يُشبه المشهد إلى حدّ بعيد صورة الحراك الشعبي والمدني الذي استمرّ طوال عامين في محاولة لإنقاذ المواطن اللبناني من خطر النفايات المُتراكمة وخطر الخطط الحكومية التي تعاملت مع الأزمة كفرصة لحجز أرباح مالية لأركان السلطة. تفرّقت قوى الحراك يومها وأصبح كُل يُغني على ليلاه. ولم تُراع معظم تلك القوى المأساة المضاعفة التي عاشها المشاركون في الحراك: مأساة أزمة النفايات ومأساة ضياع فرصة التغيير بين الرؤى المتعارضة للحملات. وعلى ما يبدو، فإنّ أحداً لم يتعلم من تلك التجربة.
وفي وقت تعاني فيه القوى السياسية على اختلاف مشاربها من صعوبات تقنية واعتراضات شعبية واسعة على أدائها، فإن حجم الخواء الذي يعبّر عنه "المُجتمع المدني" لا يزال أكبر وأوسع. ليس مطلوباً من تلك القوى والشخصيات بلوغ مرحلة نكران الذات أو طمر الطموحات الشخصية بالوصول إلى مجلس النواب. لا يتجاوز المطلوب سقف وضع خطاب "جمعيات المجتمع المدني" جانباً، ورفع أكمام القمصان الرسمية، والخوض في وحل السياسة قليلاً. المطلوب خطاب سياسي بمضمون مدني وليس العكس.
ورغم أنّ بعض النقابيين وناشطي المجتمع المدني تعرّضوا للانتقاد الحاد بسبب لجوئهم إلى لوائح أحزاب السلطة بحثاً عن فرصة لحجز مقعد انتخابي، إلا أنّ أحداً لم ينظر في السبب الذي دفع بهؤلاء إلى هذا الخيار، لأن الانتقاد أسهل من محاولة التغيير. ولعلّ أقوى سلاحين لدى لوائح أحزاب السلطة في هذه الانتخابات هو قصر نَفس فئة الشباب، وانعدام الرغبة في المحاسبة لدى الفئات الأكبر سناً. ويبقى الأكيد أنه من غير المقبول أن ننصدم كمواطنين بنتيجة التصويت في السادس من أيار. ولا تزال الانتخابات البلدية التي تمت قبل عام ونصف حاضرة أمامنا، بعِبرها وخلاصاتها.