رواتب السوريين لا تساوي "قشرة بصلة"

09 مايو 2016
رواتب السوريين تتلاشى (Getty)
+ الخط -
لا يعتبر التضخم وما يرافقه من ارتفاع للأسعار جديد على السوريين الذين يعيشون هذه الظاهرة للعام الخامس على التوالي، إلا أن ذلك لا يقلل من ضرباته الموجعة التي لا يمكن الاعتياد عليها، إذ تزداد قوة وقسوة بمرور الوقت. فقد ذابت رواتب العمال والموظفين السوريين حتى وصلت إلى قاع سحيق، يشعر معها العامل بأنه "عاطل من العمل".
تخطى سعر صرف الدولار حاجز الخمسمائة ليرة سورية، واستقر على 515 ليرة عندما استلمت سمر راتبها الشهري مطلع شهر نيسان/ أبريل والذي يبلغ 28 ألف ليرة سورية. تقول سمر لـ"العربي الجديد": "نمر اليوم بمرحلة جديدة، فبعد عذاب السنوات الماضية التي تعرضنا خلالها لضغوط بشكل متدرّج، تعرضنا لضربة قاسية خلال بضعة أشهر، شعرت بسببها أن راتبي تلاشى ولم يعد يساوي قشرة بصلة".

تراجع الليرة 

بدأ تراجع سعر صرف الليرة السورية مع بداية الثورة وتسارع في العام 2015، حتى بلغ الذروة خلال الأشهر الخمسة الماضية. ويشير المركز السوري لبحوث السياسات إلى أن انخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي بلغ نسبة 15.3% في الربع الأول من 2015، وبنسبة 17% في الربع الثاني، 10.7% في الربع الثالث وبنسبة 13% في الربع الرابع، ولكن الأشهر الخمسة الماضية شهدت الانحدار الأكبر والأسرع لليرة السورية وبمعدل يقارب 33%.

وبحسب "جمعية حماية المستهلك في دمشق"، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سورية خلال شهر واحد، من منتصف آذار/ مارس إلى منتصف نيسان/ أبريل الحالي، بنسبة قاربت 20%. فيما يصف المركز السوري لبحوث السياسات الارتفاع في كلفة المعيشة بأنه "غير قابل للاحتمال".
ويقول "إن الزيادة في مؤشر أسعار المستهلك للعام 2015 بلغت 53.4% مقارنة بنحو 29% للعام 2014".
ويعود ذلك، بحسب المركز، إلى "تراجع قيمة الليرة والسياسات الحكومية الرامية إلى تحرير أسعار السلع الأساسية، إضافة إلى ندرة العديد من السلع والخدمات نتيجة الأوضاع الأمنية"، هذا في مناطق سيطرة النظام، أما في مناطق المعارضة والمناطق المحاصرة، فالأسعار "أعلى بكثير"، وفق التقرير.

وللتعامل مع هذا الواقع يلجأ الناس، بحسب التقرير، إلى البحث عن الدعم الإنساني والاعتماد على دعم مجتمعهم المحلي، بالإضافة إلى الأقارب الذين يعيشون في الخارج ومساعدات الوكالات الدولية، ويسبب ذلك بالنسبة للكثيرين "شعوراً بالعار يؤذي كرامتهم".
يقول لؤي لـ"العربي الجديد": "يعمل المرء لكي يكفل له ولأسرته عيشة لائقة. أتقاضى أقل من 50 دولاراً، ما يجعلني ألجأ إلى مساعدات، وكأنني عاطل من العمل". ويشرح "إذا أردت شراء مروحة تعينني على حر الصيف فسوف أدفع راتبي كاملاً، ولكن حتى شراء الحاجات الأساسية بات متعذّراً، فمع استلام راتبي مطلع هذا الشهر اشتريت: شايا، بنا، سمنة، مسحوق غسيل، وإذ بنصف الراتب قد تبخر".
وفي مواجهة أزمة تلاشي الأجور، يلجأ الآلاف إلى المساعدات، ويشير لؤي إلى أن أفراد عائلته المقيمون في الخارج أسسوا صندوقاً لمساعدة أفراد العائلة بالداخل، "فالجميع بات يعرف أن من يعيش داخل سورية لا يمكنه تأمين احتياجاته الأساسية حتى لو كان يعمل". فيما يفكر آخرون بالهرب من البلد، "وحتى لو اضررنا إلى المخاطرة وعبور البحر"، كما تقول سمر.
يشير الباحث الاقتصادي عادل الفاضل، إلى أن "التضخم الجامح يدمر الاقتصاد والعاملين على السواء، إذ تهاجر كل من الاستثمارات والبشر هرباً من التضخم وتزداد أعداد الفقراء ويتعرض العمال لضغوط معيشية ونفسية، وترتفع البطالة حيث لا يعود العمل مجدياً بسبب انهيار القدرة الشرائية للأجور". حدث ذلك مع سمر التي أنهت إجازة الأمومة وبات عليها أن تضع ابنتها الصغيرة في الحضانة، ولكنها فوجئت بأن أقل قسط شهري يعادل راتبها كاملاً، ولذلك تفضّل ترك العمل ورعاية طفلتها بنفسها. هذا، وقد ارتفع القسط الشهري للحضانات الحكومية أخيراً من نحو 10 آلاف ليرة إلى 25 ألف ليرة. أما الحضانات الخاصة، فتتقاضى بين 40 و75 ألفاً، أي ما يعادل ضعفين إلى ثلاثة أضعاف متوسط الراتب الشهري للموظف.
يقول الفاضل: "إن عدم قدرة ملايين البشر على تأمين طعامهم يؤدي إلى انتشار الكثير من الظواهر الاجتماعية السيئة حتى بعد أن يباشر الاقتصاد رحلة التعافي".


المساهمون