وصوّت، أمس الإثنين، 68 نائباً ضد التمديد لهيئة "الحقيقة والكرامة"، فيما احتفظ نائبان بصوتيهما، ولم يصوت أي نائب لصالح التمديد، ولا سيما أنّ الكتل البرلمانية الداعمة للتمديد رفضت التصويت بالأساس؛ وهم نوّاب "حركة النهضة"، و"الكتلة الديمقراطية" وكتلة "الجبهة الشعبيّة".
وهيئة "الحقيقة والكرامة"، هي هيئة حكومية تونسية مستقلة، تأسست في عام 2014، ومهمتها الرئيسية الإشراف على مسار العدالة الانتقالية في تونس بعد ثورة 2011، والكشف عن مختلف الانتهاكات في الفترة بين 1955 و2013، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها، لتحقيق المصالحة الوطنية.
وأثار إعلان الهيئة، في 27 فبراير/شباط الماضي، تمديد أعمالها لعام إضافي، الكثير من الجدل لا سيما مع البرلمان الذي انتخب مجلسها منذ أربع سنوات.
وينتهي خلال مايو/أيار المقبل، بحسب قانون العدالة الانتقالية، عمر هيئة "الحقيقة والكرامة" (أربع سنوات)، غير أنّ القانون خوّلها إمكانية التمديد لسنة أخرى، في ظل نقاش بشأن الجهة التي تملك صلاحية التمديد، الهيئة أم البرلمان.
ويرى الرافضون لقرار التصويت على تمديد عمل الهيئة، أنّ هناك محاولة للالتفاف على القانون المنظم للعدالة الانتقالية، الذي أعطى صراحة لمجلس الهيئة اتخاذ قرار التمديد بسنة إضافية ورفع قرارها المعلل إلى مجلس نواب الشعب.
وتابع التونسيون، أمس الإثنين، مشهداً سوريالياً، كُشفَت فيه حقيقة العلاقات السياسية بين الأحزاب كافة، وسقطت معه مقولات التوافق والتحالف، ليفتح طوراً جديداً أمام المشهد السياسي التونسي، أقل ما يمكن وصفه بأنّه مأزق حقيقي، قانوني وسياسي، سيقود إلى مرحلة جديدة من الصراع، قبيل الانتخابات البلدية المرتقبة في مايو/أيار المقبل.
وعبثاً حاولت بعض الأصوات أن تهدئ من التوتر، وتدعو إلى التعقّل، في مداخلات النواب من جميع الكتل، بينما تابع التونسيون على امتداد ساعات طويلة من البث المباشر، تبادلاً علنياً للاتهامات والشتائم.
ولعل أبرز ما حدث، هو ما وقع بين النائبة منية إبراهيم من "حركة النهضة"، ومحمد الناصر رئيس البرلمان، إذ اعتبرت إبراهيم أنّ هناك تضارباً في المصالح، بإشراف الناصر على الجلسة لأنّ له ملفات في العدالة الانتقالية، بينما ردّ الناصر بأنّه "أنظف" من النائبة وممن تعرفهم.
وفي الجلسة المسائية التي لم يدرها الناصر، عادت إبراهيم لترد على رئيس البرلمان، قائلة "أنا أشرف منك، وأرجل منك، وأنظف منك، ومواقفي تعبّر عني لأنّي لا بعت لا في الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل".
واسترسل النواب في تبادل التهم، والجدال القانوني، بين من يصف الجلسة بالباطلة وبحق الهيئة في التمديد، وبين من يعتبر أنّ البرلمان هو أصل كل السلطات في البلاد، وأنّ من حقه التمديد للهيئة.
وكانت المحكمة الإدارية قررت، مساء أمس الإثنين، رفض طلب كتلة "آفاق تونس"، الطعن في قرار مجلس هيئة "الحقيقة والكرامة" المتعلّق بالتمديد في مدة عملها بسنة واحدة.
واعتبرت المحكمة أنّ قرار هيئة "الحقيقة والكرامة"، يدخل ضمن صلاحياتها، ولا يشكّل تعدياً على صلاحيات المجلس المكلف بالتشريع، ولكنّها قالت إنّ البرلمان يحتفظ، في الوقت ذاته، بكامل صلاحياته بالنظر في قرار مجلس الهيئة، التمديد في مدة عملها.
هذا الجدل انتقل إلى قصر قرطاج، حيث استقبل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، رئيس حزب "حركة النهضة" راشد الغنوشي.
وقال الغنوشي، إنّ اللقاء استعرض الأوضاع الراهنة بالبلاد، وخاصة المشاكل المتعلّقة بمسار الانتقال الديمقراطي، والتجاذبات التي شهدها البرلمان، مؤخراً.
وحسب بلاغ لرئاسة الجمهورية، فقد استنكر الغنوشي "الخطابات المتشنّجة التي بلغت حد النيل من مقام رئيس الجمهورية". وشدّد الغنوشي، على "ضرورة التهدئة ومواصلة سياسة الحوار، دون إقصاء، للتوصّل إلى توافق كفيل بتجاوز الصعوبات القائمة".
ولا يبدو أنّ هناك حلاً يلوح في الأفق، بخصوص هذا المأزق القانوني والسياسي، ولا سيما بعد تصويت البرلمان بعدم التمديد، وربما يُرحل القرار إلى الطعن فيه دستورياً، ليفتح طوراً جديداً من الجدل القانوني.
وفي كل الحالات، فإنّ ما حدث، مساء الإثنين، يؤشر على أزمة في تونس، تنهي مرحلة سياسية من التوافق والتنسيق، وتفتح مرحلة أخرى من الصراع المفتوح، خصوصاً بين حزبي "نداء تونس" و"حركة النهضة"، على أبواب الانتخابات البلدية.