هكذا تغيّرت خارطة النفط

13 يونيو 2016
أسعار النفط بين انخفاض وارتفاع (Getty)
+ الخط -
توقعت وكالة الطاقة الدولية منذ أقل من ثلاث سنوات، أن تضخ الولايات المتحدة الأميركية نفطاً أكثر من السعودية لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم بحلول عام 2020. اليوم، يبدو ذلك بعيد المنال. لكن دعونا نتأمل ماذا حدث.
لا يمكن التشكيك بكفاءة محللي وكالة الطاقة الدولية، وهذا ما يؤكده بالفعل ارتفاع الإنتاج الأميركي من النفط بشكل صاروخي خلال السنوات القليلة الماضية، أي كما توقعت الوكالة في تقريرها المذكور على الأقل حتى مطلع العام الماضي. وفقاً لإدارة معلومات الطاقة، ارتفع إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام من 5.4 ملايين برميل يومياً في عام 2010 إلى 7.4 ملايين برميل عام 2013. ومع بداية عام 2016 وصل الإنتاج إلى 9 ملايين برميل، أي بزيادة قدرها 3.7 ملايين برميل يومياً في ست سنوات فقط.
ماذا حدث؟ باختصار، لا يمكن عزو الارتفاع الكبير في إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام إلا إلى سبب واحد: صعود نجم "النفط الصخري". في الواقع، لا يوجد تعريف واحد لهذا المصطلح الذي أصبح مألوفاً لدى قطاع الصناعات النفطية منذ نحو 10 أعوام، لكن أبسط تعريف يمكن أن تجده هو "تراكم المواد الهيدروكربونية المتواجدة على مساحة إقليمية كبيرة". وبما أن هذا التعريف يؤكد ضمناً وجود مساحة واسعة ومخاطر منخفضة، نسبياً، إذ من المرجح جداً أن يفيد بوجود مخزونات وفيرة من النفط، وهو تماماً ما حدث.
كما كان متوقعاً، لاقى هذا المصطلح الجديد رواجاً هائلاً لدى أسواق المال والبنوك، وبدأت أسهم شركات النفط الصخري تتداول في أسواق المال عند مضاعفات مرتفعة مقارنة مع أقرانها من شركات النفط التقليدية، اذ تم إعطاء استحداث مورد نفطي "بديل" أهمية وأولوية أكبر من تكاليف استخراجه المرتفعة. لأجل ذلك، قامت شركات النفط والغاز الأميركية والكندية باقتراض أكثر من 1.4 تريليون دولار أميركي في السنوات الخمس الماضية، مستفيدة بشكل أساسي من التقنيات الجديدة لاستخلاص النفط من الصخر الزيتي ومن ارتفاع أسعار النفط حينذاك.

أسهمت تلك الطفرة في تطوير الموارد غير المستغلة في السابق من خلال تقنيات الاستخلاص الحديثة، وتحقيق الشركات أرباحا طائلة ما دامت أسعار النفط مرتفعة. علاوة على ذلك، غيّرت هذه التقنية خارطة "حقول" النفط العالمية التي لم تكن تبرز منها سوى خزانات ومنصات "بحر الشمال" وآبار نفط "الشرق الأوسط" فقط. أما "بقعة النفط الجديدة" فقد امتدت من ألبرتا في كندا، إلى موارد الصخر الزيتي في نورث داكوتا، إلى جنوب تكساس، إلى حقول النفط البحرية الكبيرة قبالة الساحل البرازيلي.
جميعنا يعلم ماذا حدث بعد ذلك، حيث تراجعت أسعار النفط العالمية تراجعاً حاداً، منذ صيف عام 2014، ولا يزال تحت ضغط العرض والطلب. لم يكن ذلك التراجع نتيجة مؤامرة روسية أو إجراء قام به السعوديون أخلّ بموازين السوق، وإنما نتيجة قيام المنتجين الأميركيين والكنديين بإضافة ملايين من براميل النفط يومياً إلى الإنتاج الجديد في الوقت الذي لم تكن الأسواق العالمية قادرة على استيعابها. إضافة إلى ذلك، فاقمت الزيادة الكبيرة في إنتاج العراق، بالتزامن مع تباطؤ الاقتصاد في الصين وأوروبا، الوفرة في المعروض العالمي من النفط الذي أدى، ببساطة، إلى أن يتجاوز العرض الطلب.
في يونيو/ حزيران 2014، لامس خام القياس العالمي، برنت، مستوى 115 دولاراً للبرميل، وحتى كتابة هذه السطور فإن السعر الحالي يحوم حول مستوى 50 دولاراً للبرميل. أعقب هذا التراجع الكبير أزمات اقتصادية في بقاع مختلفة من العالم، حيث تراجعت أرباح كبرى شركات النفط العالمية، وأشهرت العديد من شركات الطاقة الصغيرة إفلاسها، في حين عانت دول، مثل فنزويلا ونيجيريا، من اضطرابات لا تزال مستمرة.
أما أكثر الأطراف تضرراً من التراجع الأخير للنفط فهي الشركات التي تعتمد على وسائل غير تقليدية لاستخراج النفط، مثل التكسير الهيدروليكي، ورمل القار، والصخر الزيتي، والحفر في أعماق البحار. بحسبة بسيطة، حتى تصل شركات رمل القار إلى سعر التعادل (السعر الذي يكون عنده الربح يساوي صفراً)، فإن سعر النفط يجب أن يبلغ ما لا يقل عن 80 دولاراً للبرميل، وبين 50 دولاراً إلى 60 دولاراً للبرميل بالنسبة لشركات النفط الصخري. يقودنا ذلك إلى الاستنتاج بأن أي سعر دون مستوى 90 دولاراً للبرميل لن يكون مجدياً من الناحية الاستثمارية بالنسبة للشركات التي تعتمد على وسائل غير تقليدية لاستخراج النفط.
ومع بقاء أسعار النفط منخفضة، فقد خلق الوضع الجديد في قطاع الصناعات النفطية غير التقليدية نهجاً جديداً لشركات التنقيب والإنتاج، حيث أسهم في استخلاص الدروس والعبر من خلال التركيز أكثر، مستقبلاً، على الموارد القابلة للاستخراج بشكل أكثر سهولة، وإبقاء التكاليف منخفضة عبر تحسين القدرات الإنتاجية، واستخدام تكنولوجيا المسح السيزمي للتنقيب، وخفض التكاليف التنظيمية.
(باحث اقتصادي أردني)



المساهمون