66 دولاراً نصيب المصري من برامج التمويل

07 يونيو 2016
غياب الأموال اللازمة لتمويل المشاريع (Getty)
+ الخط -
تمتلك مصر واحدة من أولى التجارب في العالم العربي بتأسيس ما يعرف عالمياً ببنك الفقراء، وذلك بإنشاء بنك ناصر الاجتماعي في 1971 كأول مصرف ذي أهداف اجتماعية. تأسس المصرف في محاولة لمساعدة المواطنين للخروج من دائرة الفقر وسط تراجع مستوى المداخيل.
ورغم أن تجربة المصرف ما زالت قائمة في تمويل مشاريع الشباب بفائدة منخفضة تدور حول 7%، إلا أن دوره تراجع مع مرور الوقت وسط قلة الودائع ومخصصات التمويل. وتحولت فروع المصرف تدريجياً لتكون أقرب إلى منفذ لصندوق التضامن الاجتماعي الذي يُعتبر المصدر الحكومي الأولى في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
بحسب بيانات تقرير شبكة سنابل للتمويل الأصغر لعام 2015، فإن مصر تتصدر دول العالم العربي في نشاط التمويل متناهي الصغر بعدد مقترضين نشطين يمثل 33% من أصحاب القروض ويستحوذ على ما يقرب من 35% من محفظة القروض بالمنطقة.
وبصورة أكثر دقة، فإنه وفق تقدير وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي، فإن عدد المستفيدين من التمويل متناهي الصغر يبلغ 1.5 مليون مصري، وتقدر محفظة التمويل الخاصة بهم بنحو 3 مليارات جنيه.
وبحسب التقديرات الرسمية تبلغ قوة سوق العمل 28.4 مليون فرد، منهم 3.6 ملايين عاطل أي أكثر من ضعفي عدد المستفيدين من القروض متناهية الصغر، وباعتبار أن التقديرات الرسمية لا تضم السوق غير الرسمية التي تستحوذ على أكثر من 50% من الاقتصاد، فإن عدد العاطلين يتجاوز 7 ملايين مواطن.
ورغم أنه على مدار قرابة 45 عاماً أطلقت الدولة مبادرات عدة لتمويل المشروعات متناهية الصغر مثل الورش الفنية، ولكن نسب الفقر الرسمية بقيت قابعة عند 26 و27% وتصل إلى 50% في محافظات الصعيد. بينما قدرت إحصاءات الأمم المتحدة نسبة المواطنين تحت خط الفقر بنحو 47%.

نقص الموارد
ويمكن بحسبة بسيطة قياس مدى نجاح تجربة القروض متناهية الصغر، عبر قسمة حجم محفظة التمويل الأصغر على عدد العاطلين، وكذلك المستفيدين معاً وذلك وفقًا للإحصاءات الرسمية، فسنجد أن نصيب الفرد بهذه الفئة يبلغ 588 جنيها فقط، أي ما يعادل 66.6 دولارا!
وتحت وطأة نقص الموارد المالية قلصت الدولة دورها التمويلي، وصعدت محلها الجمعيات الأهلية التي اتجهت نحو تمويل المواطنين حتى بلغت نسبة مساهمتها في القروض 80%. وفي ضوء هذا النمو أصدرت هيئة الرقابة المالية أول قانون ينظم عمل الجمعيات والشركات العاملة في هذا المجال خلال عام 2014.
يقول رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية شريف سامي: "إننا رصدنا نمو دور الجمعيات في تمويل الأسر بصعيد مصر والريف على مدار السنوات العشر الأخير، لذا كان لزاماً سن قانون يُنظم هذا النشاط في ظل وجود 400 جمعية تفتقد للإشراف المالي الدقيق".
ويضيف:" بمقتضى القانون وضعنا تعريفا محددا للتمويل، لا يزيد على 100 ألف جنيه، ونعمل على ضمان استمرار عمل الجمعيات عبر وضع حد أقصى لنصيب كل عميل من محفظة التمويل، هذا فضلاً عن ضرورة إجراء استعلام ائتماني عن كل عميل يطلب تمويل أكثر من 1500 جنيه، وكيفية تكوين مخصصات للقروض المتعثرة".
ويؤكد رئيس الرقابة المالية أن ضمان استمرار هذه الجمعيات يعتبر عملا هاما للغاية نظراً لأنها تستهدف القرى التي يصعب على البنوك تلبية احتياجاتها وكذلك تعتمد ضمانات الجمعيات على صلة المعارف والجيران، هذا إلى جانب أن المرأة هي العميل الأول لهذه الجمعيات.
ويعتبر سامي أن أهمية وضع قانون ينظم عمل الجمعيات وشركات التمويل متناهي الصغر، يكون عبر تأسيس اتحاد يعبر عن مشاكل الجمعيات، علاوةً على مساعدتها على الحصول على تمويل من البنوك والصندوق الاجتماعي للتنمية ومؤسسات التمويل التنموية دولياً.

رغم المزايا التي ساقها رئيس الرقابة المالية للقانون، إلا أنه لم يلق القبول بالكامل بين جمعيات التمويل متناهي الصغر بسبب الالتزامات التي من شأنها رفع تكلفة التمويل المقدم للفقراء من الأسر والشباب.
ارتفع عدد الجمعيات العاملة في السوق من 400 إلى 530 جمعية، فضلاً عن الترخيص لثلاث شركات هي "ريفي" و"تساهيل" و"تنمية" التي من المتوقع أن يصل حجم محفظة التمويل بها إلى 500 مليون جنيه بنهاية 2016.

منافسة داخلية
وبحسب محمود رفعت المدير التنفيذي لجمعية رجال أعمال أسيوط، فإن اشتراطات تقرير الاستعلام الائتماني والرسوم التي تُحصلها الرقابة المالية نظير خدمات الرقابة والإشراف أدت إلى رفع الفائدة بنسبة 1.5% لتتجاوز تكلفة التمويل حاجز 18%. وتتجه بعض الجمعيات إلى تضمين هذه الزيادة ضمن الرسوم الإدارية حتى لا يبدو سعر الفائدة مُرتفعاً.
ويلفت رفعت إلى أن البنوك يمكن أن تشكل أحياناً منافساً للجمعيات في حالة تقديم قروض بفائدة تتراوح حول 13% ولكن الإجراءات والشروط تكون أكثر صعوبة مقارنة بالجمعيات التي تخدم نطاقا جغرافيا مُحددا وتكون على صلة وثيقة بسكانه.
ويطالب بتخصيص البنوك جانبا من أموال المسؤولية الاجتماعية لتمويل الجمعيات بأسعار فائدة مخفضة، حتى تتمكن من القيام بدورها التنموي في إقراض أنشطة زراعية وتجارية وورش مهنية.
وتمول الجمعيات 86% من النشاطات في مقدمتها الأنشطة التجارية التي تستحوذ على 36% من التمويل، ثم الزراعة بنسبة 20%.
وبحسب ما أعلنه معتز الطباع، رئيس الشبكة الدولية للتمويل متناهي الصغر، فمن الصعب تحول أي من الجمعيات الكبيرة إلى بنك للفقراء، لأنها ستلتزم حينها بسداد ضرائب، ومن ثم سيطرة فكرة الربح على حساب الأهداف التنموية. تعتبر الدكتورة شاهيناز رشاد، المديرة التنفيذية لمعهد الخدمات المالية، أن هناك أبواباً يُمكن أن تُتاح مستقبلاً لتمويل الفقراء، وتحديداً المرأة، إذ تقول "إن هناك قانوناً جديداً يعد الآن لتطوير نشاط التأجير التمويلي، يمكن أن يضم بنوداً جديدة تتيح تمويل المُعدات محدودة التكلفة". وتوضح أنه من المقترح أن يتيح القانون فرصة تمويل أنشطة بسيطة مثل الحياكة والزراعة، عبر شراء المعدات للمواطنين مقابل سداد مبالغ شهرية. الميزة هنا أن الشركات التي ستزاول هذا النشاط لن تطلب ضمانات مالية كالتي تشترطها البنوك، نظراً لأنها ستتخصص في تمويل أنشطة بعينها مثل الحياكة، ما يُمكنها من الحكم على جدوى المشروع مسبقًا، وإمكانية العميل على السداد من عدمه.


المساهمون