التجربة العُمانية... 4 أسباب تردع نمو الفكر المتطرف في السلطنة

20 فبراير 2018
تراث كبير من التسامح في عُمان يمنع التطرف(فرانس برس)
+ الخط -

تصف أنيل شيلين مديرة برنامج الباحثين خلال المرحلة الجامعية في كلية إليوت للشؤون الدولية، سردية التسامح الديني في عُمان باعتبارها موضوعاً أساسياً بالنسبة إلى السلطنة، إذ ينظر العُمانيون إلى التسامح الديني باعتباره جزءاً أساسياً من هويتهم الوطنية.

وتقدم شيلين في مساهمتها بدراسة "الإسلام الرسمي في العالم العربي: التنافس على المجال الديني" المنشورة في موقع "مركز كارنيغي للشرق الأوسط" والتي نشرها المركز للباحث ناثان براون في مايو/أيار من العام الماضي، استشهاداً بتقرير الحرية الدينية الدولية لعام 2015 الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية، والذي أكّد أن غير المسلمين يمارسون شعائرهم الدينية بحرية في منازلهم والأماكن المخصصة لهذا الغرض.

ولم تشهد عُمان عنفاً جهادياً على أراضيها، كما أنه لم يُسجَّل التحاق أيّ عماني بالقتال في صفوف الدولة الإسلامية، بحسب الباحثة شيلين، وهو ما يطابق ما رصده مؤشر الإرهاب العالمي الصادر في عام 2017 عن معهد الاقتصاد والسلام في بريطانيا، إذ أكد القائمون على المؤشر أن السلطنة لم تشهد حوادث ذات صبغة إرهابية، منذ أن بدأ المعهد يعد تقريره السنوي منذ عام 2002.

الحالة السابقة أنتجت تعايشا واحتراما كبيرا لمختلف مكونات الشعب العماني الذي يقف أبناؤه  باختلاف مذاهبهم خلف إمام واحد، بلا استعلاء أو تعصب، كما أن السلطنة تعد البلد الخليجي الوحيد الذي تجمع جغرافيته منذ قرابة مائة عام بين معبد للهندوس وكنيسة للمسيحيين ومسجد للمسلمين؛ فمعبد كريشنا الهندوسي يجاور مقر الكنيسة الكاثوليكية في حيّ روي في العاصمة مسقط.

وتثير تلك التجربة التي أنتجت مجتمعا قائما على التسامح والتعايش ورادعاً للإرهاب والفكر المتطرف؛ أسئلة عديدة عن ماهية العوامل التي ساعدتها في ذلك؟ وهو ما تسعى السطور التالية إلى الإجابة عنه.


ثمة عوامل متعددة أسهمت في جعل سلطنة عمان بلداً متسامحاً وبيئة غير مواتية للتطرف والإرهاب منها:

أولاً: الجغرافية الساحلية العُمانية إذ تقع سلطنة عُمان في الربع الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية وتغطي مساحة إجمالية تبلغ 309.500 كيلومتر مربع وتمتد سواحلها على مسافة 3165 كيلومتراً مربعاً من مضيق هرمز في الشمال وحتى الحدود مع اليمن، وتطل بذلك على بحار ثلاثة هي: بحر العرب، بحر عمان، والخليج العربي؛ وبذلك تُعتبر السلطنة دولة بحرية بامتياز، وهذا له انعكاسه على السكان؛ إذ يري الجغرافي محمد السمّاك في كتابه الجغرافيا السياسية المعاصرة، في صفحة 49 أن سكان السواحل يتمتعون بالنظرة العالمية، ويتسمون بانطلاقهم الحضاري وتقبلهم لكل جديد، فهم على اتصال وثيق بكل المستجدات العالمية، وهذه الرؤية الجغرافية للسمّاك صالحة لتفسير سبب انفتاح الناس في سلطنة عُمان على الثقافات المختلفة بدون تعصب بحكم أنهم من سُكان السواحل. واستقبلت عُمان أيضاً باعتبارها دولة معبر بين قوى أقليمية مثل الهند ودول شرق أفريقيا ودول الخليج وإيران؛ هجرات بشرية جاءت إليها بأديانها وثقافتها واندمجت مع شعبها ورحب بهم العمانيون، وهذا ساهم انفتاح عُمان على الإقليم المحيط بها ديمغرافياً وجيوثقافياً.





ثانياً: التجربة التاريخية العميقة

امتدت الإمبراطورية العُمانية تاريخياً لتشمل مناطق متعددة في شرق أفريقيا خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، وقد فرضت هذه الإمبراطورية وجودها البحري في المحيط الهندي، وأقامت علاقات سياسية مع القوى العظمى في ذلك الوقت مثل البرتغال وبريطانيا، وحكمت شعوباً في شرق أفريقيا، وقدمت تجربة في بناء أنظمة التسامح الاجتماعي وفق تقليد سلطاني؛ إذ عرف المجتمع الأفريقي المجالس السلطانية التي كان يعقدها الحكام البوسعيديون ‏للتعرف إلى مشاكل الرعية من قرب ولسماع الرأي في ما يتعلق بمصالح الجميع، وكان ‏لكل فرد حق حضور هذه المجالس التي كانت تعقد في يومي الجمعة والإثنين من كل ‏أسبوع، ومن حق كل مواطن أن يطلب لقاءً منفرداً مع السلطان إذا كان لديه مطلب ‏خاص يجد حرجاً في عرضه أمام الجميع، وتوارثت النخبة السياسية العُمانية هذه التقاليد المتسامحة؛ إذ ورد في كتاب "جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار" للمؤلف الشيخ سعيد بن علي المغيري مجموعة من الأوامر السلطانية في فترة حكم السلطان سعيد بن سلطان (1807 – 1856) تقضي بعدم التمييز بين المذاهب والسماح لكل أتباع مذهب بالتقاضي وفق مذهبهم وشريعتهم الخاصة.


ثالثاً: التكوين المذهبي المنحاز للاستقرار

انتشار المذهب الإباضي بين سكان عُمان ساهم فى انتشار قيم التسامح؛ إذ يتسم هذا المذهب بحسن تقدير العواقب والمآلات، بحسب الباحث في مقارنة الأديان محمد عبد العاطي الذي يرى أن للمذهب الإباضي السائد في عُمان دوراً في شيوع حالة من السلام والتسامح في المجتمع، كما يُضاف إلى ما تقدم القناعة الدينية لدى عمانيين بحديث شريف، جاء في صحيح مسلم في باب فضائل أهل عمان برقم 2544، نصّه "عن أبي برزة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجلا إلى حي من أحياء العرب فسبّوه وضربوه، فجاء إلى رسول الله فأخبره، فقال رسول الله: "لو أن أهل عمان أتيت ما سبّوك ولا ضربوك" في ترسيخ التسامح كقيمة دينية وثقافية ملازمة للشخصية العُمانية لا بد أن تحرص عليها الأجيال.

وقد نتج عن التقاء المذهب الإباضي بالخصوصية الجغرافية للسلطنة هوية عُمانية جامعة حسب ما يراه الباحث في الفكر السياسي الإسلامي، مصطفى عاشور؛ إذ تعتبر السلطنة تشكيلا سكانيا وسياسيا قديما متمايزا عن محيطه القبلي والعشائري وهو ما ساعدها في امتلاك هوية مبكرة وذات استقرار مما ساهم بشكل كبير في ابتعادها عن أحد أهم الأزمات المنتجة للإرهاب ألا وهي أزمة اضطراب هوية المجتمع.

رابعاً: وجود نظام سياسي واعٍ

ساهم الوعي السياسي في استقرار السلطنة؛ فبعد نجاح السلطنة في إنهاء التمرد المُسلح في إقليم ظفار عام 1975، وعلى الرغم من خروجها منتصرة إلا أنه جرى تبني مبدأ العفو الشامل عن المتمردين، حتى دمج العديد من المعارضين ليصبحوا جزءاً من الحكم.

وقد التزمت السياسة الخارجية العُمانية بجملة من الضوابط ساهمت في إبعاد السلطنة عن نقاط التوتر والاشتباك، وبالتالي احتمالات تعرضها للإرهاب منها، عدم التورط في أي شكل من أشكال التدخل العسكري، بصرف النظر عن الذرائع والأسباب، فسلطنة عُمان لم تشارك في أي عملية عسكرية خارج حدودها إلا في حرب تحرير الكويت عام 1991، بالإضافة إلى الابتعاد عن الاستقطاب إذ تحرص السياسة العُمانية على عدم الانحياز لطرف ما في بؤر الصراع الداخلية، بما جعل السلطنة قادرة على القيام بدور الوساطة في العديد من القضايا الإقليمية والعالمية.

يتضح لنا في الختام أن ابتعاد شر الإرهاب والتطرف عن سلطنة عُمّان جاء نتاج مجموعة من العوامل الجغرافية والتاريخية والثقافية والسياسية المتداخلة، ولكن العامل الأبرز والأهم يتمثل في وعي النخبة السياسية والثقافية والدينية العُمانية وانحيازها لمبدأ التسامح وعدم التعصب.

دلالات