يحمل القاصر المغربي فريد بونحي، ذكريات سيئة عن فترة إقامته في إسبانيا التي هاجر إليها عبر الاختباء في شاحنة بضائع تحركت من طنجة، شمال المملكة، إلى الضفة الإسبانية، قبل سنتين، بينما كان في الخامسة عشرة من عمره، إذ هرب من مركز الإيواء بإقليم كتالونيا، بسبب الاكتظاظ الكبير ليبدأ حياة من المبيت في الشارع عانى خلالها من تهديد العصابات المتربصة بالقُصّر غير المصحوبين بذويهم.
فريد، الموجود حاليا في المغرب، يستحضر في حديثه ذكريات نومه في الشوارع الخالية والبنايات المهجورة، والاقتيات رفقة أطفال مغاربة آخرين وقاصرين من دول مجاورة على بقايا الطعام، كما عاين استغلال عصابات لهؤلاء في أعمال سرقة وغيرها من الجرائم، كما يقول.
اقــرأ أيضاً
ارتفاع أعداد المهاجرين القاصرين
تسجل إحصائيات مرصد الشمال لحقوق الإنسان (منظمة حقوقية مغربية غير حكومية) ارتفاع أعداد المهاجرين القاصرين المغاربة غير المصحوبين بذويهم، إذ وصل العدد إلى حدود مارس/ آذار الماضي إلى 10 آلاف طفل مغربي موجودين ما بين التراب الإسباني ومدينتي سبتة ومليلية الواقعتين تحت السيادة الإسبانية في البر المغربي.
ويوجز المرصد طرق الهجرة السرية المعروفة شعبيا بالحريك، مشيرا إلى أنها تتم عبر القوارب المطاطية أو الخشبية، أو الاختباء في شاحنات البضائع المتجهة من مدن الشمال المغربية صوب إسبانيا، لافتا إلى وجود عصابات متخصصة في تهجير هؤلاء القصر، إذ اعتقلت السلطات الأمنية المغربية في يناير/ كانون الثاني الماضي عناصر عصابة إجرامية متخصصة في تهجير قاصرين إلى إسبانيا، وجرى ضبط 8 مرشحين للهجرة السرية، كما أن الأمن الإسباني فكك في يونيو/ حزيران الفائت عصابتين لتهريب القاصرين من المغرب، في مقابل مبالغ مالية تراوح بين ألفين و8 آلاف يورو عن كل عملية، وفق ما جاء في بيان للشرطة الإسبانية.
ويعزو تقرير للوكالة الأوروبية لمراقبة وحماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي "فرونتيكس"، صدر في فبراير/ شباط الماضي، تفاقم ظاهرة هجرة القصر المغاربة في الفترة الأخيرة، إلى قرار الدولة فرض التجنيد الإجباري في صفوف الشباب، وإلى البطالة، والمشاكل الاجتماعية والأسرية، وهو ما أقره القاصر فريد، الذي أصر على "الحريك" من أجل الهروب من تفكك أسرته بعد طلاق والديه، والضغط عليه من أجل العمل وتدبير قوت يومه من طرف زوج أمه.
واقع بائس
يورد عبد الإله الخضري، مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، أن التحريات الميدانية لنشطاء المنظمة تبرز أن معظم هؤلاء الأطفال يعيشون متسكعين في شوارع كبريات المدن الإسبانية، خاصة في الجنوب، مثل إشبيلية وقادس ومورسيا، بسبب عدم قدرة مراكز إيواء الأطفال على استيعابهم، كما أن العديد ممن حالفهم الحظ بالولوج إلى تلك المراكز، وتقدر نسبتهم بحوالي 40 بالمائة من ''الأطفال الحراكة''، يفرون منها بعد مدة قصيرة.
ويكمل الخضري بأن هؤلاء الفارين من "قيود" مراكز الإيواء يقضون أوقاتهم بين الاعتقال في مخافر الشرطة والتسكع بين الشوارع والأزقة، فيما يؤمنون عيشهم عن طريق التسول والسرقة، وقليلا منهم من استطاع إيجاد عمل، خاصة أن معظمهم جاء مصابا بالإدمان على المخدرات أو أنه أدمن عليها في إسبانيا.
واسترسل الحقوقي بأن هؤلاء الأطفال "يعيشون في وضعية اجتماعية هشة، وباتوا عرضة لاعتداء بعضهم على بعض، إلى درجة الاغتصاب والإصابة بعاهات، كما أصبحوا يشكلون عنصر قلق أمني على الساكنة بإسبانيا، في ظل تخبط حقيقي داخل الحكومة الإسبانية بشأن الوسيلة المثلى لحل هذه المعضلة".
قاصر آخر يُدعى الحسين عمره 16 عاما، وهو صديق فريد، لكنه مكث في "تاراغونا" بإسبانيا ورفض العودة إلى البلاد، أكد كلام الخضري بالقول إنه قضى شهورا في إسبانيا متنقلا بين سيارة مهملة ينام داخلها، أو حتى أسفل كراسي الحديقة، مضيفا أن عالم الليل وسط "الحراكة" يعلّم الكثير من المساوئ.
ويشرح الحسين أنه ذهب كمهاجر سري إلى إسبانيا من دون إدمان أي شيء، لكنه بعد أسابيع على حياة الشارع مع قاصرين آخرين ومن جنسيات مختلفة، صار يدخن السجائر والحشيش ويتعاطى جميع الممنوعات، مردفا أنه اضطر أكثر من مرة إلى السرقة في محطات المترو والحافلات من أجل لقمة تسد جوعه.
احتجاز وفدية
أمام الوضعية المستفحلة للقاصرين غير المصحوبين في إسبانيا، تمتد إليهم أيادي عصابات وشبكات إجرامية، من بينها عصابة تختص في احتجاز القُصر المهاجرين وطلب الفدية من أسرهم، وهو ما أعلن عنه بلاغ لوزارة الداخلية الإسبانية في الأسبوع الأول من إبريل/ نيسان الماضي.
وفككت السلطات الإسبانية، وفق المصدر ذاته، عصابة إجرامية تضم 6 أفراد، 3 منهم بمدينة قادس و3 في ألميريا، كانت تختطف قاصرين مهاجرين من مراكز الإيواء بمنطقة الأندلس وصلوا إلى إسبانيا بمساعدة أفراد هذه العصابة، وتطالب أسر هؤلاء الأطفال بفدية مالية مقابل إخلاء سبيلهم.
ويؤكد هذه المعطيات عبد العالي الغمارتي، الناشط الجمعوي المتطوع بمدينة قادس، الذي يعمل في مجال التواصل مع القصر ومد العون لهم، قائلا لـ"العربي الجديد": "إن عددا من القاصرين يتعرضون لإغراءات ووعود كاذبة من طرف عناصر شبكات منظمة ومحترفة يقسم أعضاؤها العمل في ما بينهم، فريق يعمل على تهريب القصر انطلاقا من شمال المغرب، وفريق يتكلف بالاتصال بهؤلاء القصر وإخراجهم من مراكز الإيواء، ثم فريق ثالث يتكلف بالاحتجاز ثم الابتزاز المالي للأسر".
ويشرح المتحدث ذاته بأن قُصرا مغاربة يغادرون مراكز الإيواء التي تأويهم عندما يتم ضبطهم من طرف السلطات المحلية، ويجدونهم دون أوراق ثبوتية، ويكون في بعض الأحيان وراء هذه المغادرة أفراد من الشبكة نفسها التي قامت بتهريبهم من المغرب مقابل مبالغ مالية، فيعدونهم بإيجاد عمل لهم، ثم يحتجزونهم ليشرعوا في الاتصال بعائلاتهم مطالبين بمبالغ أخرى بهدف إطلاق سراحهم، تراوح بين 6 و10 آلاف درهم، (الدولار يساوي 9.6 دراهم).
سخرة وسرقة واستغلال
وجه آخر من استغلال عصابات منظمة للقاصرين "الحراكة" على الأراضي الإسبانية كشفته ماريا فالبوينا، وهي مرشدة اجتماعية داخل مركز للإيواء بمدينة مايوركا، قائلة في حديثها مع "العربي الجديد": "هؤلاء القاصرون الأجانب، ومن بينهم المغاربة، يتعرضون لاستغلالهم في أعمال سخرة تشبه العبودية أحيانا".
وتشرح المرشدة بأنها تعمل على توعية هؤلاء القاصرين بحضور مترجمين بالمخاطر التي تنتظرهم عندما يغادرون المركز، ومن ذلك استغلالهم من طرف عصابات متخصصة في تسخير هؤلاء الأطفال للعمل داخل ضيعات فلاحية في الجنوب الإسباني خصوصا، مقابل تعويضات زهيدة جدا، في الليل وخارج أوقات العمل، تفاديا لضبط مفتشي الشغل ومراقبي الرعاية الاجتماعية.
وتزيد المتحدثة بأن هناك مظهرا آخر للاستغلال البشع لهذه الفئة الهشة من المهاجرين غير النظاميين، يتمثل في استغلالهم من طرف أفراد شبكات متخصصة في السرقة، تدفعهم إلى الواجهة لنشل المارة وسرقة ممتلكاتهم من هواتف وأموال، مضيفة أن كثيرا من حوادث الاغتصاب تورط فيها قاصرون مغاربة باتوا في وضعية متشردين بالشوارع. ومن آخر هذه الحوادث ما ذكرته صحف إسبانية عديدة، في الأسبوع الثاني من إبريل/نيسان، عندما أقدم أربعة قصّر مغاربة، في ضاحية مدينة أليغانتي شرق إسبانيا، على اغتصاب قاصر إسبانية، وتصوير عملية الاغتصاب وتهديدها بنشر الفيديو إذا لم تسدد مبلغ 50 يورو، قبل أن ينكشف أمرهم وتعتقلهم السلطات الأمنية الإسبانية.
حل إسباني وتريث مغربي
"السلطات الإسبانية واعية بما يتربص بهؤلاء القاصرين من مخاطر الاستغلال في السرقة أو ترويج المخدرات، أو حتى الاستغلال الجنسي، كما أنها تدرك الوضعية الهشة التي يعيشها هؤلاء القاصرون غير المرافقين لذويهم خارج مراكز الإيواء"، كما تورد الأخصائية التربوية في جمعية إدماج المهاجرين سارة ديل ريو.
ووفق الباحثة العاملة في مراكز إيواء بمالقا، فإن الحكومة الإسبانية تجتهد لضمان أمن هؤلاء القصر بإيوائهم في مراكز الإيواء المخصصة، وأيضا تخصص لهذه المقرات منحا وميزانيات مالية معتبرة للتكفل بمبيت ومأكل ومشرب المهاجرين القصر، غير أن ما يدعو للقلق هو ما يحدث في الشارع، واستغلال العصابات لهؤلاء القاصرين.
ولحل معضلة المهاجرين القاصرين المغاربة في إسبانيا، تخطط حكومة بيدرو سانشيز لترحيل الآلاف منهم إلى بلادهم، كما حصل لقاء لهذا الغرض بين مسؤولين حكوميين مغاربة وإسبان في 26 فبراير/ شباط الماضي. ويرى الناشط الحقوقي الخضري أن "حل الترحيل رغم واقعيته، لن يكون دائما، وسيعيد هؤلاء الأطفال القاصرون الكرة مرات ومرات، حتى لو اشتدت مراقبة الحدود، لأن أسباب الهروب من الواقع المزري داخل بلادهم ما زالت قائمة وفي تفاقم مستمر"، على حد تعبيره.
ويبدو أن حل الترحيل لم يجد بعد طريقه إلى التنفيذ، حيث إن الحكومة المغربية على لسان ناطقها الرسمي مصطفى الخلفي سبق أن أكد في مارس/ آذار الفائت، أنه "ليس هناك أي اتفاق مع إسبانيا لإعادة القاصرين المغاربة الموجودين على أراضيها، لكن الرباط بالمقابل ما زالت تشتغل مع كافة الشركاء لإيجاد حل للأطفال القصر غير المصاحبين، في إطار احترام تام لحقوق الإنسان، وما يضمن المصلحة العليا لهؤلاء القاصرين".
وينص اتفاق ثنائي وقع بين المغرب وإسبانيا، في فبراير/ شباط من سنة 2007، على أن سلطات مدريد يمكنها أن ترحل الأطفال القاصرين غير المرافقين بذويهم بعد التعرف على هوياتهم وتحديد عائلاتهم في المغرب، وأنه إذا لم يتم التعرف على هوياتهم يتم تسليمهم إلى السلطات المغربية. لكن مصدرا حكوميا مسؤولا، فضل عدم الكشف عن هويته لكونه غير مخول بالحديث إلى الإعلام في هذا الملف، قال إن "الحكومة تراقب عن كثب موضوع المهاجرين القاصرين غير المرافقين بذويهم في إسبانيا، وأنها تعتني كثيرا بمصيرهم من خلال التنسيق مع السلطات الإسبانية المعنية عبر المباحثات الثنائية والوفود الرسمية التي تتنقل بين البلدين لحل الملف".
وفي هذا الصدد، يورد المسؤول الحكومي أن وفدا رسميا مغربيا سيحل بإسبانيا بهدف بحث موضوع ترحيل فوج من القاصرين المغاربة إلى البلاد، يصل عدده إلى 21 قاصرا كدفعة أولى، ومن ثم إلحاقهم بعائلاتهم وذويهم، وذلك بعد التعرف على هوياتهم وباقي البيانات الخاصة بهم، وبطريقة هجرتهم السرية إلى إسبانيا.
فريد، الموجود حاليا في المغرب، يستحضر في حديثه ذكريات نومه في الشوارع الخالية والبنايات المهجورة، والاقتيات رفقة أطفال مغاربة آخرين وقاصرين من دول مجاورة على بقايا الطعام، كما عاين استغلال عصابات لهؤلاء في أعمال سرقة وغيرها من الجرائم، كما يقول.
ارتفاع أعداد المهاجرين القاصرين
تسجل إحصائيات مرصد الشمال لحقوق الإنسان (منظمة حقوقية مغربية غير حكومية) ارتفاع أعداد المهاجرين القاصرين المغاربة غير المصحوبين بذويهم، إذ وصل العدد إلى حدود مارس/ آذار الماضي إلى 10 آلاف طفل مغربي موجودين ما بين التراب الإسباني ومدينتي سبتة ومليلية الواقعتين تحت السيادة الإسبانية في البر المغربي.
ويوجز المرصد طرق الهجرة السرية المعروفة شعبيا بالحريك، مشيرا إلى أنها تتم عبر القوارب المطاطية أو الخشبية، أو الاختباء في شاحنات البضائع المتجهة من مدن الشمال المغربية صوب إسبانيا، لافتا إلى وجود عصابات متخصصة في تهجير هؤلاء القصر، إذ اعتقلت السلطات الأمنية المغربية في يناير/ كانون الثاني الماضي عناصر عصابة إجرامية متخصصة في تهجير قاصرين إلى إسبانيا، وجرى ضبط 8 مرشحين للهجرة السرية، كما أن الأمن الإسباني فكك في يونيو/ حزيران الفائت عصابتين لتهريب القاصرين من المغرب، في مقابل مبالغ مالية تراوح بين ألفين و8 آلاف يورو عن كل عملية، وفق ما جاء في بيان للشرطة الإسبانية.
ويعزو تقرير للوكالة الأوروبية لمراقبة وحماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي "فرونتيكس"، صدر في فبراير/ شباط الماضي، تفاقم ظاهرة هجرة القصر المغاربة في الفترة الأخيرة، إلى قرار الدولة فرض التجنيد الإجباري في صفوف الشباب، وإلى البطالة، والمشاكل الاجتماعية والأسرية، وهو ما أقره القاصر فريد، الذي أصر على "الحريك" من أجل الهروب من تفكك أسرته بعد طلاق والديه، والضغط عليه من أجل العمل وتدبير قوت يومه من طرف زوج أمه.
واقع بائس
يورد عبد الإله الخضري، مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، أن التحريات الميدانية لنشطاء المنظمة تبرز أن معظم هؤلاء الأطفال يعيشون متسكعين في شوارع كبريات المدن الإسبانية، خاصة في الجنوب، مثل إشبيلية وقادس ومورسيا، بسبب عدم قدرة مراكز إيواء الأطفال على استيعابهم، كما أن العديد ممن حالفهم الحظ بالولوج إلى تلك المراكز، وتقدر نسبتهم بحوالي 40 بالمائة من ''الأطفال الحراكة''، يفرون منها بعد مدة قصيرة.
ويكمل الخضري بأن هؤلاء الفارين من "قيود" مراكز الإيواء يقضون أوقاتهم بين الاعتقال في مخافر الشرطة والتسكع بين الشوارع والأزقة، فيما يؤمنون عيشهم عن طريق التسول والسرقة، وقليلا منهم من استطاع إيجاد عمل، خاصة أن معظمهم جاء مصابا بالإدمان على المخدرات أو أنه أدمن عليها في إسبانيا.
واسترسل الحقوقي بأن هؤلاء الأطفال "يعيشون في وضعية اجتماعية هشة، وباتوا عرضة لاعتداء بعضهم على بعض، إلى درجة الاغتصاب والإصابة بعاهات، كما أصبحوا يشكلون عنصر قلق أمني على الساكنة بإسبانيا، في ظل تخبط حقيقي داخل الحكومة الإسبانية بشأن الوسيلة المثلى لحل هذه المعضلة".
قاصر آخر يُدعى الحسين عمره 16 عاما، وهو صديق فريد، لكنه مكث في "تاراغونا" بإسبانيا ورفض العودة إلى البلاد، أكد كلام الخضري بالقول إنه قضى شهورا في إسبانيا متنقلا بين سيارة مهملة ينام داخلها، أو حتى أسفل كراسي الحديقة، مضيفا أن عالم الليل وسط "الحراكة" يعلّم الكثير من المساوئ.
ويشرح الحسين أنه ذهب كمهاجر سري إلى إسبانيا من دون إدمان أي شيء، لكنه بعد أسابيع على حياة الشارع مع قاصرين آخرين ومن جنسيات مختلفة، صار يدخن السجائر والحشيش ويتعاطى جميع الممنوعات، مردفا أنه اضطر أكثر من مرة إلى السرقة في محطات المترو والحافلات من أجل لقمة تسد جوعه.
احتجاز وفدية
أمام الوضعية المستفحلة للقاصرين غير المصحوبين في إسبانيا، تمتد إليهم أيادي عصابات وشبكات إجرامية، من بينها عصابة تختص في احتجاز القُصر المهاجرين وطلب الفدية من أسرهم، وهو ما أعلن عنه بلاغ لوزارة الداخلية الإسبانية في الأسبوع الأول من إبريل/ نيسان الماضي.
ويؤكد هذه المعطيات عبد العالي الغمارتي، الناشط الجمعوي المتطوع بمدينة قادس، الذي يعمل في مجال التواصل مع القصر ومد العون لهم، قائلا لـ"العربي الجديد": "إن عددا من القاصرين يتعرضون لإغراءات ووعود كاذبة من طرف عناصر شبكات منظمة ومحترفة يقسم أعضاؤها العمل في ما بينهم، فريق يعمل على تهريب القصر انطلاقا من شمال المغرب، وفريق يتكلف بالاتصال بهؤلاء القصر وإخراجهم من مراكز الإيواء، ثم فريق ثالث يتكلف بالاحتجاز ثم الابتزاز المالي للأسر".
ويشرح المتحدث ذاته بأن قُصرا مغاربة يغادرون مراكز الإيواء التي تأويهم عندما يتم ضبطهم من طرف السلطات المحلية، ويجدونهم دون أوراق ثبوتية، ويكون في بعض الأحيان وراء هذه المغادرة أفراد من الشبكة نفسها التي قامت بتهريبهم من المغرب مقابل مبالغ مالية، فيعدونهم بإيجاد عمل لهم، ثم يحتجزونهم ليشرعوا في الاتصال بعائلاتهم مطالبين بمبالغ أخرى بهدف إطلاق سراحهم، تراوح بين 6 و10 آلاف درهم، (الدولار يساوي 9.6 دراهم).
سخرة وسرقة واستغلال
وجه آخر من استغلال عصابات منظمة للقاصرين "الحراكة" على الأراضي الإسبانية كشفته ماريا فالبوينا، وهي مرشدة اجتماعية داخل مركز للإيواء بمدينة مايوركا، قائلة في حديثها مع "العربي الجديد": "هؤلاء القاصرون الأجانب، ومن بينهم المغاربة، يتعرضون لاستغلالهم في أعمال سخرة تشبه العبودية أحيانا".
وتشرح المرشدة بأنها تعمل على توعية هؤلاء القاصرين بحضور مترجمين بالمخاطر التي تنتظرهم عندما يغادرون المركز، ومن ذلك استغلالهم من طرف عصابات متخصصة في تسخير هؤلاء الأطفال للعمل داخل ضيعات فلاحية في الجنوب الإسباني خصوصا، مقابل تعويضات زهيدة جدا، في الليل وخارج أوقات العمل، تفاديا لضبط مفتشي الشغل ومراقبي الرعاية الاجتماعية.
وتزيد المتحدثة بأن هناك مظهرا آخر للاستغلال البشع لهذه الفئة الهشة من المهاجرين غير النظاميين، يتمثل في استغلالهم من طرف أفراد شبكات متخصصة في السرقة، تدفعهم إلى الواجهة لنشل المارة وسرقة ممتلكاتهم من هواتف وأموال، مضيفة أن كثيرا من حوادث الاغتصاب تورط فيها قاصرون مغاربة باتوا في وضعية متشردين بالشوارع. ومن آخر هذه الحوادث ما ذكرته صحف إسبانية عديدة، في الأسبوع الثاني من إبريل/نيسان، عندما أقدم أربعة قصّر مغاربة، في ضاحية مدينة أليغانتي شرق إسبانيا، على اغتصاب قاصر إسبانية، وتصوير عملية الاغتصاب وتهديدها بنشر الفيديو إذا لم تسدد مبلغ 50 يورو، قبل أن ينكشف أمرهم وتعتقلهم السلطات الأمنية الإسبانية.
حل إسباني وتريث مغربي
"السلطات الإسبانية واعية بما يتربص بهؤلاء القاصرين من مخاطر الاستغلال في السرقة أو ترويج المخدرات، أو حتى الاستغلال الجنسي، كما أنها تدرك الوضعية الهشة التي يعيشها هؤلاء القاصرون غير المرافقين لذويهم خارج مراكز الإيواء"، كما تورد الأخصائية التربوية في جمعية إدماج المهاجرين سارة ديل ريو.
ووفق الباحثة العاملة في مراكز إيواء بمالقا، فإن الحكومة الإسبانية تجتهد لضمان أمن هؤلاء القصر بإيوائهم في مراكز الإيواء المخصصة، وأيضا تخصص لهذه المقرات منحا وميزانيات مالية معتبرة للتكفل بمبيت ومأكل ومشرب المهاجرين القصر، غير أن ما يدعو للقلق هو ما يحدث في الشارع، واستغلال العصابات لهؤلاء القاصرين.
ولحل معضلة المهاجرين القاصرين المغاربة في إسبانيا، تخطط حكومة بيدرو سانشيز لترحيل الآلاف منهم إلى بلادهم، كما حصل لقاء لهذا الغرض بين مسؤولين حكوميين مغاربة وإسبان في 26 فبراير/ شباط الماضي. ويرى الناشط الحقوقي الخضري أن "حل الترحيل رغم واقعيته، لن يكون دائما، وسيعيد هؤلاء الأطفال القاصرون الكرة مرات ومرات، حتى لو اشتدت مراقبة الحدود، لأن أسباب الهروب من الواقع المزري داخل بلادهم ما زالت قائمة وفي تفاقم مستمر"، على حد تعبيره.
ويبدو أن حل الترحيل لم يجد بعد طريقه إلى التنفيذ، حيث إن الحكومة المغربية على لسان ناطقها الرسمي مصطفى الخلفي سبق أن أكد في مارس/ آذار الفائت، أنه "ليس هناك أي اتفاق مع إسبانيا لإعادة القاصرين المغاربة الموجودين على أراضيها، لكن الرباط بالمقابل ما زالت تشتغل مع كافة الشركاء لإيجاد حل للأطفال القصر غير المصاحبين، في إطار احترام تام لحقوق الإنسان، وما يضمن المصلحة العليا لهؤلاء القاصرين".
وينص اتفاق ثنائي وقع بين المغرب وإسبانيا، في فبراير/ شباط من سنة 2007، على أن سلطات مدريد يمكنها أن ترحل الأطفال القاصرين غير المرافقين بذويهم بعد التعرف على هوياتهم وتحديد عائلاتهم في المغرب، وأنه إذا لم يتم التعرف على هوياتهم يتم تسليمهم إلى السلطات المغربية. لكن مصدرا حكوميا مسؤولا، فضل عدم الكشف عن هويته لكونه غير مخول بالحديث إلى الإعلام في هذا الملف، قال إن "الحكومة تراقب عن كثب موضوع المهاجرين القاصرين غير المرافقين بذويهم في إسبانيا، وأنها تعتني كثيرا بمصيرهم من خلال التنسيق مع السلطات الإسبانية المعنية عبر المباحثات الثنائية والوفود الرسمية التي تتنقل بين البلدين لحل الملف".
وفي هذا الصدد، يورد المسؤول الحكومي أن وفدا رسميا مغربيا سيحل بإسبانيا بهدف بحث موضوع ترحيل فوج من القاصرين المغاربة إلى البلاد، يصل عدده إلى 21 قاصرا كدفعة أولى، ومن ثم إلحاقهم بعائلاتهم وذويهم، وذلك بعد التعرف على هوياتهم وباقي البيانات الخاصة بهم، وبطريقة هجرتهم السرية إلى إسبانيا.