انفصام سورية بين التجارة والسياسة

09 مايو 2016
التبادل التجاري السوري (Getty)
+ الخط -
في شهر آذار/ مارس، فرض مجلس الأمن لائحة من العقوبات على عدد من المسؤولين الكوريين الشماليين المقيمين في سورية. وبحسب القرار رقم 2270، وضع على اللائحة أربعة مسؤولين من كوريا الشمالية، من ضمنهم ممثلان لمصرف تان تشون التجاري لدى سورية وممثلان للشركة التجارية لتطوير الثروة المعدنية.
تسلّط هذه المعلومات الضوء على العلاقات السياسية والعسكرية القوية التي تربط البلدين منذ عقود، إذ إن العلاقات قوية لدرجة أن سورية هي واحدة من أربع دول في العالم فقط لم تُقِم حتى اليوم علاقات دبلوماسية مع كوريا الجنوبية، خصم كوريا الشمالية العتيد. والدول الثلاث الأخرى هي كوريا الشمالية، كوبا، ومقدونيا. رغم ذلك، بقيت العلاقات الاقتصادية بين البلدين محدودة للغاية. ففي عام 2010، لم تتعد قيمة التبادل التجاري بين البلدين مبلغ 5.8 ملايين دولار.

وبالمقابل، تتمتع سورية بعلاقات اقتصادية قوية مع كوريا الجنوبية. في عام 2009، قامت وكالة ترويج الاستثمار التجاري الكورية، والتي تتخذ من سيؤول مقراً لها، بافتتاح مكتب لها في دمشق رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، ولم يشارك أي وزير سوري في مراسم الافتتاح، في وقت بلغت قيمة التبادل التجاري بينهما 754 مليون دولار. وتستورد سورية من كوريا الجنوبية كل أنواع البضائع، بما فيها المنتجات الإلكترونية، والسيارات التي تستحوذ على حصة كبيرة من السوق السورية.
قبل الثورة، لم يكن الانفصال بين العلاقات الاقتصادية والسياسية السورية مقتصراً على الحالة الكورية فقط. فالأمر نفسه ينطبق على إيران مثلاً. فلإيران علاقات استراتيجية مع دمشق، إلا أن الاستثمارات والعلاقات التجارية بينهما كانت محدودة. وعلى النقيض من ذلك، فبالرغم من العقوبات المفروضة على الاقتصاد السوري من قبل واشنطن، كانت العلاقات التجارية بين سورية والولايات المتحدة الأميركية أعلى ممّا هي مع إيران.
تعزى أسباب هذا الانفصال إلى عوامل عدة، ومن ضمنها الفرص التجارية. فالمنتجات والخدمات التي تقدمها الاقتصادات الكورية الشمالية والإيرانية غير منافسة في السوق السورية، والعكس صحيح. كما يبدو أيضاً أنه في حين كانت الاستثمارات القادمة من دول أخرى، كدول الخليج وتركيا، في حال صعود، واستطاعت منتجاتها الاستحواذ على حصة أكبر من السوق السورية، فإن المصالح الاقتصادية لم تكن قوية كفاية لتؤثر على عملية صنع القرار السياسي.
عندما سيأتي وقت إعادة الإعمار، فإن علاقات سورية التجارية الخارجية ستُبنى معتمدة على المصالح الاقتصادية وليس فقط على المصالح السياسية.
(باحث اقتصادي سوري)
المساهمون