صيادلة الجزائر.. عرضة للقتل خلال المناوبة الليلية

15 فبراير 2016
ارتفاع مخاطر الاعتداء على الصيادلة في الجزائر (فرانس برس)
+ الخط -
وسط العاصمة الجزائر، تعمل الصيدلانية الشابة آمنة محمد، وعلى ملامحها يبدو حذر بالغ وترقب واضح، لكل من يدخل إلى محل عملها، إذ تخشى آمنة تكرار ما تصفه بحادث "اليوم الأسود" الذي عاشته في شهر أغسطس/ آب الماضي، بعد أن حاول 3 مدمنين على الأقراص المهلوسة الاعتداء عليها، ولحسن الحظ لم تصب بأذى، كما تقول، إذ تركتهم يسرقون علبتين من أقراص ريفوتريل (العلبة لا يزيد ثمنها عن 200 دينار، نحو دولارين، وفي السوق السوداء ثمنها من 400 إلى 600 دينار)، لذلك لم تبلغ الشرطة عن الاعتداء.

لكن زميلها حسام حمدان، الذي عمل سابقاً في صيدلية في مدينة مفتاح، جنوبي العاصمة الجزائر، لم يحذُ حذوها، إذ تعرض لموقف مشابه، فأصر على الإبلاغ عن مدمنين حاولوا سرقة حبوب ليريكا المهلوسة من الصيدلية.

اقرأ أيضا: ملاعب الجزائر.. منشطات قاتلة تقضي على مستقبل اللاعبين

الاعتداءات تصل إلى القتل

يتذكر الجزائريون حادثة ولاية باتنة، شرقي الجزائر، التي قتل إثرها مساعد صيدلي، على يد مدمن بعد أن رفض منحه أقراصاً مخدرة، عقب ذلك انتقل القاتل إلى بيت الصيدلي المجاور وقتل أمه. وكشفت التحقيقات أنه كان يبحث عن الصيدلي لقتله.

بحسب أحدث إحصاء لنقابة الصيادلة، يوجد في العاصمة الجزائر 1500 صيدلي، من بين 10400 صيدلي في الجزائر، ولا تتوفر إحصاءات رسمية في الجزائر عن عدد الاعتداءات التي يتعرض لها الصيادلة، إذ تصنّف لدى الأجهزة الأمنية ضمن باقي الاعتداءات التي يتعرض لها المواطنون العاديون. لكن مسعود بلعمبري، رئيس النقابة الوطنية للصيادلة الخواص، أشار في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى وقوع قرابة 5 اعتداءات كل 15 يوماً، وفق البلاغات التي تتلقاها النقابة من الصيادلة، مؤكدا على أن عدد الاعتداءات تجاوز الألف في العام 2015، فيما كان الرقم أقل من ذلك في العام 2014، مبينا أن هذا الوضع هو نتيجة ارتفاع استهلاك المهلوسات والمخدرات في الجزائر.
تكشف أحدث إحصائية للدرك الجزائري (صدرت في يناير/ كانون الثاني 2016)، عن ارتفاع عدد قضايا المخدرات والأقراص المهلوسة في العاصمة الجزائر إلى 341 قضية في 2015، بعد أن كانت 214 قضية في 2014، ما يعني زيادتها بنحو 127 قضية، وهو ما يقلق بلعمبري، الذي قال لـ"العربي الجديد": "لا يملّون من طلب المهلوسات، لدى الرفض نسمع وابلا من الشتائم وتهديدات لفظية وبالسلاح الأبيض، أو يتم كسر واجهة الصيدلية وتحطيمها".

وبحسب الإحصائية التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، فإن سوق بيع المخدرات والمؤثرات العقلية في الجزائر انتعش في العام 2015، رغم تمكّن مفارز الجيش الجزائري وقوات الأمن من "توقيف 1514 تاجر مخدرات، منهم 53 أجنبياً، وحجز كمية 128.136 طناً من المخدرات، بالإضافة إلى كميات معتبرة من الأقراص المهلوسة".

وتظهر إحصائية مشابهة من مدينة وهران، عاصمة الغرب الجزائري، تزايد رواج الأقراص المهلوسة، وخاصة من نوعي ريفوتريل وإكستازي، إذ حجزت شرطة وهران في العام 2015 قرابة 99 ألف قرص مهلوس أغلبيتها من نوعي "إكستازي" و"ريفوتريل" مقابل نحو 12 ألف قرص خلال سنة 2014، أي بزيادة تعادل 8 أضعاف.

ويرى رئيس الأمن الولائي مراقب الشرطة، صالح نواصري، "أن التدابير الصارمة لمكافحة المتاجرة بالقنب الهندي، زادت من نشاط ترويج الأقراص المهلوسة".

اقرأ أيضا: سمك الجزائر ... سهلٌ يمنَعُه المُضارِبون

خارطة الاعتداءات في الجزائر

بحسب استبيان أجراه معد التحقيق في العاصمة الجزائر، يؤكد الصيادلة المشاركون أن الاعتداءات تكون في الأحياء الشعبية وفي الفترات الليلية، وهو ما وافق معلومات أدلى بها رئيس نقابة الصيادلة مسعود بلعمبري، بأن أغلب الاعتداءات تحدث في الولايات الكبرى، كالعاصمة ووهران وقسنطينة وعنابة، في تلك الأوقات وفي مناطق شعبية، والتي تعادل أو تزيد عن النسبة الوطنية المتمثلة في حدوث 5 اعتداءات خلال 15 يوما، حسب التقارير التي تنقلها المكاتب الولائية للنقابة في اجتماعاتها الدورية.

ويذكر رئيس نقابة الصيادلة لـ"العربي الجديد"، أنه حتى ولاية تمنراست قليلة السكان، جنوبي الجزائر، كثرت بها الاعتداءات، ما دعا النقابة إلى مناشدة وزارة الصحة لاتخاذ التدابير اللازمة لحماية الصيادلة من مدمني المؤثرات العقلية، أكثر من مرة، لكن يبقى "تجاوبها غير كاف"، بحسب بلعمبري.

عقوبات

تمنع المادة 38 من المرسوم رقم 76 – 140 المؤرخ في 23 أكتوبر/ تشرين الأول سنة 1976، "بيع أو تسليم المواد المصنّفة في نظام المخدرات والمستحضرات المحتوية عليها، لمن لا يثبت بأنه تتوفر فيه الشروط اللازمة، ما عدا التسليم بقصد الاستعمالات العلاجية وبناءً على وصفة طبية صادرة من الأطباء المعالجين والمؤهلين لفرضها".

وتنص المادة 35 من القانون ذاته أن "كل شراء أو تنازل ولو كان مجانا عن المواد التابعة لنظام المخدرات يجب أن يقيّد في سجل خاص يرقّم ويؤشر عليه من قبل رئيس البلدية ومحافظ الشرطة"، على أن "يتضمن القيد اسم ومهنة وعنوان المشتري والبائع وكذلك كمية المنتج مع الاسم الذي تم فيه القيد".

وينص قرار وزارة الصحة الجزائرية المؤرخ في 20 أغسطس/ آب سنة 2014 المحدد لكيفية تنظيم مناوبة الصيادلة، على وجوب بقاء الصيدلية مفتوحة بشكل مستمر من الساعة السابعة مساءً إلى الثامنة صباحاً، وتُستثنى فقط المناطق التي بها أكثر من صيدلية من القرار السابق وتنتهي مدوامتها حتى العاشرة مساءً بعد موافقة مدير الصحة في الولاية.

وجاء في المادة السابعة من القرار ذاته أنه "يتم الإعفاء من المناوبة في حالات المرض المبرر قانونا بشهادة طبية والحمل بعد الشهر الثالث"، وأشارت المادة 10 إلى أن "عدم احترام أحكام هذا القرار يؤدي إلى تطبيق العقوبات الإدارية، طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما". وبحسب ما ورد في المادة 11 من القانون نفسه، فإنه "لا يمكن للصيدلي الذي تعرّض لعقوبة الغلق النهائي، فتح صيدلية جديدة"، ما يعني إجبار الصيادلة على الدوام الليلي، الذي يرفع من مخاطر الاعتداء عليهم، بحسب بلعمبري.

اقرأ أيضا: الجزائر.. تناقضات الدولة الثرية والمواطن الفقير

تواطؤ

وفق ما وثّقه معد التحقيق، فإن الصيادلة لا يكونون دائما في خانة الضحايا، إذ يتورط بعضهم في تجارة الأقراص المخدرة، كما يقول أحمد عبدالحفيظ (اسم مستعار)، صاحب صيدلية بشارع العربي بلهميدي، وسط العاصمة، الذي روى لمعد التحقيق أنه قبل عامين، فوجئ بالشرطة تلقي القبض على ستيني يعمل معه لأنه كان يبيع المهلوسات للمدمنين خلسة ودون وصفة، ما جعله يرفض بيع الأدوية التي يبحث عنها مدمنو الأقراص المهلوسة، على الرغم من حاجة من يعانون أمراضاً عصبية إليها.
ويقول أحمد، في حديثه لـ"العربي الجديد": "حتى هذا القرار لم يقيني من خطر المدمنين على المهلوسات، فاعتداءاتهم اللفظية تتم يوميا وفي وضح النهار". على الرغم من أنه رفض العمل ليلا لوجود العديد من الصيدليات في منطقته، ورفض بيع الأقراص المهلوسة، رغم أن صيدليته تقع في شارع يتمتع بالأمن اللازم. ويؤكد عبدالحفيظ أن قائمة المهلوسات التي يتناولها المدمنون زادت بأدوية جديدة صارت محل طلب، كتلك المتعلقة بتخفيف آلام العضلات وقروح المعدة، بالإضافة إلى أقراص ليريكا وترامادول وإكستازي وريفوتريل.

ولفت فيصل عابد، عضو المجلس الوطني للنقابة الوطنية للصيادلة الخواص، إلى إن قائمة الأدوية المهلوسة كانت محددة بـ12 دواءً في السابق، لكن القائمة سيتم تجديدها في 2016، بالنظر إلى أن بعضها صارت لا تسوّق في الجزائر، لافتا إلى قرب إصدار وزارة الصحة للقائمة الجديدة.

ويتهم الصيدلي حسام عبدالملك، بعض الأطباء بتقديم وصفات دون فحوصات لبعض المدمنين، مطالبا بالتدقيق في بعض الوصفات الطبية، ويضرب المثل بما جرى في بلدية براقي، شرقي العاصمة الجزائر، التي قبض الأمن فيها على طبيب قام بتكوين عصابة لترويح الأقراص المهلوسة. وبحسب أوراق القضية التي جرت وقائعها في العام 2014، فإن تحريات الجهات المختصة أكدت عمل الطبيب على ترويج المؤثرات العقلية بين المدمنين.

اقرأ أيضا: تداعيات "حفتر" تطال المغرب

حلول

يرى بلعمبري، رئيس نقابة الصيادلة، أن حماية الصيادلة وخاصة ممن يجبرون على الدوام الليلي، لا بد أن تتم عبر تكثيف الدوريات في الأحياء الشعبية خاصة في فترات المناوبة الليلية. بينما ترى الاختصاصية الاجتماعية ثريا تيجاني أن أسر المدمنين مسؤولة عن الرقابة على أبنائها لتحديد ومتابعة التغيّرات السلوكية ومدى اندماجهم داخل الأسرة، أو انعزالهم عنها في حالة تعاطي الأقراص المخدرة. ودعت تيجاني، في حديثها إلى "العربي الجديد"، الأسرة والمجتمع ومختلف المؤسسات المجتمعية إلى ضرورة القيام بالأدوار المنوطة بها، وإيجاد حلول عاجلة لهؤلاء المدمنين الذين رغم الاعتداءات التي يرتكبونها قد يكونون في بعض الحالات ضحايا لظروف ما داخل المجتمع.

وشددت الاختصاصية الاجتماعية على ضرورة توفير الأمن اللازم للصيادلة وتوفير دوريات للشرطة في الفترات الليلية لحماية الصيادلة ووضع حد لنشاط من لا يتلزم بأخلاقيات المهنة ويبيع هذه المؤثرات العقلية للمدمنين عليها حتى ولو كان تحت التهديد. لكن الصيدلانية آمنة لا ترى أن هذه الحلول ستؤدي إلى إرجاع الشعور بالأمان الذي تفتقده منذ الاعتداء عليها، مطالبة بالتنسيق بين وزارة الصحة ووزارة الداخلية لوضع منظومة متكاملة تقضي على الظاهرة المتنامية.
دلالات