سوق العمل اللبنانية تنكّل بأطفال سورية

18 مايو 2015
مجموعة من الأطفال اللاجئين يعملون لبنان (ستيفان ريبيريك/فرانس برس)
+ الخط -
"أعيش أنا وأمي وأخوتي. لم أستطع إكمال دراستي، فمنظمة الأمم المتحدة أوقفت المساعدات عن أسرتي، والسبب أن عمري 16 عاماً وبالتالي يمكنني أن أعمل وأعيل أسرتي" يقول علي، ثم يبدأ بإخبارنا عن معاناته في العمل.

"في البدء عملت في ورشة بناء، تحديداً في النجارة والباطون. في الفترة الأولى كان الوضع جيداً لكن لاحقاً بدأ صاحب العمل بـ"تقطير" راتبي، ثم التهرب من إعطائي مستحقاتي". يضيف علي: "عملت لأسابيع من دون راتب بموازاة تراكم الديون على أسرتي من محل البقالة. لم أستطع فعل أي شيء مع صاحب العمل، لم يكن بمقدوري سوى أن أقول له "الله لا يسامحك" فقط لا غير".


العمل الثاني كان في "جبّالة للبحص والأحجار"، يتابع علي، "كنا أربعة أشخاص، وكان الدوام من السابعة صباحاً حتى السادسة مساءً. كان الاتفاق أن نقبض راتبنا في آخر الشهر، ولكن صاحب العمل لم يعطنا شيئاً، ترجيناه كثيراً ولكن جوابه كان: فلّوا من هون".

لم يترك علي فرصة عمل إلا واقتنصها، فمن العمل في الدهان والنجارة والبلاط والكهرباء مروراً بالسمكرية وصولاً إلى صب الباطون. والنتيجة كانت استغلالاً لا ينتهي. في إحدى الوظائف كان أجره دولارين يومياً. يؤكد علي أنه لا يستطيع رفض هذا المبلغ حتى لو كان قليلاً "أقبل لأننا نعيش الموت يومياً، ونتعرض لذل لا يحتمل".

حال علي كحال غالبية الأطفال السوريين في لبنان. لؤي الذي يبلغ من العمر 15 عاماً، يعمل في محل حلويات ولا يتعدى أجره دولارين يومياً. يعمل لؤي من العاشرة صباحاً حتى الثامنة مساءً. "أعمل في صف الحلويات وتغليفها كما أقوم بأعمال الجلي، وتنظيف الزجاج، والأرضية"، موضحاً أنه يتعرض للضرب على يد صاحب العمل بالعصا، وفي حال تأخر نصف ساعة أو ساعة يحسم منه نصف نهار ليصل أجره اليومي إلى دولار واحد فقط.

بحسب منظمة "كير" البريطانية للإغاثة، يوجد 50 ألف طفل سوري لاجئ في لبنان يعملون في ظروف صعبة ولمدة 12 ساعة يومياً، للمساعدة في توفير الطعام والمأوى لأسرهم. أسباب دخولهم إلى سوق العمل عديدة ومتنوعة، من الحاجة والفقر، وعدم القدرة على الوصول حتى لأساسيات العيش، مروراً بتراجع فرصة الحصول على الغذاء والمعونات، وصولاً إلى قرارات الحكومة اللبنانية في سوق العمل التي تزيد من هشاشة وضعهم وبالتالي نسبة استغلالهم.


ففيما تشير خطة العمل الوطنية، التي أعدتها اللجنة الوطنية لمكافحة عمل الأطفال ومنظمة العمل الدولية، إلى أن "أكثر من 100 ألف طفل يقعون ضحايا عمل الأطفال والاتجار بهم في لبنان"، تشير أيضاً إلى أن "لبنان قد يكون من الدول التي تسجل النسبة الأعلى في العالم للأطفال العاملين بين 10 و17 عاماً".

وبعيداً من العمل في الورش والمحلات، أظهرت الدراسة أن أكثر من 1500 طفل يعيشون ويعملون على الطرقات وأن أكثر من نصفهم تتراوح أعمارهم بين 10 أعوام و14 عاماً. وأن 73% من بين هؤلاء الأطفال جاؤوا من سورية، وهم إمّا سوريون أو من فلسطينيي سورية. ومعظم هؤلاء الأطفال يعملون أكثر من ستة أيام في الأسبوع، و ثماني ساعات ونصف الساعة في المتوسط يومياً.

برأي أحد المسؤولين القانونيين في مشروع "إحقاق"، مشروع الدعم القانوني للاجئين السوريين والفلسطينيين السوريين في لبنان، أنّ العامل المادي هو السبب الأساسي لعمالة الأطفال، فمعظم اللاجئين السوريين في لبنان، هم من الطبقة الفقيرة، وعندما توقف أرباب هذه الأسر عن العمل تعرضت هذه العائلات لضغط الحاجة في ظل تقصير المفوضية العليا للاجئين، وأيضاً تقصير الحكومة اللبنانية. هذه الأسباب تضطر الأطفال للعمل مقابل أجور منخفضة.

كذلك تؤكد "إحقاق" أن القرارات الحكومية في ما يخص التلامذة السوريين وارتفاع الأقساط في المدارس الخاصة ساهم أيضاً وبشكل كبير في جعل نسبة كبيرة من الأطفال السوريين تتسرب من المدارس.

إقرأ أيضا: دول عربية مأزومة تعيد المواطن إلى العصر الحجري (ملف)
المساهمون