السيسي وروسيا (2-2).. زغاريد سيدات مصر إنجاز للمشير

13 سبتمبر 2015
الإعلام المصري يبالغ في الترويج للعلاقات المصرية الروسية(Getty)
+ الخط -

خلال زيارة المشير عبد الفتاح السيسي، الثانية إلى روسيا في أغسطس/ آب 2014، تكرر الحديث في الإعلام المصري عن إبرام صفقات سلاح ضخمة بين الجانبين.

فجأة مرة واحدة، راحت تقارير الصحف المصرية تتحدث عن أن "الأسلحة الروسية الجديدة ستبث الرعب في قلوب المسؤولين الأميركيين، لأن مصر لن تعود بحاجة إلى طائرات الأباتشي الأميركية". وإسرائيل التي ستضغط لإيقاف إتمام مثل هذه الصفقة، لأنها ستصاب بالرعب في حالة حصول مصر عليها. صحيفة "اليوم السابع" نشرت صورا لما قالت إنها المدرعات الروسية التي ستحمل الصواريخ المرسلة لمصر. وقامت صحيفة "المصري اليوم" بتجميع تعليقات الصحف الأميركية على الزيارة وأبرزتها باعتبارها "مخاوف أميركية من نفوذ موسكو في مصر".

اقرأ أيضا: إمبراطورية الجيش المصري (2-2)..سيطرة عسكرية على الثروة السمكية

النفي الروسي


للمرة الثانية، ينفي السفير الروسي لدى القاهرة هذه التقارير، ويؤكد أن الأنباء التي تتناولها وسائل الإعلام المصرية عن صفقات السلاح الروسي، وأنواعها، ومواعيد تسليمها، غير صحيحة، ووصفها بأنها تضليل يمارسه الإعلام. وأن أي اتفاق عليها لن يتم الإعلان عنه إلا في الوقت المناسب.

كما أن القلق والتوتر والرعب الأميركي الإسرائيلي الذي عرضه الإعلام المصري من أنباء هذه الصفقات لا وجود له على أرض الواقع، لعدة أسباب نشرتها مواقع إسرائيلية على لسان محللين، منها إدراك ضعف إمكانيات مصر المالية مع ضخامة المبلغ المطلوب لإتمام الصفقة، بالإضافة إلى تحوّل الجيش المصري من الاعتماد على الأسلحة السوفييتية في الثمانينيات إلى التكنولوجيا الأميركية. كما أن شراء طائرات روسية حديثة يتطلب نظاما لوجيستيا جديدا يختلف عن النظام الذي تستخدمه الطائرات الأميركية، مع ما يتطلبه ذلك من أنظمة تدريب مختلفة، وهي عملية طويلة ومكلفة. كما أنه من غير المحتمل أن تكون مصر مستعدة لقطع العلاقات والتخلي عن مساعدات الدفاع الأميركية وشراء الأسلحة من الولايات المتحدة.

اقرأ أيضا: إمبراطورية الجيش المصري.. كيف توسّعت القدرات المالية بعد الانقلاب؟

بوتين 2015.. خروشوف
1960

على الجانب الآخر، زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مصر في فبراير/ شباط 2015. سبق الزيارة تمهيد إعلامي كبير، حتى أن التلفزيون الرسمي تجاهل تماما وقوع عشرات الضحايا من مشجعي نادي الزمالك أمام استاد الدفاع الجوي، قبل يوم واحد من الزيارة، ولم يعلن حدادا أو يضع شريطا أسود مثل الذي وضعه بعد وفاة العاهل السعودي الملك عبد الله. بينما قلل الإعلام الخاص من شأن المجزرة، ودعا إلى عدم الحديث عنها حتى لا يتم التشويش على الزيارة المرتقبة.

أسهب الإعلام في الحديث عن الجوانب الشخصية التي تجمع بين الرئيسين، وتناول أمورا في غاية الهامشية، مثل تفاصيل استقبال بوتين في قصر الرئاسة، الذي وصف بالتاريخي، والأطفال الذين فاجأ بهم السيسي بوتين ليجدهم يهتفون باسمه، والهدايا المتبادلة بين الرجلين، حتى أن إعلاميا استغل إهداء بوتين للسيسي بندقية من طراز "كلاشنكوف" ليؤكد أنها رسالة من الأول للثاني تعني أن "يفرم" من سماهم "الإرهابيين والممولين من الخارج".

واعتبر المذيع محمد مصطفى شردي أن "زغاريد" السيدات أمام موكب بوتين إحدى أهم إنجازات الزيارة، لأنها ستظل عالقة في أذنه، وسيعود بها إلى بلاده، وسيتساءل الروس عن معنى هذا الصوت.

تفاصيل أخرى من الزيارة استدعاها الإعلام ليستدعي بدوره التراث الناصري في العلاقة بين مصر وروسيا، وكان النموذج الذي اعتمد عليه هذه المرة هو زيارة نيكيتا خروشوف، رئيس الاتحاد السوفييتي، إلى مصر عام 1960 في عهد عبد الناصر. وتكرر بصورة كبيرة تشبيه هذه الزيارة بتلك، وكيف أنها احتوت أيضا على حضور الزعيمين حفلا في دار الأوبرا المصرية، وهو ما يعني أن "روح عبد الناصر وخروشوف وسنوات الخمسينيات والستينيات كانت تحلّق في أجواء قاعة المسرح الكبير في الأوبرا، والتصفيق في وجود بوتين والسيسي كان يعنى استدعاءً شعبيا جديدا"، وفقاً لمقال في صحيفة "اليوم السابع".

ورأت صحيفة "الوطن" في تناول بوتين للعشاء في برج القاهرة "رسالة مصرية صميمة موجهة إلى أميركا"، وهي التأكيد على قوة العلاقات المصرية الروسية على حساب العلاقة بأميركا"، بل وإن الحرب الباردة مستمرة ولم تنتهِ بين الولايات المتحدة وروسيا. ولم ينسَ مذيعون الحديث عن قلق أميركي من الزيارة.

اقرأ أيضا: مصر.. القصاص ليس الحل

السلاح النووي طوق النجاة


لم يكن من الممكن أن تمر هذه الزيارة دون الإعلان عن أي قرار هام يفسّر حالة الاهتمام غير المسبوق بها، لكن روسيا كانت تعاني حينذاك من أزمة اقتصادية كبيرة تعد هي الأكبر منذ عقود، نتيجة الحصار المفروض عليها من الغرب، وتدني أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، وبالتالي لن يكون بالإمكان الإعلان عن أي تعاون بين البلدين في مجالات سياسية أو اقتصادية لأنها ستصبح محل تشكيك وربما سخرية.

أما الجوانب التي تتميّز بها روسيا ويمكن الإعلان عن تقدم فيها، فمنها السلاح الروسي التقليدي، والطاقة النووية، وهي متأخرة كثيرا عن مثيلاتها في الدول الغربية، ما جعل روسيا واحدة من أكثر الدول تعرّضا للحوادث النووية.

لكن الإعلام بالفعل كان قد استهلك في الحديث عن صفقات السلاح التقليدي الوهمية، وهنا تم الالتفات إلى الجانب الآخر من روسيا، وأعلن عن توقيع اتفاق بين البلدين في مجال إنتاج الطاقة النووية.

على مدار العهود الرئاسية، كان موضوع الطاقة النووية محل استغلال من جانب الرؤساء المتعاقبين على حكم مصر لزيادة شعبيتهم، والتغطية على الفشل في أي ملفات أخرى، خاصة في السنوات الأخيرة لحكم مبارك، وأثناء الفترة الانتقالية بقيادة المجلس العسكري، وحتى في عهد مرسي. والمتابع لتواريخ الحديث عنها سيجد أنها تتكرر دائما في أوقات أزمات السلطة. لكن رغم ذلك، لم يتم تحقيق تقدم في هذا الملف، ولم يخرج الأمر عن إطار الدعاية السياسية.

لم تخرج المعالجات الإعلامية عن هذا الإطار أيضا في عهد السيسي، بعد الإعلان عن الاتفاق بين مصر وروسيا على إقامة محطة نووية. واعتُبر الاتفاق يمثل تحقيقا لحلم جمال عبد الناصر، والادعاء أن هذا الإعلان تسبب في قلق وانزعاج لدى الإدارة الأميركية وإسرائيل، وأن إنشاء المحطة النووية سيتم في أقرب وقت.

وللمرة الثالثة، يفنّد السفير الروسي في القاهرة كل هذه القصص والادعاءات بتصريح انتقد فيه مبالغة الإعلام المصري في تناول الموضوع، وتصويره للبعض أنه سيتم إنشاء هذه المحطة في يوم وليلة، رغم أن المشروع سيستغرق وقتًا طويلا، وسيخضع لدراسات عديدة، كما أن هناك العديد من الاتفاقات الرسمية التي يجب إبرامها بين الدولتين قبل البدء في تنفيذه.

اقرأ أيضا: انتعاش السوق السوداء للسلاح في لبنان

الزيارة الأخيرة


جدّد الإعلام المصري الأحاديث نفسها أثناء زيارة السيسي الأخيرة، متناولا "إنجازات الزيارة" والتي تمثلت في الاتفاق على إنشاء محطة نووية في الضبعة، وصفقات أسلحة وتعاون عسكري بين البلدين، وشحنات من القمح الروسي لمصر. لكن صفقة النووي استحوذت هذه المرة على نصيب الأسد من التغطية الصحافية والإعلامية (رغم أن الإعلام المصري سبق أن أكد أنها حسمت قبل ذلك بأشهر).

المثير أن الصحف التي هاجمت مرسي بسبب عدم استقبال بوتين له في المطار أثناء زيارته إلى روسيا، هي نفسها الصحف التي بررت عدم استقبال بوتين للسيسي في المطار في زيارته الأخيرة، وأكدت أن هذا الأمر لا يقلل من شأن السيسي ولا يخالف مراسم الاستقبال الرسمية.

خرجت عناوين الصحف أثناء الزيارة بمانشيتات من نوعية "مصر تدخل عصر النووي" و"الحلم النووي يتحقق" و"الروس ينتزعون "نووي الضبعة" من أميركا والصين". لكن هذه العناوين لم تكن لها علاقة بالحقيقة، بعدما غادر السيسي روسيا دون الاتفاق على شيء.

تبارت وسائل الإعلام في تفسير ما حدث، ونشرت كل منها تفاصيل مختلفة تماما عن الأخرى، فقالت "الشروق" إن المفاوضات ما زالت مستمرة، وأكدت "المصري اليوم" أن التكاليف هي العائق الرئيسي أمام توقيع الاتفاق، لكنها في خبر آخر أكدت أن ملف الطاقة النووية لم يكن مدرجا على جدول أعمال الزيارة أصلا، أما "الأهرام" فنقلت عن مسؤولين أن مصر لديها عروضاً كثيرة وأنها ما زالت تفاضل بينها.

أما عن الأسلحة التقليدية، فقد تكررت الأخبار نفسها بحذافيرها، عن صفقات أسلحة ضخمة، وعن توتر أميركي بسبب هذه الصفقات، وعن دعم خليجي لها، دون تحقيق أي شيء من ذلك حتى الآن.

الخلاصة أنه قد تكون هناك بالفعل نوايا وخطط لتوطيد العلاقات المصرية الروسية وزيادة التعاون بين البلدين، لكن ما ينشر في الإعلام المصري في أغلبه عبارة عن مبالغات وتفاصيل غير حقيقية، واستدعاء زائف لتاريخ لا يمكن أن يعود.

-------
اقرأ أيضا:
السلاح والخلافة: توابع الزلزال العراقي تضرب سورية

دلالات