يتحسر الصائغ المغربي عبد الأحد الذهايبي، على كساد تجارته التي يمارسها منذ عشرين عاما، "بسبب آفة الذهب المغشوش من طرف منتحلي المهنة، ما أدى إلى تراجع مبيعات المهنيين الحقيقيين"، كما يقول بينما يقف قبالة محله في إحدى قيساريات (مجموعة متاجر متخصصة ببيع الحلي في مبنى واحد) حي يعقوب المنصور بالرباط.
ويرجع الذهايبي وزملاؤه انتشار الذهب المغشوش إلى تزوير أختام الذهب ما يسهل عملية التلاعب في مكونات عيار الذهب المستهدف، وهو ما تعمل الإدارة العامة للجمارك والضرائب غير المباشرة، على مواجهته بسبب استغلال تلك الأختام في ترويج قطع ذهبية مهربة ومغشوشة إلى المغرب، بحسب الباحث في الاقتصاد الاجتماعي بجامعة مكناس أنور المحمدي والذي لفت إلى خطورة الظاهرة، التي يمكن رصد تناميها عبر توثيق عمليات عناصر إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي، إذ أحصت الإدارة إحباط أربع عمليات لإغراق السوق بالذهب المغشوش في مدن مختلفة، وتم خلال تلك العمليات حجز 97 كيلوغراماً، آخرها في التاسع والعشرين من يناير الفائت بعدما ضبط رجال إدارة الجمارك 24 كيلوغراماً من الذهب المزور.
التلاعب بمكونات الذهب
يسرد الأربعيني الذهايبي، أبرز طرق الغش في الذهب التي تورط فيها بعض من سماهم بعديمي الضمير المهني، قائلا "أولها خلط الذهب بنسب من النحاس أكبر من المعايير المطلوبة، موضحا أن أغلب الذهب المباع في المغرب هو من عيار 18، ويحتوي الذهب القانوني على ثلاثة أرباع من الذهب الخاص، والربع المتبقي يكون نحاسا".
وبحسب الصائغ المغربي، فإن الغش في الذهب يتم بإضافة كمية أكبر من النحاس و"النقرة"، أي الفضة المذابة، خلال مرحلة صهر الذهب، في ورش سرية يعرفها المتورطون في تلك العمليات، والمستهدفون من قبل الأمن المغربي والذي يعمد إلى حجز ما فيها واعتقال المتورطين بالتزوير.
ويكمل الصائغ حديثه بأن هذه الطريقة تتوزع عبر مراحل تبدأ في تقطيع المزور سبيكة الذهب من وزن كيلوغرام واحد إلى خمس قطع، كل جزء فيه 200 غرام، ويقوم بإذابة هذه القطعة بواسطة الحرارة وبعد إكمال الذوبان يتناول 50 غراما من الفضة و150 من النحاس يذابان، قبل أن يوضع كل واحد على حدة في الفرن الذي يحوي سبيكة الذهب، ويتم تقليب المزيج للحصول على سبيكة الذهب مختلطة بالفضة والنحاس.
ويقر بهذه الطريقة عامل سابق في ورشة للذهب، رفض الكشف عن هويته حتى لا يضر تجارته، قائلا لـ"العربي الجديد" إن المعامل السرية تكون في الغالب عبارة عن "كراجات" أو محلات تبدو في الظاهر كأنها مخصصة لبيع بعض اللوازم أو السلع، تكون في خلفية المحل أو في "السدة" (طابق فوقي للمحل التجاري) ورشة تضم المعدات التي تتيح القيام بعملية غش الذهب".
ووفق المتحدث فإن عملية خلط الذهب بمعادن أخرى مثل الفضة أو النحاس يزيد وزن السبيكة الذهبية، ليتم بيعها بثمن مرتفع وفق الأوزان المعمول بها للسبيكة والتي تبدأ من 5 كيلوغرامات، مشيرا إلى مصدر المعادن التي يتم خلطها مع الذهب في مرحلة التسييح والتذويب، عبارة عن قطع نقدية قديمة تضم النحاس والفضة تتم إذابتها وصهرها مع قطع الذهب".
وتوفر تلك الورش أرباحا مادية كبيرة للمزورين، إذ إن السبيكة الذهبية بوزن 100 غرام تباع بسعر يقارب 2950 درهماً (322 دولاراً) (سعر الغرام 295.18 درهماً أي 32.10 دولاراً)، وبعد خلطها بمعادن من النحاس أو الفضة قد لا يصل ثمن الذهب الحقيقي فيها إلى 1470 درهما (160.48 دولارا أميركيا)، وكل ما تبقى من أموال يذهب إلى جيوب المعنيين بعملية الغش من عمال وصاغة أيضا، وفق ما يوضحه لـ"العربي الجديد" الباحث أنور المحمدي.
وتابع المختص ذاته بأن مجال الغش في الذهب واسع وأرباحه المالية لا تُحصر، وقد تتشكل من أجلها شبكات كاملة ومنتظمة تتكون من العاملين في التزوير بالخلط أو تقليد "الطبعة" (الدمغة)، ومن بعض الباعة وصاغة الذهب ومن العاملين على استيراد الفضة والنحاس بأرخص الأثمان، ليذهب نصيب الأرباح إلى كل جهة حسب الجهد والمخاطرة.
غشّ الدمغة
طريقة أخرى لتزوير الذهب في المغرب يكشف عنها الصائغ الخمسيني إسماعيل والذي يعمل في حي التقدم بالرباط، بعد أن اشترط عدم الكشف عن اسمه الكامل، "لأنه حتى لو أنه لا يقترف هذا التزوير، كونه تاجراً محترفاً ذا ضمير، فإن مجرد الحديث بوجه مكشوف عن هذا الموضوع قد يؤدي إلى فقدان الثقة بينه وبين زبنائه، والثقة هي جوهر علاقة الزبون بالصائغ وبائع الحلي" وفق تعبيره.
ويقول إسماعيل لـ"العربي الجديد" إنه يمكن للمتخصصين في غش الذهب أن يقلدوا دمغة الجمارك، وهي دليل الترخيص الحكومي والتي تؤكد احترام صانع الذهب للمعايير القانونية، مضيفا أن الاسم الشائع في المغرب لتقليد الدمغة هو "المسمار"، إذ يستطيع المزور تقليد الدمغة وغش عيار الذهب وبيعه لعدد من الصاغة وللزبائن على أساس أنه خاضع للقوانين.
ويزيد المتحدث بأن عملية تقليد دمغة الذهب الرسمية تتم في أوراش متخصصة، ويقف وراءها ماهرون في التقليد والتزوير بآليات معدة لهذا الغرض، مشيرا إلى أنه بعد تقليد الدمغة على الذهب قد يبيع المزور بضاعته مباشرة إلى المستهلكين، أو يقوم ببيعها، وهذا هو الأغلب، لباعة الذهب الذين لا يستطيعون التفريق بين دمغة الجمارك و"المسمار" المزور في أحيان كثيرة.
ويلتقط خيط الحديث محماد ألحيان، منسق جمعية تجار الذهب بتزنيت جنوبي المملكة، موضحا أن حالات الغش في الذهب التي لا يتم ضبطها وحجزها تساوي ضعف التي يتم ضبطها، مقدرا معدل حالات حجز الذهب المزور بخمس حالات في الشهر كمعدل متوسط يصل إلى علم الجمعية.
وبحسب المتحدث، فإن جمعية التجار كونها تمثل هذه الفئة من المهنيين، وتدافع عن حقوقهم المشروعة، تطالب بتطهير القطاع بأفضل الطرق المتاحة لوقف أي كساد في تجارة الذهب لعدة عوامل، منها انتشار آفة الغش في المعدن النفيس، ما بات يدفع الكثيرين إلى اللجوء إلى الفضة أو "البلاكيور" (الذهب القشرة) لانخفاض ثمنه.
وتابع أن البائعين وأصحاب محلات بيع الحلي والذهب لا يتحملون مسؤولية الغش في الذهب من طرف بعض مزوري الدمغة، لأنهم لا يستطيعون التفريق بين الدمغة الجمركية والمقلدة، باعتبار أنه ذلك يحتاج إلى آلات ومعدات وخبرة لا تتوفر لدى أغلب الصاغة، قائلا "تاجر الذهب مظلوم في كثير من الأحيان، إذ تحجز السلطات بضاعته عند اكتشاف ذهب مغشوش في محله، لكونه غير محمي من هذا التزوير الذي يطاوله أولا عندما يشتريه من مزوديه بالبضاعة الثمينة، وأقترح تدريب الصاغة على رصد التزوير".
قانون الجمارك
يكشف أحدث تقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي في فبراير/ شباط الماضي عن وقوع المغرب في المرتبة الحادية عشرة عربياً لاحتياطي الذهب، إذ يمتلك 22 طنا من الذهب تُقيّم بـ 910 ملايين دولار.
وللتعرف أكثر إلى القوانين التي تؤطر موضوع غش الذهب، اتصل "العربي الجديد" في إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة التي أحالتنا على عدد من الفصول بمدونة الجمارك والضرائب، منها الفصل 46 والذي ينص على أن المصوغات من البلاتين أو الذهب أو الفضة لا يمكن أن تكون ذات عيار أقل من الحدود الدنيا المبينة في الفصل 51.
وينص الفصل 51 على أن "هناك 3 عيارات للذهب، الأول 920 في الألف، والعيار الثاني 840 في الألف، والعيار الثالث 750 في الألف، مع اعتبار أن عيار المصوغ هو كمية البلاتين أو الذهب أو الفضة التي يحتوى عليها، معبرا عنها بأجزاء من ألف، فيما يشير فصل آخر إلى أن "وضع دمغات الضمانة يروم التعريف بالعيار الذي رتب فيه المصوغ".
ويفيد قانون الجمارك في الفصل 52 بأنه "إذا شك المكلف بالاختبار لدى مكتب الضمانة الجمركى في أن مصوغ الذهب المقدم له في شكل مصوغ متجانس العناصر محشو بمادة غير المادة الثمينة أو بمادة يقل عيارها عن الحدود الدنيا المأذون فيها، ينبغي له أن يكسر هذا المصوغ بحضور مالكه"، ويردف النص القانوني أنه "إذا تأكد الشك قامت الإدارة بحجز المصوغ المذكور بصرف النظر عن العقوبات المستحقة".
تداعيات الحجز
تهتم السلطات الجمركية والأمنية في المغرب بكشف مزوري الذهب، إذ يقع بين الفينة والأخرى متورطون في تزوير المعدن النفيس، وفق ما تنشره بلاغات الأمن والجمارك، آخرها ما حصل نهاية فبراير/شباط الماضي بعد أن حجزت الجمارك بأغادير 28 كيلوغراما من الذهب المزور داخل محلين لبيع الحلي بإحدى القساريات.
بلاغ الجمارك سوغ هذا الحجز بعدم توفر التجار على فواتير تبرر دخول كمية الذهب إلى البلاد، وعدم توفرهم على معايير تثبت خضوع هذا الذهب لأداء الرسوم المفروضة على استيراد تلك الكمية، فيما حجزت جمارك مدينة طنجة قبل أيام 34 كيلوغراما من الذهب المزور، وفككت جمارك البيضاء، مؤخرا، عصابة تروج ذهبا مزورا بدمغة مقلدة تشبه دمغة الجمارك، وهو ما يقيمه الباحث في الاقتصاد الاجتماعي بجامعة مكناس أنور المحمدي، بـ"العامل الحاسم في إرجاع هيبة معدن الذهب ودعم الثقة التي باتت تتآكل بين الصائغ والزبون"، مضيفا أن التعامل بالذهب حساس جدا، لكون الصائغ بمجرد أن يتعرض لحجز سلعته إذا ما تم الشك فيها فإن سمعته في سوق الذهب تنهار، والزبائن ينفضون من حوله بينما يتأثر سوق الذهب المحلي تدريجيا.
ويوافق محماد ألحيان الباحث المحمدي على أن دور الجمارك صمام أمان لضمان جودة سلعة الذهب، وصون الاقتصاد الوطني من الهزات"، مستدركا بأن التاجر يبقى الحلقة الأضعف في الدائرة، لكونه يظهر في واجهة الاتهام بالتزوير، في الوقت الذي يمكن أن يكون ضحية أيضا، داعيا إلى محاربة الغش في المنبع عبر إنهاء عمل الورشات والمعامل السرية لتزوير الدمغة والتلاعب في العيارات".