قوننة الفساد في لبنان... ترسانة تشريعات للاستهلاك الإعلامي

08 ديسمبر 2019
لبنان في مرتبة متدنية على مؤشر مدركات الفساد(العربي الجديد)
+ الخط -
يصف النائب اللبناني جورج عقيص عضو لجنة الإدارة والعدل في مجلس النواب، تأمين نصاب الثلثين لملاحقة الوزراء قضائيا بـ"شبه المستحيل"، وهو ما توافقه عليه المحامية جوديت التيني، موضحة أنه:"على الرغم من أنّ النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، أحال ملفّ الادعاء على ثلاثة وزراء اتصالات سابقين هم جمال الجراح، بطرس حرب ونقولا صحناوي بتهم الهدر واختلاس المال العام والإثراء غير المشروع إلى مجلس النواب في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي للنظر بأمر ملاحقتهم، إلا أنّ هذه الإحالة تستوجب دعوة الهيئة العامة إلى جلسة من أجل التصويت على إحالة الملف إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء (صدر قانون إنشائه عام 1990)".

ويتألف المجلس من سبعة نواب ينتخبهم مجلس النواب وثمانية من أعلى القضاة اللبنانيين رتبة حسب درجات التسلسل القضائي أو باعتبار القِدمية إذا تساوت درجاتهم ويجتمعون تحت رئاسة أرفع هؤلاء القضاة رتبة وتصدر قرارات التجريم من المجلس الأعلى بغالبية عشرة أصوات. وتحدد أصول المحاكمات لديه بموجب قانون خاص، وفق ماء جاء في المادة 80 من الدستور اللبناني، وإذا صوتّ ثلثا النواب أي 86 نائبًا على الإحالة تبدأ مرحلة المحاكمة أمام المحكمة الخاصة، وإلّا فتسقط الملاحقة ويحفظ الملف، كما تقول التيني.


مؤشرات الفساد

يقع لبنان في المرتبة 138 عالميا من أصل 180 دولة على مؤشر مدركات الفساد الصادر في عام 2018 عن منظمة الشفافية الدولية، كما تفيد روى زغيب منسقة المشاريع في "الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية" (الفرع اللبناني لمنظمة الشفافية الدولية)، قائلة لـ"العربي الجديد"، "على المستوى الإقليمي، يحافظ لبنان على مرتبته المتدنيّة وهي 13 من أصل 21دولة عربية. وحصل لبنان على درجة 100/28 للعام السادس على التوالي، وهي درجة متدنية بمعنى، أنّه كلّما اقتربت الدولة من درجة صفر عكس ذلك ارتفاعًا في مستوى الفساد لديها، والعكس صحيح"، وهو ما تعيده زغيب إلى أنّ "الفساد يتغلغل داخل نظام لبنان، وخصوصًا على المستويات العليا من الحكم، وتدخل المؤسسات الديمقراطية في معاناة نتيجة تصرفات المسؤولين المستغلين للسلطة الذين يحاولون حماية أنفسهم من الملاحقة القانونية، ويستخدمون سلطتهم لأغراض المنفعة الشخصية".

وتشير إلى أنّه "في 24 نيسان/إبريل 2018، أطلقت وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية (آنذاك) مشروع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والخطة التنفيذية، وذلك برعاية رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهذه الاستراتيجية تشكل مدماكا أساسيا في عملية مكافحة الفساد على الصعيد الوطني، إلّا أنّها كانت تنتظر تشكيل الحكومة وقتها للبدء بالعمل بها وتفعيل الدور الرقابي والتشريعي لمجلس النواب وأجهزة الدولة القضائية والرقابية. ولكن الحكومة التي شكلت في شباط/فبراير 2019 لم تتمكن من إنجاز أي تقدم معتبر في هذا الإطار".

وترد وزيرة شؤون الدولة للتنمية الإدارية في حكومة تصريف الأعمال مي شدياق، قائلة لـ"العربي الجديد"، "منذ أن تولّيت مهامي الوزاريّة، وضعت إقرار الاستراتيجيّة الوطنيّة لمكافحة الفساد كأولويّة لي. وعقدنا اجتماعات مع الإدارات المعنيّة من إدارات عامّة ومنظّمات دولية وصل عددها لأكثر من 30 كي نتوصّل لأفضل استراتيجيّة تحاكي الوضع الحالي وتدفع لبنان قدمًا فعلاً لمكافحة الفساد".

وأضافت، "تمكنّا فعليًا من الوصول لاستراتيجيّة شاملة مع خطّة تنفيذية لها بعد جهدٍ لأكثر من 8 أشهر. وفي 23 سبتمبر/أيلول الماضي، رفعنا النسخة النهائية من مشروع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء وطلبنا عقد اجتماع للجنة الوزارية المعنية إلا أنّ الاجتماع لم يعقد بسبب استقالة الحكومة في 29 تشرين الأول/أكتوبر الماضي".



خسائر اقتصادية ضخمة

يؤثر الفساد على الاقتصاد اللبناني بشكلٍ مباشر وغير مباشر، ويمكن تقدير التأثير المباشر قياسا إلى حجمَ الناتج المحلّي الإجمالي للدولة اللبنانية هو 56 مليار دولار أميركي، والقطاعات الأكثر تجسيدًا للهدر والفساد، مثل الدوائر العقارية، الأملاك العامة والبحرية، بالإضافة إلى التلزيمات التي تنفّذ مشاريع لها علاقة بالبنية التحتية أو بمشاريع للدولة، ما يضعنا تقريبًا أمام خمسة مليارات دولار أميركي سنويًا كضررٍ مباشرٍ على الاقتصاد الذي يتأثر بحوالي 10% منه بموضوع الفساد، بحسب إفادة محمد شمس الدين الباحث في "الدولية للمعلومات" (شركة دراسات وأبحاث وإحصاءات علمية مستقلّة)، لافتا إلى أن التأثير غير المباشر يكون على سمعة لبنان ومكانته بين الدول، وذلك من خلال انعدام الثقة التي تعدّ أساس الاقتصاد، والتي من شأنها غيابها أن يحجم الاستثمارات ويُبعِد المستثمرين الأجانب والمشاريع في البلد.


قوانين متعددة بلا فائدة

يُعدّد النائب السّابق ورئيس منظمة برلمانيون عرب ضد الفساد غسان مخيبر، القوانين المرتبطة بمكافحة الفساد والتي عمل على معظمها منذ أكثر من عشر سنوات سواء لناحية دراستها أو إجراء تعديلات عليها، قانون الإثراء غير المشروع (رقم 154 - صادر في 27/11/1999)، قانون الحق بالوصول إلى المعلومات (أقرّه مجلس النواب اللبناني في 19 كانون الثاني/يناير 2017)، قانون حماية كاشفي الفساد رقم 83/ 2018 الصادر في 10 /10/ 2018، بينما تضيف شدياق إلى ما سبق، :"قانون مكافحة الفساد في القطاع العام والخاص، وقانون منع تضارب المصالح وقانون استرداد الأموال المنهوبة. وهناك قوانين أخرى تفعل من إمكانية مكافحة الفساد مثل قانون الشراء العام وقانون مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال".


ملفات الفساد كثيرة ولا شكاوى

يقول مخيبر لـ"العربي الجديد"، إنّ "قانون الإثراء غير المشروع، لم تُسجّل منذ صدوره أي شكوى أمام القضاء، وهو نموذجٌ عن القوانين التي وضعتها السلطة لحفظِ ماءِ الوجه من دون أن يعني أنها قابلة للتحقيق"، وهو ما يرجعه المحامي عيسى نحاس إلى غياب المحاسبة بسبب تدخل القوى السياسة في عمل القضاء ما يزعزع استقلالية السلطة القضائية، خصوصًا أنّ الطبقة الحاكمة هي التي تتدخّل في التعيينات القضائيّة.

وهنا يقول عقيص، وهو قاضٍ سابقٍ أنّ "المادة 5 من قانون القضاء العدلي (الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 150 تاريخ: 16/09/1983. عدلت بموجب قانون 389 / 2001)، تقول أنّه تناط بمجلس القضاء الأعلى، وضع مشروع المناقلات والإلحاقات والانتدابات القضائية الفردية أو الجماعية وعرضها على وزير العدل للموافقة عليه. كما لا تصبح التشكيلات نافذة إلّا بعد موافقة وزير العدل وتصدر بمرسوم بناءً على اقتراح وزير العدل".

ويضيف، "ما نطمح إليه صدور قانون استقلال السلطة القضائية الذي يتيح انتخاب أكثرية أعضاء مجلس القضاء الأعلى من قبل القضاء أنفسهم ويصبح هو يقرّر المناقلات القضائية ويصدرها من دون الحاجة إلى استصدار مرسوم من قبل الحكومة وهكذا يتحرّر القضاء من القبضة السياسية وتصبح التعيينات مبنية على معايير جدارة وكفاءة يقرّرها مجلس القضاء الأعلى والتفتيش القضائي وعندها يمكن للقضاء أن يحكم باسم الشعب اللبناني".

ثغرات تقونن الفساد

يقول مخيبر، إنّ "هناك ثغرات كثيرة في قانون الإثراء غير المشروع، منها المادة الأولى، التي تنصّ على أنّ الإثراء غير المشروع هو "الذي يحصل عليه الموظف والقائم بخدمة عامة والقاضي أو كل شريك لهم في الإثراء، أو من يعيرونه اسمهم، بالرشوة أو صرف النفوذ أو استثمار الوظيفة، أو العمل الموكول إليهم"، ومشكلة التعريف، أنه لا يدين أحدا، ومن المستحيل توثيق الرشوة وإثبات صرف النفوذ أو الاستثمار الوظيفي. وهنا يتحدّث مخيبر عن التعديل الذي أجريَ لناحية توضيح الإثراء غير المشروع من خلال اختصاره بـ"الزيادة الكبيرة في الذمة المالية للموظف أو متولي السلطة العامة أو القاضي لا تبررها مداخيله العادية الشرعية".

ويضيف، هناك ثغرة أيضا في المادة 10 من القانون والتي تنصّ على أنّه لكلّ متضرِّر أن يقدِّمَ شكوى خطية موقعة منه للنيابة العامة أو مباشرة لقاضي التحقيق الأول في بيروت، وعلى الشاكي أن يقدم كفالة مصرفية مقدارها خمسة وعشرون مليون ليرة لبنانية (حوالي 16 ألف دولار)، وللنائب العام، أن يدعي مباشرة أمام قاضي التحقيق في بيروت على أن يضم إلى ادعائه المستندات التي كوّنت قناعته. وعلى المتقدِّم بالشكوى أن يثبت أمام القضاء الصفة والمصلحة اللتين دفعتاه إلى التقدم بشكواه، مع العلم أن في المال العام لا صاحب مصلحة أو حتى مال الغير، وبالتالي يستحيل إثبات الأمرين، كما أنّه عليه أن يضم إلى ادعائه المستندات التي كونت قناعته بالإضافة إلى إسناد الكفالة المذكورة، وهذا المبلغ مرتفع جدًّا خصوصًا أنّ المادة 15 من القانون نفسه، تنصّ على أنّه "إذا تقرر منع المحاكمة عن المشكو منه أو إبطال التعقبات بحقه فللمرجع المختص أن يقرر تغريم الشاكي السيئ النية بمبلغ لا يقل عن مئتي مليون ليرة لبنانية (أكثر من مئة الف دولار)، وبالسجن من ثلاثة أشهر كحد أدنى إلى سنة بقرار نافذ على أصله، كما له أن يقرر إلزام الشاكي بناء على طلب المشكو ضده بدفع تعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء تقديم الشكوى". وهذا ما يحول دون تقديم الشكوى وبالتالي حماية وقوننة الفساد.