الإعدامات الميدانية في سيناء... الحصاد المر للحرب على الإرهاب

28 ابريل 2017
المدنيون ضحايا الحرب على الإرهاب في سيناء (فرانس برس)
+ الخط -

مساء يوم 20 أبريل/ نيسان الجاري، أذاعت قناة مكملين الفضائية عبر برنامج "مع زوبع" مقطع فيديو لأشخاص ارتدى بعضهم الزي العسكري للجيش المصري، وآخرين يرتدون زياً مختلطاً (عسكري ومدني)، بينما يقومون بتصفية مجموعة من المدنيين العُزّل دون تردد.

ويظهر في المقطع المصور أحد الجنود بينما يصفّي مدنياً أعزل يرتدي سروالاً أزرق به خطوط بيضاء وقميصاً رمادياً عبر إطلاق الرصاص على رأسه، فيما تم قتل آخر بعد اقتياده معصوب العينين وسؤاله عن أهله وعائلته مجيباً بأنه من عائلة العوابدة من قبيلة الرميلات "أرميلي" ويسكن عند عائلة الصياح من نفس القبيلة.

وعبر مقارنة صورة القتيلين مع ما جاء في بيان نشر على الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري للقوات المسلحة في 6 ديسمبر/ كانون الأول عام 2016، يتضح أنهما نفس الشخصيتين اللتين ظهرت صورتهما في بيان المتحدث العسكري واتهما بأنهما من التكفيريين وتم القضاء عليهما خلال عملية مداهمة، كما أن القتيلين كانا ضد ظهرا في مقطع فيديو للشؤون المعنوية للقوات المسلحة عن مجهودات ما سمي بـ"عملية حق الشهيد"، والذي أذاعته قناة المحور في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016، وقيل فيه إنهما عناصر تكفيرية مسلحة تم قتلهم خلال اشتباكات شهدت تبادلاً مكثفاً للنيران مع قوات المداهمة.


القوات 103

واجه مقطع الفيديو رفضاً واسعاً من مؤيدي النظام الحكام في مصر، إذ شكك هؤلاء في صحة المقطع، مبررين ذلك بظهور أحد الجنود طويل اللحية على عكس الهيئة المعتادة لقوات الجيش المصري حليقة اللحى، بالإضافة إلى ظهور أحد الجنود مرتدياً بعض الملابس المدنية مع الملابس العسكرية، وكذلك اختلاف اللهجة التي كان يتحدث بها أحد المتورطين في القتل مع لهجة بقية المصريين.

وأصدرت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش بيانين منفصلين تؤكدان فيهما أنهما قامتا بتحليل مقطع الفيديو، وأنه يظهر أن قوات الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء أعدمت ما لا يقل عن 2 ولا يزيد عن 8 محتجزين عُزّل، ثم غطت على عملية القتل لجعلها تبدو وكأن الضحايا "إرهابيون" مسلحون تم إطلاق النار عليهم أثناء مداهمة، فيما طالبت الأخيرة الدول التي تقدم الأسلحة والعتاد والتدريب للجيش المصري بأن تجمد هذه المساعدات طالما القوات المسلحة المصرية مستمرة في تحمل مسؤولية انتهاكات متفشية وجسيمة لحقوق الإنسان.

وقال البيان إن مصدرين من سيناء تعرّفا على الشخص المسؤول عن الإعدام بصفته عضواً معروفاً في مليشيا محلية تعمل بأوامر من الجيش المصري، وتعرف تلك المليشيا بـ"المناديب" أو قوات "103" وهم مدنيون يرتدون ملابس الجيش وفي بعض الأحيان يرتدون ملابس مدنية أو مختلطة بين هذه وتلك، ويُطلق عليهم بين أهالي سيناء ألقاباً مثل "أبو صباع" لأنهم يشيرون بإصبعهم على المطلوب أو "103"، إذ يُصنف أهالي سيناء المجموعات المسلحة إلى ثلاثة أصناف؛ 101 وهم أفراد الكتيبة 101 صاعقة المتمركزة في سيناء و102 ويطلقونها على أفراد الجماعات المسلحة من الدواعش وغيرهم، و103 وتطلق على المناديب أو المتعاونين مع قوات الأمن.

عقب تداول مقطع الفيديو، نشرت صفحة "سيناء 24" التي تديرها مجموعة من النشطاء السيناويين على موقع التواصل الاجتماعي، أسماء اثنين من المعدومين ميدانياً وهما الشقيقان "داود صبري العوابدة" يبلغ من العمر 16 عاماً، و"عبدالهادي صبري العوابدة" ويبلغ عمره 19 عاماً، وبحسب الصفحة فقد اعتقلت قوات الجيش الشقيقين العوابدة من منطقة الحرية، جنوب رفح بتاريخ 18 يوليو/ تموز 2016، وتم إخفاؤهما قسرياً حتى ظهور الفيديو ومعرفة مصيرهما.


مؤيّدو النظام يطالبون بمزيد من التصفيات

اعترف الرائد خالد أبو بكر أحد ضباط الجيش ومؤسس ما يعرف بصفحة الجيش المصري الإلكتروني على موقع "فيسبوك" بصحة مقطع الفيديو قائلاً إنه "صحيح بنسبة 100%"، مُطالباً بمزيد من التصفيات من دون محاكمات، وهو ما يفتح المجال أمام تساؤلات عديدة حول عشرات الحالات من القتل والتصفية التي تنشرها صفحة المتحدث العسكري باستمرار، خصوصاً أن عدد من تمت تصفيتهم بعد القبض عليهم خلال الفترة ما بعد 30 يونيو/ حزيران 2013 في منطقة الشيخ زويد وحدها يصل إلى 100 معتقل، إلى جانب 200 شخص مختفين قسرياً لا يعرف أقرباؤهم عنهم شيئاً، بالإضافة إلى الاعتقالات العشوائية التي تطاول المئات وتتم بصورة دورية، وفق ما أكد ناشطون حقوقيون سيناويون لـ"العربي الجديد".

التوصيف القانوني للواقعة

تحتوي وقائع الفيديو الذي كشفته قناة مكملين جرائم عدة، وتحصي المحامية مها أحمد مديرة برنامج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات تلك الجرائم محددة إياها في إفادتها لـ"العربي الجديد"، بـ"الاحتجاز دون وجه حق واستعمال موظف عام القسوة تجاه مواطنين والقتل العمد".

وأوضحت المحامية الحقوقية أنه في حال كان هذا التصرف فردياً من القوات التي تورطت فيه فإن المادة 91 من قانون العقوبات نصت على أنه "يُعاقب بالإعدام كل من تولى لغرض إجرامي قيادة فرقة أو قسم من الجيش بغير تكليف من الحكومة أو بغير سبب مشروع"، أما إذا كان ذلك ناتجاً عن أوامر عُليا فهو ما يُحيلنا إلى مادة 126 من نفس القانون التي نصت على أن كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالسجن المشدد أو السجن من ثلاث سنوات إلى عشر، وإذا مات المجني عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمداً وهي الإعدام".

لكن ماذا عن الموقف القانوني للمدنيين المتعاونين مع الجيش، يجيب المحامي ناصر أمين ومدير المركز العربي لاستقلال القضاء وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان بأن المتعاونين من المدنيين مع القوات العسكرية يتم اعتبارهم قوات عسكرية، وفقاً لاتفاقية جنيف، ضارباً المثل بقوات "الجنجويد" في السودان، وتابع: "تتم محاكمتهم أمام القضاء العسكري، وفي حالة عدم محاكمتهم داخل الدولة التي وقعت فيها الجريمة ينتقل الاختصاص للقضاء الدولي"، مشيراً إلى أنه في حال كانت الدولة التي وقعت فيها الجريمة عضواً في المحكمة الدولية في لاهاي وموقعة على اتفاقية روما يتم تقديم الشكوى لمكتب النائب العام في لاهاي للتحقيق والإحالة إلى المحكمة الدولية الجنائية، وفي حال لم تكن عضواً مثل مصر ينتقل الاختصاص إلى أي دولة لديها الاختصاص الجنائي العالمي في جرائم الحرب وهي أي من الدول السامية الراعية لاتفاقيات جنيف الصادرة عام 1949، وتبدأ هي بالتحقيق والمقاضاة، باعتبار أن هذا الاختصاص مُنح إلى الدول الراعية لاتفاقية جنيف ويكون قضاؤها مختصاً بنظر القضايا أو الجرائم التي تنتهك اتفاقيات جنيف أو تنتهك قانون الحرب بصرف النظر عن المكان الذى وقع فيه أو جنسية المتهمين مثل النرويج وفرنسا وبلجيكا، مشدداً على أن الشكوى يجب أن يقدمها ذوو الضحايا.


التشخيص النفسي

يرى الدكتور حسين عمر، استشاري الأمراض النفسية بمستشفى جامعة سان جورج في لندن، وزميل الكلية الملكية للأطباء النفسيين بإنكلترا أن كل إنسان لديه قدر من العدوانية، وفي حالة قوات الأمن يجب السيطرة عليها جيداً لأنها تتوفر لها السلطة والسلاح وتوابع السلوك العدواني لدى هذه الفئات أكبر كارثية وإضراراً بالمجتمع.

واعتبر الاختصاصي النفسي ما جاء في مقطع الفيديو نتيجة طبيعية لسقوط أو إسقاط كل الضوابط المجتمعية والمهنية والقانونية التي تحكم عمل قوات الأمن والتي من المفترض أن تمنعهم من الإظهار أو التمادي في أي سلوك عدواني تجاه المواطنين، وهو ما يأتي متسقاً مع كلام القائد الأعلى للجيش عبدالفتاح السيسي، وقت أن كان قائدا عاما، بأن أي ضابط يقتل متظاهراً لن يقدم للمحاكمة، وهو نفس المبدأ الذي ظهر في الفيديو، إذ إن من قتلوا مواطني سيناء بحجة الإرهاب يعلمون أنهم يُحاكمون أيضاً.

وتؤدي تلك الحوادث إلى تعمق الإحساس بعدم الأمان والاستهداف من الدولة، إلى جانب الإحساس بالغضب والمرارة والظلم وسقوط دولة القانون بين أهالي سيناء، وفقاً للدكتور عمر، والذي أكمل: "ما حدث سيدفع الكثير من الشباب الغاضب والحانق على تصرفات النظام للانضمام إلى الجماعات الإرهابية التي تستثمر تلك المشاعر في تجنيد الشباب، كما أن الجنود الذين ارتكبوا تلك الجرائم لديهم قدر عالٍ من عدم الاتزان النفسي ودرجة عالية من الاستعداد الغريزي لإظهار السلوك العدواني، ومن الطبيعي أنه عندما تمر مثل تلك الجرائم بلا حساب أو عقاب ولا تتاح لهم الفرصة لإعادة النظر في سلوكهم أو إظهار أي شعور بالذنب أو تأنيب الضمير سوف تترسخ داخلهم قناعات بأن سلوكهم مقبول وأنهم محقون أو على الأقل معذورون فيما ارتكبوا من جرائم، ومن ثم فإن مثل هذا السلوك سيكون قابلاً للتكرار، ما يزيد من اضطرابهم النفسي ويزيد من خطورتهم على المجتمع الذي يعيشون فيه، ما يجعلهم عرضة للاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية، الأمر قد تنتج عنه أفعال عدوانية تجاه آخرين مثل زملائه من الجنود وغيرهم، وقد يمتد ذلك السلوك العدواني حتى يطاول أسرهم أو أي فرد في المجتمع، لأن الرسالة التي تترسخ داخل الجندي هي أن العنف والعدوانية سلوك مقبول وهو ما سيلجأ إليه في كثير من المواقف بعد ذلك".