها، إذ اشترطت قوات النظام عودة موظفي البلدية السابقين إلى مبنى عملهم ورفع علم النظام عليه، مقابل السماح بإدخال الخبز بشكل يومي إلى المدينة.

كما تعرضت المدينة لحملات عسكرية عدة، ومنها استهداف النظام للمعضمية مع الغوطة الشرقية في 21 أغسطس/آب 2013، بالأسلحة الكيميائية، إذ قتل في المعضمية وحدها أكثر من ستين مدنياً. كما شنت قوات النظام ومليشيات تابعة لها، بداية العام الحالي، أعنف الهجمات التي أدت إلى فصل المدينة عن داريا، ما ساعد النظام على تشديد الخناق على المدينتين، ومكّنه من فرض شروطه على المعارضة المسلحة التي لم تجد أمامها من سبيل سوى التوقيع على اتفاق يقضي بخروجها إلى الشمال السوري.

يعيش في معضمية الشام أكثر من 45 ألف مدني في ظروف إنسانية "صعبة للغاية"، وفق عضو المجلس المحلي في المدينة، كنان نتوف. وأشار لـ"العربي الجديد" إلى أن مصير المدينة "بات مجهولاً"، متوقعاً تطبيق سيناريو داريا على المدينة لجهة تهجير أهلها، مضيفاً أن النظام هدد بحرق المدينة بالنابالم في حال عدم توقيع الاتفاق. وأكد نتوف أن هناك مندوباً روسياً يحضر جلسات التفاوض بين وفدَي المدينة والنظام من دون وجود للأمم المتحدة على الإطلاق.