بالفيديو تماسيح في القاهرة.. 3 سيناريوهات محتملة

03 فبراير 2016
تمساح النيل الأفريقي من أخطر الأنواع (أرشيفية - Getty)
+ الخط -

يقدر عزت عوض، أستاذ علوم البحار والرئيس السابق لهيئة الثروة السمكية، أعداد التماسيح النيلية في بحيرة ناصر (جنوب مصر)، بما يقارب 10 آلاف تمساح، ما بين صغير وكبير، يراها ثروة مصرية غير مستغلة، مما جعلها تتسبب في ضرر كبير للثروة السمكية، في ثاني أكبر بحيرة صناعية في العالم، بالإضافة إلى ما جرى أخيرا من ظهور أعداد قليلة تعد على أصابع اليد منها في ترع مائية في القاهرة.

خلال الأيام الماضية، سيطرت حالة من الهلع على المصريين بعد انتشار مقاطع فيديو مصورة، على مواقع التواصل الاجتماعي، لتمساح في ترعة الإسماعيلية بمسطرد (منطقة تابعة للقاهرة)، وبلغ الأمر حد قيام مقدمة برامج تلفزيونية، بالظهور رفقة تمساح صغير الحجم في حلقة مذاعة على فضائية مصرية خاصة، بينما تداول المصريون تصريحات وزير البيئة، الدكتور خالد فهمي، للرد على ما نشر في بعض الصحف المصرية عن وجود تماسيح في منطقتي فيصل والهرم وترعة ناهيا وترعة المطرية، قائلا إنه لا يقلق من الظاهرة، مؤكدا أن التماسيح الكبيرة تهرب إلى النيل ولا تهاجم المنازل.



ظهور التماسيح

لم يكن تمساح ترعة الإسماعيلية، الذي ظهر الأسبوع المنصرم، الحالة الأولى لظهور تماسيح في مناطق غير معتادة، إذ أعلنت وزارة البيئة عملها للإمساك بتمساح آخر شاهده الأهالي في مسطرد شمال شرق القاهرة، بينما ظهر في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، تمساح كبير الحجم داخل أحواض معالجة مياه الصرف الصحي، في قرية دنديل التابعة لمركز ناصر شمال محافظة بني سويف جنوب القاهرة. وكان مركز شرطة ناصر قد تلقى بلاغا من العاملين بأحواض الصرف برؤيتهم تمساحاً كبير الحجم يتعدى طوله المتر ونصف المتر، داخل أحواض الصرف الصحي المغذية للغابة الشجرية بعزبة حميدة، مما منعهم من أداء عملهم في الأحواض.

لكن ما هو نوع التماسيح الموجود في مصر؟ يجيب مدير معهد علوم البحار في محافظة الإسكندرية، الدكتور ممدوح فهمي، عن السؤال السابق قائلا لـ"العربي الجديد": يوجد في مصر نوع واحد من التماسيح، وهو التمساح النيلي الأفريقي، ويشتهر بوجود أسنان مخروطية حادة تغوص في اللحم، مما يجعل من المستحيل على الفريسة أن تهرب من بين فكيه، علاوة على أنه من الأنواع غير المعرضة لخطر الانقراض.

ويضيف فهمي أن تماسيح النيل تتسم بأنها حيوانات اجتماعية فيما بينها، فهي تتشارك في التجمع بأماكن التشمس، وفي مصادر الغذاء الكبيرة، من أمثلة قطعان الأسماك وجثث الحيوانات الكبيرة، لكنها تهاجم في حالة الإحساس بالخطر.

ويبلغ طول التمساح متوسط الحجم نحو ستة أمتار ويصل وزنه إلى نحو 950 كغم والأنثى تبيض من 40  إلى 60 بيضة سنوياً، ويأكل في المتوسط يومياً 20 كغم من السمك وبين المتوسط والصغير حيث يأكل التمساح الواحد أكثر من 10 كيلوغرامات في اليوم أي ما يعادل 146 ألف طن هو غذاء التماسيح يومياً من أسماك بحيرة ناصر.

ويحظر قانون حماية الحياة البرية رقم 102 لسنة 1983 صيد التماسيح أو الاتجار بها، علاوة على أنه لا توجد في مصر مزارع أو تجارة شرعية للتماسيح. وكانت مصر قد وقعت على اتفاقية استوكهولم، التي تحظر صيد التماسيح لتحقيق التوازن البيئي، ولكن تمكنت القاهرة من تعديل الاتفاقية التي تمنع اصطياد التماسيح بعد التأكيد على أن تماسيح النيل في مصر ليست معرضة للانقراض.

اقرأ أيضاً: صائدو القرش في عُمان.. مواجهة مع الموت

كيف وصلت التماسيح إلى القاهرة؟

يحمل وزير البيئة المصري، الدكتور خالد فهمي، تدهور السلوكيات مسؤولية ظهور التماسيح في فروع النيل خارج بحيرة ناصر، قائلا: "بعض الناس يقدمون على شراء التماسيح من سوق الجمعة والثلاثاء (وهما سوقان شعبيتان في القاهرة)، ويربونها في البانيو، وعندما تكبر قليلاً يلقونها في الترع".

واستبعد فهمي أن يكون التمساح آتياً من بحيرة ناصر، لأنه لا يستطيع السباحة مسافات طويلة، مستنكراً قيام بعض المزارع بتربية التماسيح للاستفادة من جلودها.

لكن خبراء في البيئة يرجحون في سيناريو ثان، أن ظهور التماسيح في مناطق غير محمياتها الطبيعية، نتج عن انخفاض منسوب المياه خلف السد العالي، وهو ما يجعل المياه المخزنة في بحيرة ناصر خلف السد تعوض هذا النقص، بحيث يستمر تعويض نقص المياه، وفي داخلها يتم سحب صغار التماسيح لتهرب بعدها عبر نهر النيل وفروعه والمجاري المائية التي تنبثق منه.

وكانت الحكومة المصرية قد حظرت نشر أية معلومات متعلقة بمنسوب مياه النيل أمام السد العالي، وفي أغسطس/آب 2014، صدر آخر بيان عن وزارة الموارد المائية والري، التي أكدت أن " منسوب الماء الحالي أمام السد 175.42 متراً".

السيناريو الثالث، وفقا لما يراه الخبراء في تصريحاتهم لـ"العربي الجديد"، يتمثل في هروب بعض التماسيح من القائمين على تربيتها في مزارع غير شرعية في محافظة أسوان، إذ يقوم بعض أصحاب "المزارع السمكية المخالفة"، بتربية التماسيح جنبًا إلى جنب مع الأسماك. ويحذر الخبراء من أن تمساح النيل الأفريقي، يعد من الأنواع الخطرة في حالة مهاجمة الإنسان، بحسب قولهم.

في المقابل، تقدم محام ببلاغ للنائب العام، يتهم فيه الدكتور، محمد بديع، مرشد الإخوان وجماعته، بإلقاء بعض التماسيح في ترعة الإسماعيلية بمسطرد وترعة المريوطية.

البلاغ الذي تقدم به عبدالمجيد جابر، مؤسس ما يسمى بـ"جبهة حماية مصر"، حمل رقم 1226 لسنة 2016 عرائض النائب العام، واتهم مرشد الإخوان بالوقوف وراء إلقاء التماسيح، التي عثرت عليها وزارة البيئة أخيرًا، بهدف بث الرعب في نفوس المصريين وإشاعة الفوضى والذعر في نفوس المواطنين. وهو ما دعا قيادات إخوانية، من بينها الدكتور أحمد رامي، نقيب صيادلة القليوبية السابق إلى كتابة منشور على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قائلاً: "أنا برضه قلت أن الدولة المهزأة دي ما يصحش تفوّت الفرصة دي". بينما قال الشيخ أكرم كساب، عضو جماعة الإخوان، إنهم ربوها في المعتقلات، وتحت الأسرّة وأرسلوها في رسائل "واتس" إلى النيل، وعلق الدكتور عز الكومي، القيادي الإخواني ساخرًا: "نعم ربينا التماسيح ونحضر لكوبرا المرة القادمة".

اقرأ أيضاً: عندما اخترق "عمر" تابوهات الدراما الدينية!



إهدار ثروة مصر

يرى الدكتور عوض، الرئيس السابق لهيئة الثروة السمكية، أن التماسيح الموجودة في بحيرة ناصر تعد ثروة غير مستغلة، إذ يمكن بيع جلودها ولحومها، وغددها تستخدم في الصناعات الدوائية والعطرية، بمبالغ كبيرة، ويقول عوض: "تستخدم جلود التماسيح في صناعة أفخر المنتجات الجلدية، في مصر لا يتم تفعيل الأمر، وتترك التماسيح لتلتهم ثروة بحيرة ناصر السمكية".

بحسب وزارة الري والموارد المائية، فإن طول شواطئ بحيرة ناصر يبلغ 7 آلاف متر طولي. وقدرت مؤسسة "الجايكا" اليابانية في 1995، إنتاج بحيرة ناصر من الأسماك بـ30 ألف طن سنويا قبل تطويرها. ويقول إسماعيل حجاج، نقيب الصيادين في أسوان، إنه وفقا لأرشيف إنتاج البحيرة من عام 1990 إلى عام 2000، بلغ  حجم الإنتاج سنويا 35 ألف طن، أي ما يعادل 10% من إنتاج مصر السمكي، أما في عام 2013 فتراجع إنتاج البحيرة إلى 14 ألف طن أي 1% من إنتاج مصر السمكي، بسبب انتشار التماسيح المتوحشة في البحيرة، والتي تقضي على الأسماك فيها مثل نوع قشر البياض المعرض للانقراض.

ويكشف أحمد عوض، أحد المواطنين القاطنين في محافظة أسوان جنوب القاهرة، أن بعض أهالي أسوان في منطقة بحيرة ناصر يقومون بتربية التماسيح في مزارع خاصة بهم، بشكل غير شرعي، للاستفادة من بيع جلودها. وأضاف أن بعض الصيادين أيضا يقومون بصيد التماسيح من البحيرة لبيع جلودها، خاصة للسياح القادمين من دول غربية، متابعا "في بعض الأحيان قد يهرب تمساح من هذه المزارع غير الشرعية، وبالطبع يواصل حياته في النيل".

دلالات