فقد الثلاثيني الموريتاني محمد الأمين ولد برو شعور الأمان، بعد العثور على جثة ابن أخيه محمدو ولد برو (22 عاما) في منطقة دار النعيم شمال شرقي نواكشوط، في 15 فبراير/شباط الماضي، إذ تعرض محمدو للخطف لدى خروجه من مقر عمله، بمؤسسة غزة تلكوم، وجرى نهب ما كان بحوزته من مال يقدر بـ 1.5 مليون أوقية (توازي 4300 دولار أميركي)، وهو ما أثار الرعب لدى أهل المنطقة الذين يعانون من ضعف مستوى أداء وحدات الشرطة كما يقول هو والربيع ولد السيد إدوم منسق مبادرة معا من أجل الأمن (شبابية تطوعية)، والذي قال لـ"العربي الجديد": "لاحظنا تعرض منازل في المنطقة لعمليات نهب من قبل عصابات السرقة والسطو، ما أفقد الأهالي شعورهم بالأمان".
ووقعت 105 جرائم قتل وسطو في ثلاث مناطق فقيرة هي دار النعيم، عرفات، والسبخة، خلال الربع الأول من العام الجاري، ويسكن تلك المناطق 392 ألف نسمة من بين 958 ألف نسمة هم قوام السكان في تسع مناطق بنواكشوط وفق إحصاء عام 2013، وتضم العاصمة 6 مناطق فقيرة، بحسب إدوم، الذي لفت إلى أن قرابة 120 جريمة قتل وسطو، كانت تحدث شهريا في الأحياء الفقيرة خلال السنوات الثلاث الماضية، بخلاف المناطق الغنية (تفرغ زينه، لكصر والصكوك) فقد رصد فريق مبادرة معا من أجل الأمن، حدوث جريمتي سرقة وسطو شهريا في نفس الفترة في منطقة الصكوك، وجريمة سرقة كل شهرين في منطقتي تفرغ زينة ولكصر والتي حدثت فيها جريمة قتل في يناير/كانون الثاني الماضي، علما بأن عدد السكان في المناطق الثلاث 93 ألف نسمة بحسب آخر تعداد سكاني أجراه المكتب الوطني للإحصاء التابع لوزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية في عام 2013.
اقــرأ أيضاً
الخوف في المناطق الفقيرة
أظهر استطلاع رأي غير قياسي أجراه معد التحقيق بمشاركة 105 أشخاص من سكان ثلاث مناطق فقيرة بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، هي (دار النعيم، عرفات، والسبخة) أن 94.28% منهم لا يشعرون بالأمان، نتيجة انتشار المجرمين لعدم كفاية التواجد الأمني، وضعف الإنارة في الشوارع، مقابل 5.71% فقط يشعرون بالأمان.
بالمقابل تحظى الأحياء الغنية، بالعاصمة بحماية أمنية من قبل الشرطة وفق ما أكده استطلاع مماثل أجراه معد التحقيق مع 105 أشخاص من سكان الأحياء الثلاثة (تفرغ زينه، لكصر والصكوك)، وكشف الاستطلاع أن 89.52% من المشاركين يشعرون بالأمان، نتيجة التواجد الأمني وقوة الإنارة في الشوارع، مقابل 10.71% لا يشعرون بالأمان.
ويقول إدوم: "بات واضحا لنا أن هناك انحيازا من الدولة في توفير الأمن للأحياء الغنية على حساب الأحياء الفقيرة"، معيدا الاهتمام الأمني بالأحياء الغنية إلى وجود الشخصيات الوازنة والدبلوماسيين ورجال الأعمال وتوظيفهم لعلاقاتهم بالدولة، وهو ما وفر لهم الاهتمام على حساب الأحياء الفقيرة، وخلق فجوة واضحة بين سكان نواكشوط لتصبح كأنها مدينتان.
لكن المفوض الإقليمي، محمد اشريف ولد محمد الإمام الغرابي مدير الرقابة والعلاقات العامة بإدارة الأمن الموريتاني يرد بالقول:" إن العملية الأمنية مستتبة في جميع المناطق، ولا يمكننا أن نرضي جميع المواطنين لأننا نعمل وفق خطة شاملة، بينما يعتقد المواطن أحيانا أن أم المشاكل هي الحادثة التي تحصل معه".
ويناقض النائب البرلماني عن حزب الشورى من أجل العدالة والتنمية في دائرة نواكشوط، محمد الأمين ولد سيدي مولود ما ذكره الغرابي، بقوله: "نأسف لكون حالة الأمن في نواكشوط سيئة، وخاصة على مستوى الأحياء الفقيرة، إذ لا تمر ليلة دون جريمة سطو تستهدف الأشخاص والمنازل والمحال التجارية أو حتى قتل، بخلاف الأحياء الراقية"، وهو ما جعل العشريني سيدي محمد ولد المختار واثنين آخرين شملهم استطلاع الرأي لا يشعرون بالأمان في مناطقهم الفقيرة.
ويقول ولد المختار الذي يسكن في منطقة السبخة غربي نواكشوط: "تعرضت لعملية سطو من قبل أربعة شبان، أمام منزل أهلي يوم 4 مارس/آذار الماضي، فقدت هاتفي الخلوي (سامسونغ غالاكسي G7prime) ونقودي المقدرة بـ 12100 أوقية (توازي 35 دولارا أميركيا) تحت تهديد بالسلاح الأبيض".
اقــرأ أيضاً
تفاقم الجرائم الخطرة
توصلت الباحثة الاجتماعية خديجة محمد المختار خلال إعدادها لرسالة الماجستير (المرأة والجريمة)، المقدمة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة نواكشوط، إلى إحصائية موثقة من مصالح الشرطة في نواكشوط خلال الفترة من مطلع يناير/كانون الثاني 2014 وحتى يوليو/تموز 2018 ، تفيد بوقوع 863 جريمة، منها 506 جرائم اغتصاب نساء، و149 اعتداء على قصر، و33 محاولة اغتصاب نساء وقاصرات في منطقتي عرفات جنوب شرقي نواكشوط ودار النعيم، وهو ما يؤكد أن الوضع الأمني في المناطق الفقيرة من العاصمة مقلق للغاية، وبحاجة إلى تعزيز الجهود الأمنية لحماية المواطنين، وممتلكاتهم وفق إفادات المشاركين في التحقيق.
وارتفع معدل الجريمة خلال العام 2018 والربع الأول من العام الجاري إلى 300% عما كانت عليه الحال في الأعوام السابقة في المناطق الفقيرة، إذ تكرر بعض العصابات جرائمها في ذات الليلة بحسب إدوم، مضيفا أن ما بين 4 و7 جرائم سطو وقتل على الأقل تحدث بشكل يومي فيها. غير أن الغربي المفوض الإقليمي يقول: "صحيح أنه قد تحدث جريمة قتل أو سرقة في أي منطقة من نواكشوط، كونها مدينة كبيرة ولكن ذلك لا يعني غياب الأمن، بل العكس تماما. أكرر لكم أن العملية الأمنية مستتبة إلى أقصى الحدود".
لكن مدير المركز الموريتاني لأبحاث التنمية والمستقبل محمد السالك ولد إبراهيم، أكد لـ"العربي الجديد" أن الجرائم المسجلة في نواكشوط خلال العام 2017، دون احتساب جرائم القتل، تقدر بـ 3300 جريمة سطو على البيوت، وسرقة، ومخدرات، واغتصاب، وتهريب الممنوعات، موضحا أن المعطيات الجزئية المتوفرة حاليا، تشير إلى أن معدل الجريمة في العاصمة نواكشوط مقلق جدا، وترتفع معدلات الجريمة في المناطق الشعبية (دار النعيم، عرفات، السبخة)، بينما يقل عدد الجرائم في الأحياء الراقية مثل (تفرغ زينه والصكوك ولكصر).
رصد ميداني للانتشار الشرطي
تنحاز الدولة للأحياء الغنية حيث تسكن الطبقة الراقية ماديا، كي تعطي صورة للعالم الخارجي ورجال الأعمال والدبلوماسيين أن نواكشوط آمنة، لذلك تقوم بمتابعة قوية للحالة الأمنية في تلك الأحياء، بحسب رئيس مبادرة "معا من أجل الأمن"، لكن الغرابي يؤكد أن المواطن في الأحياء الراقية ليس بحاجة إلى الانحياز، ولا يوجد أبدا أي تركيز على الأحياء الغنية على حساب الأحياء الفقيرة، وتابع: "ربما في الأحياء الفقيرة تكثر الجرائم نظرا للكثافة السكانية هناك وبدوية السكان وعدم أخذهم للاحتياطات اللازمة والسلوك المدني الذي يلعب الدور الأساسي في تحقيق الأمان"، مشيرا إلى وجود توصيات بأن يتم التركيز على أمر المواطن في الأحياء الفقيرة بالدرجة الأولى.
وعلى الرغم من تأكيد الغرابي، على نشرهم دوريات وفرقا أمنية تتمتع بسيارات رباعية الدفع، جديدة، ومزودة بكافة المستلزمات الضرورية لضبط الأوضاع، رفض الإدلاء بتفاصيل خطتهم الأمنية، لأنها أمر داخلي كما يقول.
ورصد معد التحقيق في ثلاث جولات ميدانية ليلية (من الساعة الثامنة مساء حتى منتصف الليل)، وأخرى نهارية (من الساعة التاسعة صباحا حتى الواحدة ظهرا) لـ 14 مفترق طرق في المناطق الفقيرة أن المسافة بين السيارة الأمنية الواحدة، والسيارة الأخرى عند مفترق طرق تقدر بما بين 1 و2 كيلومتر.
فيما بدا الأمر مختلفا في المناطق الغنية، إذ كانت المسافة بين سيارتي الأمن عند مفترق الطرق ما بين 200 متر و400 متر، وفق ما رصده معد التحقيق في ثلاث جولات ميدانية مماثلة في هذه الأحياء الثلاثة، وهو ما يفسر شعور سكان هذه المناطق الغنية بالأمان وفق إفادات عدد ممن شملهم استطلاع الرأي، ومنهم زينب منت الحاج (32 عاما) التي اعتادت على شراء أدوية من الصيدليات قبل وبعد منتصف الليل، كما تقول لـ"العربي الجديد"، مضيفة أن قوة الإنارة في منطقة الصكوك حيث تسكن، والتواجد الأمني، جعلها تشعر بالأمان.
حلول غير مجدية
حل مشكلة الجريمة بنظر الغرابي هو خلق وعي اجتماعي حتى يشعر المواطن بأن عليه التبليغ عن أي حادثة إجرامية انتبه لها، فضلا عن وجود أرقام خاصة بالجهات الأمنية، وهي متاحة على مدار اليوم، وإذا تهاون المعنيون، على المواطن أن يتصل بالرقم 117 للتصرف حيال الحادثة، من أجل الحصول على حقه في الأمن كما قال.
لكن المختار يؤكد على عدم وجود آذان صاغية عند التقدم بالبلاغات لدى الأمنيين ممن يلتقون بهم عند مفترق الطرق، بل يمكن أن تقابل بنوع من الاستخفاف وعدم الرد الإيجابي، وهذا الأمر جعل الكثيرين من سكان الحي يتوقفون عن التبليغ عن بعض الجرائم، كالسرقة والسطو على المحلات الصغيرة مثلا، لكون الجهات الأمنية تتراخى فيما يتعلق بأمور سكان الأحياء الفقيرة، وتكتفي بتضييع أوقات الناس بالمواعيد المتكررة، وهو ما يؤيده إدوم، الذي قال إن الشرطة تقابل البلاغات الواردة من قبل المواطنين العاديين باستهزاء، مضيفا: "وجدنا أنفسنا مضطرين للسهر وتنظيم تحركات تطوعية في منطقة دار النعيم شمال شرقي نواكشوط حيث نسكن من أجل المساهمة في توفير الأمن من خلال التنسيق بين شباب الأحياء للقيام بحراسة عبر دوريات يقومون بها، الأمر الذي زاد من نسبة الاطمئنان في نفوس بعض السكان، وشكل نموذجا لسكان بقية المناطق الفقيرة الذين يسئلون عن تجربتنا لتطبيقها في مناطقهم".
ويقول مولود:"نرفض استمرار ضعف تعاطي الأجهزة الأمنية مع البلاغات الواردة من سكان المناطق الفقيرة، لأن نواكشوط من المفترض أنها ليست مدينتين، هناك حاجة ماسة لتعزيز الجهود الأمنية في المناطق الشعبية من نواكشوط بدل الإهمال الحاصل وكذلك تطوير إجراءات الوقاية من تفاقم الجرائم"، ووعد بإثارة الموضوع والاستفسار من وزير الداخلية عنه عند أول لقاء يجمعه به تحت قبة البرلمان خلال العام الجاري "فمن غير المعقول استمرار تجاهل انحياز أمني لصالح الأحياء الغنية على حساب الأحياء الفقيرة" كما يقول.
ووقعت 105 جرائم قتل وسطو في ثلاث مناطق فقيرة هي دار النعيم، عرفات، والسبخة، خلال الربع الأول من العام الجاري، ويسكن تلك المناطق 392 ألف نسمة من بين 958 ألف نسمة هم قوام السكان في تسع مناطق بنواكشوط وفق إحصاء عام 2013، وتضم العاصمة 6 مناطق فقيرة، بحسب إدوم، الذي لفت إلى أن قرابة 120 جريمة قتل وسطو، كانت تحدث شهريا في الأحياء الفقيرة خلال السنوات الثلاث الماضية، بخلاف المناطق الغنية (تفرغ زينه، لكصر والصكوك) فقد رصد فريق مبادرة معا من أجل الأمن، حدوث جريمتي سرقة وسطو شهريا في نفس الفترة في منطقة الصكوك، وجريمة سرقة كل شهرين في منطقتي تفرغ زينة ولكصر والتي حدثت فيها جريمة قتل في يناير/كانون الثاني الماضي، علما بأن عدد السكان في المناطق الثلاث 93 ألف نسمة بحسب آخر تعداد سكاني أجراه المكتب الوطني للإحصاء التابع لوزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية في عام 2013.
الخوف في المناطق الفقيرة
أظهر استطلاع رأي غير قياسي أجراه معد التحقيق بمشاركة 105 أشخاص من سكان ثلاث مناطق فقيرة بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، هي (دار النعيم، عرفات، والسبخة) أن 94.28% منهم لا يشعرون بالأمان، نتيجة انتشار المجرمين لعدم كفاية التواجد الأمني، وضعف الإنارة في الشوارع، مقابل 5.71% فقط يشعرون بالأمان.
بالمقابل تحظى الأحياء الغنية، بالعاصمة بحماية أمنية من قبل الشرطة وفق ما أكده استطلاع مماثل أجراه معد التحقيق مع 105 أشخاص من سكان الأحياء الثلاثة (تفرغ زينه، لكصر والصكوك)، وكشف الاستطلاع أن 89.52% من المشاركين يشعرون بالأمان، نتيجة التواجد الأمني وقوة الإنارة في الشوارع، مقابل 10.71% لا يشعرون بالأمان.
ويقول إدوم: "بات واضحا لنا أن هناك انحيازا من الدولة في توفير الأمن للأحياء الغنية على حساب الأحياء الفقيرة"، معيدا الاهتمام الأمني بالأحياء الغنية إلى وجود الشخصيات الوازنة والدبلوماسيين ورجال الأعمال وتوظيفهم لعلاقاتهم بالدولة، وهو ما وفر لهم الاهتمام على حساب الأحياء الفقيرة، وخلق فجوة واضحة بين سكان نواكشوط لتصبح كأنها مدينتان.
ويناقض النائب البرلماني عن حزب الشورى من أجل العدالة والتنمية في دائرة نواكشوط، محمد الأمين ولد سيدي مولود ما ذكره الغرابي، بقوله: "نأسف لكون حالة الأمن في نواكشوط سيئة، وخاصة على مستوى الأحياء الفقيرة، إذ لا تمر ليلة دون جريمة سطو تستهدف الأشخاص والمنازل والمحال التجارية أو حتى قتل، بخلاف الأحياء الراقية"، وهو ما جعل العشريني سيدي محمد ولد المختار واثنين آخرين شملهم استطلاع الرأي لا يشعرون بالأمان في مناطقهم الفقيرة.
ويقول ولد المختار الذي يسكن في منطقة السبخة غربي نواكشوط: "تعرضت لعملية سطو من قبل أربعة شبان، أمام منزل أهلي يوم 4 مارس/آذار الماضي، فقدت هاتفي الخلوي (سامسونغ غالاكسي G7prime) ونقودي المقدرة بـ 12100 أوقية (توازي 35 دولارا أميركيا) تحت تهديد بالسلاح الأبيض".
تفاقم الجرائم الخطرة
توصلت الباحثة الاجتماعية خديجة محمد المختار خلال إعدادها لرسالة الماجستير (المرأة والجريمة)، المقدمة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة نواكشوط، إلى إحصائية موثقة من مصالح الشرطة في نواكشوط خلال الفترة من مطلع يناير/كانون الثاني 2014 وحتى يوليو/تموز 2018 ، تفيد بوقوع 863 جريمة، منها 506 جرائم اغتصاب نساء، و149 اعتداء على قصر، و33 محاولة اغتصاب نساء وقاصرات في منطقتي عرفات جنوب شرقي نواكشوط ودار النعيم، وهو ما يؤكد أن الوضع الأمني في المناطق الفقيرة من العاصمة مقلق للغاية، وبحاجة إلى تعزيز الجهود الأمنية لحماية المواطنين، وممتلكاتهم وفق إفادات المشاركين في التحقيق.
وارتفع معدل الجريمة خلال العام 2018 والربع الأول من العام الجاري إلى 300% عما كانت عليه الحال في الأعوام السابقة في المناطق الفقيرة، إذ تكرر بعض العصابات جرائمها في ذات الليلة بحسب إدوم، مضيفا أن ما بين 4 و7 جرائم سطو وقتل على الأقل تحدث بشكل يومي فيها. غير أن الغربي المفوض الإقليمي يقول: "صحيح أنه قد تحدث جريمة قتل أو سرقة في أي منطقة من نواكشوط، كونها مدينة كبيرة ولكن ذلك لا يعني غياب الأمن، بل العكس تماما. أكرر لكم أن العملية الأمنية مستتبة إلى أقصى الحدود".
لكن مدير المركز الموريتاني لأبحاث التنمية والمستقبل محمد السالك ولد إبراهيم، أكد لـ"العربي الجديد" أن الجرائم المسجلة في نواكشوط خلال العام 2017، دون احتساب جرائم القتل، تقدر بـ 3300 جريمة سطو على البيوت، وسرقة، ومخدرات، واغتصاب، وتهريب الممنوعات، موضحا أن المعطيات الجزئية المتوفرة حاليا، تشير إلى أن معدل الجريمة في العاصمة نواكشوط مقلق جدا، وترتفع معدلات الجريمة في المناطق الشعبية (دار النعيم، عرفات، السبخة)، بينما يقل عدد الجرائم في الأحياء الراقية مثل (تفرغ زينه والصكوك ولكصر).
رصد ميداني للانتشار الشرطي
تنحاز الدولة للأحياء الغنية حيث تسكن الطبقة الراقية ماديا، كي تعطي صورة للعالم الخارجي ورجال الأعمال والدبلوماسيين أن نواكشوط آمنة، لذلك تقوم بمتابعة قوية للحالة الأمنية في تلك الأحياء، بحسب رئيس مبادرة "معا من أجل الأمن"، لكن الغرابي يؤكد أن المواطن في الأحياء الراقية ليس بحاجة إلى الانحياز، ولا يوجد أبدا أي تركيز على الأحياء الغنية على حساب الأحياء الفقيرة، وتابع: "ربما في الأحياء الفقيرة تكثر الجرائم نظرا للكثافة السكانية هناك وبدوية السكان وعدم أخذهم للاحتياطات اللازمة والسلوك المدني الذي يلعب الدور الأساسي في تحقيق الأمان"، مشيرا إلى وجود توصيات بأن يتم التركيز على أمر المواطن في الأحياء الفقيرة بالدرجة الأولى.
وعلى الرغم من تأكيد الغرابي، على نشرهم دوريات وفرقا أمنية تتمتع بسيارات رباعية الدفع، جديدة، ومزودة بكافة المستلزمات الضرورية لضبط الأوضاع، رفض الإدلاء بتفاصيل خطتهم الأمنية، لأنها أمر داخلي كما يقول.
ورصد معد التحقيق في ثلاث جولات ميدانية ليلية (من الساعة الثامنة مساء حتى منتصف الليل)، وأخرى نهارية (من الساعة التاسعة صباحا حتى الواحدة ظهرا) لـ 14 مفترق طرق في المناطق الفقيرة أن المسافة بين السيارة الأمنية الواحدة، والسيارة الأخرى عند مفترق طرق تقدر بما بين 1 و2 كيلومتر.
فيما بدا الأمر مختلفا في المناطق الغنية، إذ كانت المسافة بين سيارتي الأمن عند مفترق الطرق ما بين 200 متر و400 متر، وفق ما رصده معد التحقيق في ثلاث جولات ميدانية مماثلة في هذه الأحياء الثلاثة، وهو ما يفسر شعور سكان هذه المناطق الغنية بالأمان وفق إفادات عدد ممن شملهم استطلاع الرأي، ومنهم زينب منت الحاج (32 عاما) التي اعتادت على شراء أدوية من الصيدليات قبل وبعد منتصف الليل، كما تقول لـ"العربي الجديد"، مضيفة أن قوة الإنارة في منطقة الصكوك حيث تسكن، والتواجد الأمني، جعلها تشعر بالأمان.
حلول غير مجدية
حل مشكلة الجريمة بنظر الغرابي هو خلق وعي اجتماعي حتى يشعر المواطن بأن عليه التبليغ عن أي حادثة إجرامية انتبه لها، فضلا عن وجود أرقام خاصة بالجهات الأمنية، وهي متاحة على مدار اليوم، وإذا تهاون المعنيون، على المواطن أن يتصل بالرقم 117 للتصرف حيال الحادثة، من أجل الحصول على حقه في الأمن كما قال.
لكن المختار يؤكد على عدم وجود آذان صاغية عند التقدم بالبلاغات لدى الأمنيين ممن يلتقون بهم عند مفترق الطرق، بل يمكن أن تقابل بنوع من الاستخفاف وعدم الرد الإيجابي، وهذا الأمر جعل الكثيرين من سكان الحي يتوقفون عن التبليغ عن بعض الجرائم، كالسرقة والسطو على المحلات الصغيرة مثلا، لكون الجهات الأمنية تتراخى فيما يتعلق بأمور سكان الأحياء الفقيرة، وتكتفي بتضييع أوقات الناس بالمواعيد المتكررة، وهو ما يؤيده إدوم، الذي قال إن الشرطة تقابل البلاغات الواردة من قبل المواطنين العاديين باستهزاء، مضيفا: "وجدنا أنفسنا مضطرين للسهر وتنظيم تحركات تطوعية في منطقة دار النعيم شمال شرقي نواكشوط حيث نسكن من أجل المساهمة في توفير الأمن من خلال التنسيق بين شباب الأحياء للقيام بحراسة عبر دوريات يقومون بها، الأمر الذي زاد من نسبة الاطمئنان في نفوس بعض السكان، وشكل نموذجا لسكان بقية المناطق الفقيرة الذين يسئلون عن تجربتنا لتطبيقها في مناطقهم".
ويقول مولود:"نرفض استمرار ضعف تعاطي الأجهزة الأمنية مع البلاغات الواردة من سكان المناطق الفقيرة، لأن نواكشوط من المفترض أنها ليست مدينتين، هناك حاجة ماسة لتعزيز الجهود الأمنية في المناطق الشعبية من نواكشوط بدل الإهمال الحاصل وكذلك تطوير إجراءات الوقاية من تفاقم الجرائم"، ووعد بإثارة الموضوع والاستفسار من وزير الداخلية عنه عند أول لقاء يجمعه به تحت قبة البرلمان خلال العام الجاري "فمن غير المعقول استمرار تجاهل انحياز أمني لصالح الأحياء الغنية على حساب الأحياء الفقيرة" كما يقول.