وبلغ عدد العمليات الإرهابية مائة عملية، معظمها اغتيالات وتفجيرات، استهدفت موظفين حكوميين ورجال أعمال إلى جانب مقار تجارية منذ ظهور داعش، وفق تقدير عبد الرحمن سهل والذي أشار إلى إمكانية تصعيد العمليات الأمنية التي قد ينفذها تنظيم داعش ضد المقار الحكومية والمناطق الشعبية بهدف توجيه رسالة قوية للداخل والخارج، لإثبات وجوده كقوة لا يستهان بها في الصراع الثلاثي في البلاد كما يقول.
ولم تقتصر الحرب على الاغتيالات إذ أعلن "داعش" أن أفراده قتلوا 14 من مقاتلي حركة الشباب فى مواجهة مسلحة دارت بينهما في مرتفعات بإقليم برى بولاية بونتلاند شمال شرق الصومال وهو ما يكشف عن قوة التنظيم الذي بدأ بالظهور في أكتوبر/تشرين الأول 2015، "عبر استخدام أساليب تجنيد آخذة بالتطور، استهدف جزء كبير منها أعضاء حركة الشباب الساخطين على الحركة جنوب الصومال" وفق ما وثقه معد التحقيق عبر تقرير مجموعة الرصد التابعة للأمم المتحدة حول العقوبات المفروضة على الصومال الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
تنامي داعش
تقدر مجموعة الرصد الأممية عدد مقاتلي داعش بالمئات، بينما قدرت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا في إبريل/نيسان من عام 2017 عدد مقاتلي حركة الشباب التي انحسر نفوذها بعد خسارتها أقاليم شبيلي السفلى، والوسطى، وهيران، باي، وبكول، ومدغ، وجدو، وجوبا السفلى في جنوب ووسط الصومال بما بين 4 آلاف و6 آلاف مقاتل.
وتكشف أعداد فصيل تنظيم داعش بزعامة الشيخ الخمسيني عبدالقادر مؤمن عن مدى تنامي أعداد المنتمين للتنظيم إذ لم يكن عدد المقاتلين المبايعين لداعش بعدما كانوا ضمن صفوف حركة الشباب وعلى رأسهم قائدهم الصومالي مؤمن والحامل للجنسية البريطانية يتجاوز بضع عشرات في منطقة باري ببونتلاند المعزولة عن مناطق نفوذ الحركة الرئيسية خلال عام 2016، لكن اليوم تنامى عدد الفصيل بصورة كبيرة من حيث القوام، إذ يناهز عدد أفراده 200 مقاتل حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وفق ما جاء في إفادات 10 منشقين ومقاتلين من تنظيم "داعش" محتجزين في سجن بوصاصو المركزي.
ويؤكد تقرير مجموعة الرصد، أن فصيل تنظيم الدولة الإسلامية، أثبت استخدامه أساليب آخذة في التطور، استهدفت في جزء كبير منها أعضاء حركة الشباب الساخطين في جنوب الصومال، فعلى سبيل المثال أفاد مقاتلان سابقان في تنظيم الدولة أنهما تلقيا تذاكر سفر من مقديشو على غالكعبو مما مكنهما من تفادي نقاط التفتيش المسلحة العديدة التي كان سيفرضها السفر برا من جنوب الصومال إلى بونتلاند، ونتيجة لانتهاج تنظيم الدولة التجنيد على نحو أكثر استباقا، فلم تعد حركة تسيطر عليها عشائر دارود/ماجرتين/علي ساليبان وأصبح مقاتلوه الآن يمثلون شريحة من القبائل من مختلف أنحاء الصومال.
لكن الباحث سهل يقول إن تنظيم داعش لم يصل إلى مرحلة يمكن فيها مقارنته بحركة الشباب، بالنظر إلى النفوذ الجغرافي، والسياسي الذي تتمتع بها الحركة والذي تسعى الحكومة الصومالية للقضاء عليه عسكرياً عبر القوات الأفريقية التي يصل قوامها إلى أكثر من 22 ألف جندي في الصومال، إلى جانب الغارات الجوية التي تنفذها طائرات أميركية بدون طيار بواسطة وحدات من القوات الأميركية المتواجدة في القاعدة الجوية السابقة بمنطقة "بيلدوغول" بإقليم شبيلي السفلى جنوب الصومال.
ويقول عيسى محمد عضو سابق بالمحاكم الإسلامية (اسم مستعار بناء على طلبه) لـ "العربي الجديد" إن الصراع المحتمل بين داعش وحركة الشباب أداته الأهم "الاغتيالات" المتبادلة قائلا "من المستحيل شن هجوم مخطط من قبل الحركة على مواقع التنظيم لأن منطقة جلجلا منطقة جبلية وعرة، وقد يستخدمها الطرفان، كملاذ آمن من الغارات الجوية التي تستهدف عناصر داعش وحركة الشباب على السواء".
قلة إمكانيات داعش لن تمنعه من إطلاق عمليات أمنية متقطعة، معظمها تتم على نحو اغتيالات في العاصمة مقديشو بحسب سهل، مشيرا إلى خطر ذلك على حركة الشباب التي أعلنت، حربا ضد قياداته وعناصره في مناطق تواجدها، حيث قتلت أكثر من 10 قيادات ميدانية كانت تنتمي لحركة الشباب، وأعلنت ولاءها لتنظيم داعش، من أبرزهم الشيخ أبا نعمان بشير وحسن عبدي آدم ومحمد المكاوي السوداني الخبير العسكري والأمني والعضو السابق في تنظيم القاعدة وعبد الودود أمير التنظيم في جنوب الصومال ومهد معلم مساعد أمير داعش في الصومال وآخرهم القيادي أبو يونس المصري الذي قتل في الثالث عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
المقاتلون الأجانب
في أكتوبر/تشرين الأول 2016 استولى فصيل تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة قندلا في منطقة باري في بونتلاند، معلنا أنها مقر ما يسمى بالخلافة الإسلامية في الصومال. وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه شنت مجموعة من القوات البرية والبحرية، هجوما في بونتلاند بدعم من مستشارين عسكريين أميركيين، نجح في استعادة المدينة في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2016 بعد عدة اشتباكات مسلحة، لكن تنظيم الدولة الإسلامية ما يزال منتشرا في المناطق الريفية المحيطة بحسب مصادر التحقيق وتقريرمجموعة الرصد الأممية.
وتشير بيانات مواقع الهواتف المحمولة لأعضاء التنظيم إلى حدوث نشاط متكرر في محيط برج الهاتف المحمول في أفباشاشين التي تقع على بعد حوالي 50 كم جنوب شرق قندلا وفقا للتقرير ذاته.
وتزامن بزوغ نجم تنظيم داعش فرع الصومال مع اشتعال الصراعات المسلحة بين الحكومة الصومالية ومقاتلي حركة الشباب في المناطق الجنوبية ووسط الصومال، ما دفع التنظيم إلى إعلان تواجده في جبال جلجلا، من أجل استقطاب شباب الحركة من المتواجدين في الجبال التي تتوافر فيها تحصينات طبيعية، وبيئة تساعد على التخفي لفترات طويلة بحسب عبدالرحمن سهل الذي أشار إلى أن المنطقة الجبلية التي اختارها التنظيم معقلا له كانت أصلاً بيئة مهيئة له مقارنة بالمناطق الجنوبية، ووسط الصومال التي عانت من اعتداءات حركة الشباب الإرهابية إلى جانب خشية التنظيم من أن يصبح فريسة سهلة لحركة الشباب التي لا تقبل بظهور أفكار منافسة ومعارضة لها.
ويسعى تنظيم داعش إلى إيجاد موطئ قدم له في المناطق الجنوبية ووسط الصومال الخاضعة لسيطرة الحركة من خلال استيعاب العناصر المنشقة عن الحركة استعدادا لمزيد من المعارك مع مقاتلي حركة الشباب التي يرغب في إزاحتها تماما من المشهد في حال استغل الحرب الحكومية بمساعدة أميصوم والقوات الأميركية بالإضافة إلى الانشقاقات في صفوفها بسبب تراجع نفوذها وتزايد أطماع بعض عناصرها نحو اعتلاء المناصب القيادية بعد اغتيال زعيمها الراحل إلى جانب البحث عن مكاسب اقتصادية وبروز اختلاف في وجهات النظر الفقهية والفكرية داخل جسد الحركة، بحسب تأكيد عبد الرحمن حسن.
ويقدم تنظيم داعش، نداء أقرب لطابع المقاتلين الإرهابيين الأجانب، باعتباره حركة عالمية تتوخى الخلافة، مقارنة بما تقدمة حركة الشباب التي تقتصر أهدافها المباشرة على طرد غير المسلمين من الصومال، وإقامة دولة تحكمها الشريعة الإسلامية، ومع ذلك اجتذب فصيل تنظيم داعش في منطقة باري عددا من المقاتلين الأجانب في العام 2017، ومن بينهم مواطن سوداني يدعى سهيل سالم عبدالرحمن سبق أن فرضت عليه وزارة المالية الأميركية عقوبات لدوره في دعم حركة الشباب إذ أدرج مكتب الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية اسم عبدالرحمن في قائمة الرعايا الخاضعين لإدراج الأشخاص المجمدة أموالهم في يوليو/تموز 2012 ، لدوره في تسهيل دخول المقاتلين الأجانب إلى الصومال دعما لحركة الشباب وفق تقرير مجموعة الرصد التابعة للأمم المتحدة.
الصراع على مصادر التمويل
تعد العاصمة مقديشو، التي يوجد فيها أكبر سوق تجاري في الصومال (بكارو)، منطقة نفوذ اقتصادي مشترك بين داعش وحركة الشباب وفق ما وثقه أستاذ الاقتصاد في جامعة الصومال الحكومية محمد يوسف الذي قال لـ"العربي الجديد" إن تنظيم داعش يبحث عن مصادر دخل مالية في هذه المنطقة التي تعد بؤرة اقتصاد البلاد عن طريق ابتزاز وتهديد التجار وأصحاب الشركات، فيما تحاول حركة الشباب التي تجني أموالا باهظة من الإتاوات على الشركات، الدفاع عن مصادرها ما يضع العاصمة والسوق في ظل تهديد بسبب الصراع الاقتصادي بين الطرفين الإرهابيين الذي يدفع المواطنون الصوماليون بسببه ثمنا باهظا كما يقول.
وأفقدت الحملة العسكرية الحكومية التي تدعمها غارات الطائرات الأميركية حركة الشباب توازنها العسكري، وبدأت الحركة تخسر رويدا رويدا مدنا كبيرة كانت تمدها بالمال والسلاح، عن طريق جمع "الزكوات" والكادر البشري، بحسب الباحث عبدالرحمن حسن، مشيرا إلى حدوث تمرد داخل الحركة من قبل القيادات الوسطى، فضلا عن التعقيدات الداخلية من قبل القيادة العليا التي فقدت السيطرة الكاملة على الوضع الداخلي للحركة بسبب الوضع الأمني الذي تعيشه تلك القيادات التي لجأت إلى الغابات، ما أعطى فرصة للقيادات الوسطى بمبايعة تنظيم داعش طمعا في مناصب عليا مقابل الاستفادة من خبراتهم، خاصة في مناطق الجنوب.
ويستعين تنظيم داعش بشخصيات موالية له بعد انشقاقها عن حركة الشباب، لإجراء مفاوضات مع التجار والشركات في مقديشو بحسب إفادة الموظف أحمد سعيد الذي يعمل في إحدى الشركات المحلية الموجودة بالسوق، مشيرا إلى عدم وجود مواقع محددة ونفوذ عسكري ملموس في العاصمة مقديشو أو في سوق بكارو، وإنما يتمثل وجودهم في مقديشو في شكل فرق أمنية تنفذ عمليات اغتيال ضد كل من يتجاهل تعليمات قادتهم في جبال جلجلا، وهو ما يؤكده التاجر الصومالي بالسوق عبدالله شيخ علي لـ "العربي الجديد"، لافتا إلى أن التجار باتوا بين فكي كماشة، بعد أن ضاعف تنظيم داعش، من معاناة التجار الذين يعانون أصلا من ابتزاز مالي من قبل حركة الشباب، ما جعل السوق مسرحا للاغتيالات الممنهجة، إذ راح ضحية تلك الاغتيالات أكثر من 50 شخصا نهاية العام 2018 عقابا لامتناعهم عن دفع الإتاوات المفروضة عليهم من قبل تنظيم داعش.
القضاء على التنظيم قبل استفحال خطره
ما الذي يلزم من أجل القضاء على التنظيم قبل استفحال خطره؟ يجيب الشافعي ابتدون رئيس مركز الصومال للدراسات، (متخصص في الدراسات الأمنية والسياسية والاجتماعية): على الحكومة الفيدرالية، وخاصة الأجهزة الأمنية سرعة استغلال الصراع الحاصل بين حركة الشباب وتنظيم داعش، عبر عمل استخباراتي وعسكري يستفيد من تلك الفرص السانحة، أما في حال قويت شوكة تنظيم داعش في الصومال، فإن ذلك يعني تمدد نفوذه في الجنوب الصومالي، مضيفا أن تزايد الأنباء عن تدفق مقاتلين أجانب من تنظيم داعش إلى الصومال هرباً من سورية والعراق، مع غياب استراتيجية الحكومة الفيدرالية لوأد التنظيم قد تعني مستقبلا مزيداً من الكلفة العسكرية والخسائر البشرية في الأرواح والاقتصاد الصومالي وهو ما يحتاج إلى استراتيجية عسكرية وخطة أمنية محكمة من خلال إعادة ترتيب الجيش الصومالي، بدلاً من المليشيات القبلية التي تمثل فسيفساء غير فعالة للقضاء بمفردها على التنظيمات الإرهابية.
لكن الباحث عبدالرحمن حسن يتوقع أن صراع داعش ضد حركة الشباب لن يستمر طويلا، لأن التنظيم الذي يسعى للسيطرة على مناطق تابعة للشباب غير قادر على مواجهة حركة الشباب التي لها ثقلها العسكري والأمني في الجنوب، وسيضطر مسلحو داعش من أبناء الجنوب إلى الاستسلام، أو الفرار إلى شمال شرق الصومال وتحديد جبال جلجلا، مضيفا أن قبائل الجنوب التي اكتوت بنيران الشباب لن تساعد في انتشار فكر يبدو أنه أكثر تطرفا وراديكالية من حركة الشباب، وستكون هذه القبائل مجبرة على الاصطفاف مع حركة الشباب التي عاشوا معها سنوات طوعا أو كرها.