طوفان المشاكل الاجتماعية في مصر...البحث عن حل ولو عبر الإنترنت

19 سبتمبر 2017
وسائل التواصل ملاذ المصريين للبحث عن حلول مشاكلهم(فرانس برس)
+ الخط -
يتابع الدكتور مصطفى رجب أستاذ علم الاجتماع بجامعة سوهاج، باهتمام زيادة تفاعل المصريون مع صفحات موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، المتخصصة في مناقشة وحلّ المشاكل الاجتماعية، إذ تكشف الظاهرة عما يسميه بحالة من "الفراغ النفسي" الذي يعانيه الشباب المفتقد إلى حكمة الكبار وخبرتهم.

لكن ليديا مرقص مؤسسة مجموعة Bride Group، التي أسستها لتشارك تجربتها في تجهيزات الزفاف مع أخريات، وتستفيد من خبراتهم، قبل عشر سنوات، لا تعتقد أن الظاهرة ترتبط بالفراغ بقدر ما تعبر عن حاجة الشباب خصوصا، ومرتادي مواقع التواصل لمن يتواصلون معه لحل مشكلاتهم الخاصة، الأمر الذي دعاها إلى إنشاء صفحة متخصصة في حل المشكلات تسمى Problem Counseling Center of Bride Group والتي انضم إليها 526.809 عضوا.

المسؤولية التي تشعر بها ليديا حين يعلق صاحب المشكلة آماله عليهم، ثم حساسية المشكلة ومدى معرفة فريق الصفحة بحلها وكيفية معالجة الأمور، هي بعض التحديات التي واجهت ليديا، ما دفعها إلى التعاون مع موقع "شيزلونج" والذي يعرفه القائمون عليه باعتباره "عيادة نفسية عبر الإنترنت"، كما تعاونت مع حسام بركات المعالج النفسي. الذي بدأ في بث حلقات عبر راديو الإنترنت، لمساعدة من يعانون من مشكلاتهم في إيجاد طريق أكثر دقة للتوصل إلى حل لها.


لماذا يلجأ المصريون إلى صفحات حل المشاكل عبر الإنترنت؟

يبحث المصريون عن حل مشاكلهم عبر طريقين، الأول هو اللجوء للمتخصصين في الطب النفسي وإن كان الجميع لا يقبلون عليه، والثاني: سؤال أصحاب التجارب السابقة، "ويعد اللجوء إلى حل المشكلات عبر مواقع التواصل الاجتماعي أحد مظاهر الطريق الثاني، إذ إن الذهاب إلى طبيب نفسي مكلف، خصوصا في الأحوال الاقتصادية الراهنة"، كما يقول الثلاثيني سعيد الألفي أحد مؤسسي مجموعة confessions of a married man، والذي يرى أن كل فرد يبحث عن المجموعة التي تشبهه بحيث يستطيع الاستفادة من تجاربهم، ومن بينها مجموعته المخصصة للرجال المتزوجين، التي يوحي غلافها بالغموض، إذ كتب اسم "الجروب" الذي يبلغ عدد أعضائه 69.491 عضوا بحروف نارية وخط عريض على خلفية سوداء.

بجرأة يكتب الرجال في المجموعة عن مشاكلهم، ويحاولون الحفاظ على أعلى درجات السرية، إذ إن المشكلة ترسل إلى مؤسس المجموعة عبر استمارة إلكترونية لا تشترط الحصول على اسم السائل، ثم يقوم مدير المجموعة الذي ينشر من حساب باسم وهمي بنشرها. ويخفي الألفي هويته الحقيقة ليستطيع التعامل مع الجميع بأريحية دون حرج قد يشعر به السائل فهذه هي أولى الأولويات لدى الرجال.

الخصوصية أولوية مديري مجموعات السيدات أيضا، لكنها ذات طابع مختلف، إذ تقتصر مهمة فاطمة قابل وماهيتاب يحيي اللتين تديران مجموعة "فضفضة أمهات" التي يبلغ عدد المشاركات بها 5.513، على التأكد من عدم وجود رجال داخل مجموعتهن، عن طريق الاتصال الصوتي بكل مشاركة، وحذف المشاركات اللاتي يحيط بهن الشك.

وفي نفس الوقت، تتبادل أسماء وآلاء وإيمان وهايدي مقاعد مراقبة التعليقات، وحذف المخالف منها لقوانين الجروب، وقد وضعن قواعد عديدة، من بينها منع طلب المساعدات المادية تجنبا لتعريض أحد للخداع، بالإضافة إلى منع نشر الصور الشخصية، أو التحدث عن المشكلات الجنسية لعدم وجود مختصين يمكن استشارتهم.

وتتناول أكثر المشكلات المرسلة إلى المجموعة موضوعات مثل الخيانة، وعدم النفقة، والاعتداءات الجسدية، والإهمال والطلاق كما تقول ماهيتاب يحيى لـ"العربي الجديد".

وبينما تحظر "فضفضة أمهات" الحديث عن الجنس، وطلب مساعدات مادية، يحتل الجنس المقام الأول في قائمة مشاركات "confessions of a married man" والذي يسمح أيضا بطلب مساعدات مادية، كما يقول الألفي.


حلول تؤدي إلى مشاكل أخرى

اكتشفت إحدى المتابعات خيانة زوجها من خلال صفحة ليديا مرقص، التي تتيح منشوراتها للجميع على "فيسبوك"، وتروي ليديا ما حدث قائلة: "وصلني إيميل من مُتابعة، تشكر فيه الصفحة أنها كشفت خيانة زوجها لها، عندما قرأت إحدى المشكلات، التي قال صاحبها إنه لا يطيق زوجته رغم أنها تتفانى في إسعاده، وأنه يرضيها فقط لشعوره ببعض الذنب لكونه يخونها، فهو على علاقة بزميلة له في العمل يحبها ولا يستطيع تركها. وحين أسهب صاحب المشكلة في وصف حالته عرفت الزوجة من الأسلوب أنها المقصودة".

ولم تعد ندى محمد إحدى المعجبات بالجروبات النسائية تقرأ المشكلات المعروضة، إذ أثرت تلك المجموعات سلبا علي علاقتتها بزوجها، نظرا لأنها تجد الكثير من المشكلات والقصص التي تتحدث عن كيف اكتشفت سيدات خيانة أزواجهن، على الرغم من أنهن يبذلن قصارى جهدهن للحفاظ على بيوتهن، ما جعلها تشك في زوجها، ولا تصدقه، وتسبب ذلك الشك في كثير من المشكلات التي جعلتها تفكر مرارا في الطلاق.

ويلاحظ حازم محمد، وهو أحد متابعي صفحات المشاكل، أن بعضهم يختلق مشكلات غير موجودة، كما أن الكثير من المتابعين غير متخصصين، وقد يرد أحدهم ساخرا من المشكلة أو يكون قليل الخبرة فلا يعطي الرأي السديد الذي يساعد بالفعل صاحب المشكلة.


اسأل مجرباً، أم طبيباً؟

"قد يكون لطريقة التفكير المصرية دور في اتساع نطاق ظاهرة اللجوء لصفحات المشاكل على الإنترنت"، بحسب ما يعتقد الدكتور أحمد عبدالله، أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق، والذي يرى أن العقل المصري تكوّن تحت تأثير ضغوطات سيئة، وطريقة تعليم تعتمد في المقام الأول على حشو المعلومات، دون بذل جهد للحصول عليها، وبدلا من محاولة البحث عن حلول عبر القراءة والاطلاع، يبحث هؤلاء عن الإجابات الجاهزة، قائلا "الأجدى ليس أن تسأل مجرباً ولا طبيباً، بل ابحث بنفسك عن حل".

لكن الاستشارة والاستفادة من خبرات المجربين يفيد أيضا، وهو ليس محصورا في صفحات مواقع التواصل، بل إنه قد يتوفر في المحيط الاجتماعي لصاحب المشكلة من أقارب ومعارف. فلماذا إذا يزيد الإقبال على هذه الطريقة؟ يجيب عبدالله بأن "الوحدة هي سبب رئيسي وراء لجوء الناس إلى إرسال مشكلاتهم عبر الإنترنت، فمن لا يجد العون المناسب بالقرب منه، يحاول البحث عنه في أي مكان".

ويتابع عبدالله: "المجتمعات العربية فقدت ترابط نسيجها المجتمعي، الذي كان الكبير ينصح الصغير من خلاله، ويتبادل الجميع الخبرات، وتتم اجتماعات على المستوى الأسري لحل المشكلات، التي تتكون عادة تحت نفس الظروف، وبالتعرض لنفس المؤثرات. ويكون الحل في هذه الحالة أعمق فعلا من سؤال أي خبير أو متخصص. لكن بعد تطور وسائل التواصل وفقدان الترابط الاجتماعي، لم يعد للحائر من منفذ سوى السؤال عبر الإنترنت. والعقول التي تعتاد إنتاج المشكلات يكون من الصعب عليها حلها".

يبدو هذا الرأي متوافقا مع ما قالته ليديا مرقص، من أن اللجوء لصفحات حل المشاكل نابع من عدم استقلال الشباب في التفكير، وعدم ثقة بعض البنات في أنفسهن، ومحاولة الجنسين الدائمة الاعتماد على أحد.

وتلاحظ ليديا أن أعداد من يلجأون إلى الصفحة في ازدياد ملحوظ، والسبب في ذلك أن طريقة حل المشكلات أصبحت أكثر احترافية، حيث يتكاتف فريق العمل لمعرفة أيّ المشكلات سيقوم بعرضها، وأي المشكلات لا يستطيع المساعدة بشأنها، ثم عرض بعض المشكلات على طبيب نفسي إذا تطلب الأمر، بحيث تُعرض المشكلة والحل الذي اقترحه الطبيب في نفس الوقت علي المتابعين، وهو ما فعلته أمل سعيد التي تساعد آﻻء إمام في إدارة مجموعة فضفضة أمهات إذ تقوم بفرز المشكلات التي ترسل إليهم، وتعرضها على مستشارة علاقات أسرية تتعاون معهن مجانا للمساعدة في حل المشكلات المتزايدة.