الفساد في أفغانستان... وظائف حكومية للبيع في مقابل الـ"شيريني"

10 أكتوبر 2017
محاكمات لمتورطين في قضايا الرشوة المستشرية في أفغانستان (Getty)
+ الخط -
يبدي النائب في البرلمان الأفغاني عبد الجبار قهرمان تشاؤماً من مستقبل بلاده جراء انتشار الفساد في مفاصل الحكومة الأفغانية، في ظل عجز البرلمان عن مواجهته، "بل والتورط فيه" كما يقول، مستطرداً "الجميع صار متعايشاً مع ممارسات بيع الوظائف في مقابل الرشى، بدءاً من الوزراء وحتى صغار الموظفين في مختلف إدارات الدولة".

مخاوف البرلماني قهرمان لها ما يبررها، وفقاً لما قاله الشاعر ووزير الإعلام السابق عبد الباري جهاني، والذي اتهم النائب السابق لرئيس البرلمان حاجي ظاهر قدير بطلب 150 ألف دولار أميركي منه، حتى يتمكن من الحصول على رأي الاعتماد "نيل ثقة البرلمان"، وفقا لما جاء في مقال له نقلته الصحف الأفغانية في يونيو/ حزيران الماضي عن صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".

وبحسب الوزير جهاني فإن ظاهر قدير الذي كان يرفع صوته ضد الفساد وينتقد الحكومة دعا عدداً من المرشحين للوزارة إلى مأدبة عشاء، وأثناءها تحدث معهم حول مدى تعقيد الأمور داخل البرلمان وصعوبة نيلهم "رأي الاعتماد"، وأن كل واحد منهم بحاجة إلى دفع 150 ألف دولار، وهو ما رفضه قائلا "إنه لم يفكر في الأمر حتى".


تعيين 400 موظف مقابل المال

في يونيو/ حزيران الماضي، تعالت الأصوات داخل البرلمان ضد استفحال ظاهرة تعيين الموظفين مقابل الرشى، وتبادل برلمانيون اتهامات بالفساد طاولت همايون همايون، نائب رئيس البرلمان، والذي اتهم بدوره المسؤول الإداري للبرلمان خداي نظر صديقي بـ"تعيين العشرات في إدارات مختلفة في مقابل المال"، الأمر الذي استدعى إحالة الوقائع التي تناولها النائب همايون إلى مكتب المدعي العام لمتابعة القضية والتقصي حولها، وبالفعل أكد محققون بالمكتب في يوليو/ تموز الماضي تورط صديقي في تعيين 400 موظف في مختلف الوزارات بعد إجبارهم على دفع أموال طائلة، ليتم اعتقاله وإحالته إلى المحكمة التي بدأت في إجراءات متابعة القضية. وهو ما يراه محمد زاهد، نائب مدير إدارة الإنشاء في البرلمان (كيان إداري مخصص لشؤون البرلمان) أمرا طبيعيا؛ بسبب تعاظم نفوذ البرلمانيين في ما يتعلق بتوظيف المسؤولين، إذ إن الوزراء يخشونهم، ما يجبرهم على الإصغاء لمطالبهم، وهو ما يوافقه فيه الإعلامي الأفغاني المتابع لقضايا الفساد علام زيب شيرزاد، قائلاً إن "الحكومة تحتاج إلى البرلمان منذ أول يوم، حتى تنال الثقة بوزرائها، ومنذ هذا الوقت تبدأ المساومات ولا يستطيع الوزراء الوقوف في وجه البرلمانيين وهو ما يفاقم الظاهرة التي اتسع نطاقها في عهد حكومات الرئيس السابق حامد كرزاي التي استمرت 12 عاماً بدأت في عام 2001".

ويتوافق رأي زاهد وشيرزاد مع دراسة صدرت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي عن مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية الأفغاني، إذ حددت الدراسة أسباب انتشار الفساد في ضعف الإدارة في الحكومة، وانعدام الإرادة الحازمة السياسية لاستئصال الفساد، ودعم المافيا وذوي النفوذ لرواد الفساد داخل وخارج الحكومة، ووجود دعائم قوية للمتورطين في الفساد، والدفاع عن المفسدين بدافع الانتماء العِرقي واللغوي، وعدم الشفافية في المحاسبة، وعدم التنسيق بين المؤسسات العاملة في مجال مكافحة الفساد، الأمر الذي يتطابق مع وقائع قضية اختلاس أموال بنك كابول، إذ كشف مسؤولو البنك في التحقيقات، أن موظفين جرى تعيينهم من قبل المتورطين في نهب أموال البنك، ساعدوا برلمانيين مثل النائبة شكرية باركزاي في الاستيلاء على أموال البنك الذي أسس في عام 2004 ويعد أكبر بنك خاص في أفغانستان، كما يقول شيرزاد.

وجاءت أفغانستان في المركز 166 من أصل 188 دولة تواجه الفساد، بحسب التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية، إذ يضطر ستة مواطنين من أصل عشرة إلى دفع رشاوى لتسهيل المعاملات الحكومية، وتؤكد دراسة مركز الدارسات الاستراتيجية والإقليمية أنه، قبل عقدٍ ونصف العقد عندما دخلت القوات الأجنبية أفغانستان وتسلمت الحكومة الجديدة زمام السلطة، تدفق دعم المجتمع الدولي على أفغانستان لإعادة إنشاء البلد، وفي غياب المراقبة والمحاسبة وعدم وجود الشفافية في الآليات أدى تدفق مليارات الدولارات إلى انتشار ظاهرة الفساد في البلد إلى الحد الذي جعل أفغانستان تحتل المركز الأولى في قائمة الدول التي ينتشر فيها الفساد حول العالم.

ثمن الوظيفة

يختلف ثمن الوظائف العمومية بحسب أهميتها وإمكانية جمع المال من خلالها، وبالطبع يحدد السعر وفقاً لما يتم الاتفاق عليه بين الطرفين، بحسب الخبير في الشؤون الإدارية محمد شاكر محبي، والذي أكد أن استرداد قيمة ما دفع من رشوة إلى المسؤول يتم في مختلف الحالات التي وثقها، عبر تورط الموظف الجديد في الفساد لاسترداد ماله، خاصة أن العديد منهم يلجأ إلى الحصول على قروض، وهو ما حدث في قضية التاجر غل مراد الذي دفع المال اللازم لحاكم إقليم ننجرهار المستقيل سليم خان قندوزي حتى يتولى وظيفته.

ويروي راغب خان، الموظف في الحكومة المحلية بإقليم ننجرهار شرقي البلاد، أن الحاكم المستقيل في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كان يعمل في وزارة الزراعة واستطاع الوصول إلى مسؤول برلماني أمّن له الحصول على منصب والي ننجرهار، لكن في المقابل كان عليه دفع 100 ألف دولار ولم يكن أمامه سوى التاجر غل مراد، أحد أمراء الحرب في شرق أفغانستان، والذي لم يتردد لحظه ومنحه 150 ألف دولار، على أن يدفع منها 100 ألف للبرلماني والباقي يبقى معه لاحتياجاته، ومن بعدها بدأ في الاستيلاء على الأراضي الحكومية ونيل حق إنشاء جميع مشاريع التنمية داخل مدينة جلال أباد عاصمة الإقليم، بالإضافة إلى مشاريع توفير الوجبات الغذائية لقوات الشرطة والجيش.

ولا تقتصر أضرار بيع الوظائف عند هذا الحد، إذ تنتشر ثقافة الرشوة في المجتمع ويتم تغييب الكفاءات لصالح من بيدهم المال ما يولد كثيراً من المفاسد الاجتماعية، كما يقول محبي الخبير في الشؤون الإدارية.

تورط مختلف الإدارات في بيع الوظائف

مطلع العام الجاري أجرت وزارة التعليم الأفغانية امتحاناً شاملاً لتعيين معلمين جدد في المدارس، بمشاركة مئات من المعلمين والذين فوجئ من تجاوز الاختبار منهم بأن عليهم دفع مبالغ تراوح بين 35 ألف أفغاني (500 دولار) و70 ألف أفغاني (1000 دولار) إلى مسؤول في الوزارة أخبرهم بأن هذا المبلغ يعد "شيريني" (اسم متداول في أفغانستان للرشى المقدمة للموظفين) وإلا سيحل محلهم آخرون، كما يقول المعلم رسول خان، والذي يعمل في مديرية باغرام بمقاطعة باروان شمالي أفغانستان، متابعاً لـ"العربي الجديد": "لا ندري مقابل أي شيء يأخذ منا المسؤولون هذا المبلغ بعد أن نجحنا في الامتحان".

كذلك الحال في مختلف الدوائر الحكومية، إذ اعترف الرئيس الأفغاني أشرف غني في إبريل/ نيسان من عام 2015، أن الفساد في التوظيف موجود في وزارة الداخلية وأن الوظائف في إدارتها تباع وتشترى، وهو ما تؤكده حادثة المهندس الأفغاني الشاب أرشد محمود، والذي اضطر إلى دفع رشوة 100 ألف أفغاني (1463 دولاراً أميركيا) لمسؤول في إدارة بطاقات الهوية الإلكترونية التابعة لوزارة الداخلية من أجل أن يحظى بوظيفة، على الرغم من توفر كل المؤهلات المطلوبة فيه، إذ تخرج في قسم هندسة الحاسوب من جامعة بريستون الباكستانية في إسلام أباد، كما نجح في اجتياز الاختبار الذي أجرته الإدارة للمتقدمين لنيل الوظائف التي أعلن عنها، غير أن طلب توظيفه توقف، ولدى استفساره عن السبب لم يجد من يرشده إلى حل مشكلته، وسرعان ما فهم السبب بعد أن تلقى اتصالاً هاتفياً أخبره فيه أحد مسؤولي الإدارة بأنه بحاجة إلى موافقات على طلب توظيفه وأن بإمكانه إنجازها غير أنها تحتاج إلى دفع "شيريني"، وإلا فإن ثمة أناساً غيره قد تقدموا للوظيفة يمكنهم الدفع ونيلها بدلاً منه.


مساعٍ حكومية لمواجهة الظاهرة

يؤكد تقرير "مكافحة أفغانستان: ساحة المعركة الأخرى"، الصادر عن الأمم المتحدة في إبريل/ نيسان الماضي أن الفساد يشكل "عقبة كبيرة" في أفغانستان، إذ إن جهود مكافحة الفساد الجارية "لم تؤثر بعد على حياة معظم الأفغان" بحسب التقرير الذي اعترف أن الحكومة أحرزت تقدماً، خاصة بعد أن تعهدت حكومة الوحدة الوطنية الأفغانية، "بمكافحة الفساد قبل كل شيء" بعد تشكيلها في مارس/ آذار من عام 2015.

واتخذت الحكومة الأفغانية خطوات عدة لمكافحة الفساد، من بينها عقد اختبارات توظيف من قبل كل جهة إدارية للمرشحين للعمل فيها بعد الإعلان عن الوظائف المتاحة، غير أن "مافيا الفساد وأمراء الحرب المتجذرين في أروقة النظام ساهموا في إبطاء مساعيه، إذ يطلبون مبالغ مالية من الناجحين"، كما تقول منيرة يوسف زاده المتحدثة باسم إدارة الحكم المحلي في كابول، مشيرة إلى أن الظاهرة لا تزال موجودة، ولكن الأمور تحسنت على حد قولها، مع إقرارها بالحاجة إلى مزيد من العمل، مضيفة أن "عشرات القضايا تمت إحالتها إلى المحاكم وفيها متورطون بعضهم من جنرالات في الجيش ووزارة الدفاع، على خلفية الفساد وتعيين موظفين مقابل المال".

وتابعت "الحكومة تستعين بالاستخبارات للوصول إلى الضالعين في الفساد، تحديدا في هذا النوع من الفساد، والذي تعد مقاومته من أهم أهدافها، غير أنها ورثت كثيراً من المشاكل التي تحتاج وقتاً لحلها" على حد قولها.