السياحة العلاجية العربية[3/4]..الاستشفاء يعوّض تونس عما فقدته بسبب الإرهاب

03 أكتوبر 2015
محاولات تونسية حثيثة لجذب السائحين الخليجيين علاجياً (Getty)
+ الخط -
تعاني السائحة الفرنسية، إليزابيث، من أمراض العظام والمفاصل، ما جعلها تزور معتمدية "قربة" في ولاية نابل، شمالي تونس، للعلاج بعد أن وجدت في السياحة الطبية أملاً في الشفاء من مرض لازمها عشرات الأعوام، إذ ساعدها العلاج بمياه البحر على تحسن حالتها الصحة.
لا تختلف حكاية إليزابيث عن قصص عديد من السياح من جنسيات فرنسية وسويسرية وإيطالية عانوا من أمراض المفاصل والجهاز التنفسي والحلق والحنجرة والإحساس المتواصل بالتعب والتوتر النفسي والأرق، ممن يقدمون على تونس سنوياً من أجل الحصول على علاجات الاستشفاء بمياه البحر.

اقرأ أيضا: "زواج المصلحة"يجمع شبكات التهريب و"الإرهاب" في المغرب العربي

سياحة العلاج بالمياه

يعود تاريخ العلاج بالمياه في تونس إلى عصر الرومان، وشهدت السياحة العلاجية والاستشفائية، وتحديداً سياحة الاستشفاء بمياه البحر وبالمياه العذبة والساخنة تطوراً ملحوظاً في تونس، إذ يستقطب هذ النوع من السياحة ما يفوق الـ 200 ألف سائح سنوياً من مختلف الجنسيات، أي ما يعادل مليوني ليلة سياحية، وحافظت تونس على كونها ثاني وجهة عالمية للعلاج بمياه البحر وبالمياه المعدنية مباشرة بعد فرنسا.

تتمتع تونس بـ 95 منبع ماء معدني منها 65 منبع ماء ساخن إضافة إلى 50 مركزاً للعلاج بمياه البحر، وتعتبر مناطق قربص، وحمام بورقيبة، وجبل الوسط، وزغوان، وحمام بنت الجديدي، والخبايات، وشانشو بحامة قابس، من أشهر المحطات الاستشفائية التي يزورها السياح. وتعمل تونس حالياً على تنويع وتطوير منتوجاتها الاستشفائية وفق مفهوم عصري يستجيب إلى الأبعاد الوقائية والعلاجية للمياه، بعيداً عن المفهوم التقليدي الذي كان يقوم على استعمال هذه المياه للاستجمام فحسب، وتحرص في هذا الإطار على تدعيم المحطات بالتجهيزات الضرورية واستخدام أحدث تقنيات المعالجة وتطعيمها بإطارات طبية كفؤة بشكل يضمن تلبية حاجيات المتوافدين عليها في أفضل الظروف، وفق ما قال المدير العام للديوان الوطني للمياه المعدنية والاستشفاء بالمياه ونائب رئيس المنظمة العالمية للاستشفاء بالمياه وعلم المناخ رزيق الوسلاتي.

وقال رزيق الوسلاتي في تصريحات خاصة إلى "العربي الجديد": "إن تونس تعتبر رائدة في مجال الاستشفاء بمياه البحر وبالمياه العذبة والساخنة". وتابع أن "تونس تعتبر البلد الوحيد في العالم الذي لديه هيكل حكومي يهتم بالعلاج بالمياه والاستشفاء؛ وهو الديوان الوطني للمياه المعدنية والاستشفاء بالمياه"، معتبراً أن تأسيس الديوان ساهم في هيكلة القطاع ضمن نصوص قانونية وشروط تتماشى مع جودة الخدمات المقدمة على مستوى العالم.

وأضاف المدير العام "الله وهب تونس ثروات طبيعية ومياهاً عذبة جعلت من محطاتها العلاجية فريدة من نوعها، ومثلاً محطة قربص تحتوي على مياه البحر وعلى المياه الساخنة في نفس الوقت، وهو ما يجعلها نادرة". واعتبر أنه في ظلّ امتداد شريط ساحلي على طول 1200 كلم، وتوفر مياه بحر نقية فإن العلاجات الطبية التي تقدم للمرضى، تكون وفق مواصفات عالمية.

الحرص الكبير على جودة الخدمات الاستشفائية جعل تونس تحصل مؤخراً على شهادة المواصفة العالمية رقم 17680 الخاصة بأنظمة الجودة في الاستشفاء بمياه البحر، وتعتبر وسيلة مهمّة من وسائل التسويق على المستوى الوطني والدّولي.

وأشار الوسلاتي إلى أن المقبلين على السياحة الاستشفائية خلال الأشهر المنقضية منذ بداية عام 2015 هم من الجزائريين والتونسيين، إذ بلغ عددهم المليون ونصف المليون، ما مكن من إنقاذ الموسم، موسم السياحة التونسية، والذي تضرر بفعل الإرهاب.

وعن الشرائح العمرية التي تزور تونس من أجل سياحة الاستشفاء، قال الوسلاتي، "أغلبهم من كبار السن ثم يليهم الكهول والشباب، ويتصدر الفرنسيون والروس والسويسريون والإيطاليون قائمة الوافدين على تونس ثم يأتي الجزائريون والليبيون والمغاربة وقد وصل العدد الإجمالي في 2014، بحسب إحصاءات رسمية، إلى نحو 106902 وافد للعلاج بالمياه، ويعتبر الألمان الأقل حضوراً؛ لأن اهتماماتهم تتجه إلى العلاج بالمياه الحارة أكثر من مياه البحر".

وأشار الوسلاتي إلى أن إقبال دول الخليج لا يزال ضعيفاً؛ لأن تونس ليس لديها فضاءات تتلاءم وحاجيات هذا السوق، مبيناً أن لديهم مشروعاً قريباً في عين أقطر، سيكون مخصصاً لاستقبال العائلات الخليجية من حيث الهندسة المعمارية والخدمات، كذلك لفت إلى وجود مشاريع عدة في مجال الاستشفاء بالمياه في الأفق، ستشمل محافظات بنزرت والشريط الساحلي عموماً، ما يساهم في فتح المجال لتوسيع سوق السياحة العلاجية والاستشفائية في تونس، في محاولة لمواجهة النزيف السياحي الذي تعرضت له تونس بسبب الإرهاب.

اقرأ أيضا: شواطئ الجزائر.. عصابات تفرض إتاوات على المصطافين

الطب الوقائي

يرى مختصون من الأطباء أن الاستشفاء بالمياه يساعد في الطب الوقائي، والذي يوفر نفقات مهمة من حيث الحدّ من نفقات الأدوية ومن كلفة الإقامة في المستشفيات، ويساهم في نمو الاقتصادات أيضاً، إذ يساهم الاستشفاء في تحسين مؤشر أمل الحياة وتتقلص نفقات التداوي، ويندرج الاستشفاء بمياه البحر ضمن منظومة صحية قوامها الوقاية خير من العلاج؛ لذلك يعتبر الاستشفاء بالمياه صمام الأمان للسلامة الجسدية والراحة النفسية، كما يرى الدكتور والخبير في العلاج بالمياه والتجميل محمد التليلي، والذي قال في تصريحات خاصة إلى "العربي الجديد": "حان الوقت للانتقال من التركيز على السياحة العادية إلى التركيز على السياحة الطبية والاستشفائية التي تمثل سوقاً واعدة بل هي مستقبل السياحة في تونس".

وأكدّ التليلي أن ما يميز تونس هو الابتكار في العلاجات والطرق العلاجية الحديثة واليد العاملة المختصة المشهورة بكفاءتها، وذكر الخبير في العلاج الاستشفائي أنه سيجري في نهاية شهر سبتمبر/أيلول افتتاح أضخم محطة استشفائية في أفريقيا والعالم العربي في جزيرة الأحلام جربة، وبيّن أن هذه المحطة ستقدم أكثر من 1700 جلسة علاج في اليوم، وتضم مركزاً متطوراً لتقويم الأعضاء وآخر متخصصاً للفرق الرياضية.

وأوضح التليلي أن المحطة تضم أغلب وأحدث العلاجات الموجودة في تونس وحتى في الخارج، وتركز على مداواة أمراض الجهاز التنفسي والروماتيزم وأمراض المفاصل والعظام والجلد، بالإضافة إلى مصحة متعددة الاختصاصات لعلاج مشاكل الإنجاب والسمنة وأمراض الجهاز العصبي، وذكر أن محطة جربة ستكون مؤهلة لذوي الاحتياجات الخصوصية من حيث توفير أحواض السباحة والنقل التي تلائم احتياجاتهم، وهو ما سيؤدي إلى جذب المزيد من السائحين من مختلف دول العالم.

ولفت الخبير المختص في العلاج الاستشفائي إلى أن إقبال الأجانب على السياحة الاستشفائية في تونس يرجع إلى انخفاض تكاليف العلاج مقارنة بالبلدان الأجنبية، إذ إن رعاية المسنين مكلفة جداً، وكذلك جراحة التجميل والعناية بالبشرة في الخارج، فيما تقل التكاليف بمقدار كبير في تونس مقارنة بدول أوروبا وأميركا.

وذكر أن أحواض المياه المعدنية الفريدة من نوعها في تونس، تعمل على مساعدة الجسم على امتصاص الأملاح المعدنية من خلال الجلد وتساهم في نمو أنواع من خلايا جسم الإنسان، إذ تدخل في بناء العظام، وتساعد في انقباض وانبساط العضلات، وتنظم التوازن داخل وخارج خلايا الجسم.

ودعا الدكتور التليلي إلى اختراق أسواق جديدة مثل السوق الإسبانية والسويسرية والقارة الأفريقية والكويت ودبي وقطر، إذ إن جلها يشكل سوقاً واعدة ويعول عليها العديد من المهنيين، لزيادة عدد السائحين القادمين إلى تونس، كما أنه يمكن العمل عليها كوجهات جديدة لتوسيع قاعدة العرض السياحي بشكل عام.

وتوافق الدكتورة سناء التومي، مالكة مركز علاج في قربة بولاية نابل، على الرأي السابق، إذ تزايد عدد السياح الفرنسيين من المرضى القادمين من أجل العلاج في تونس، وقالت في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": "التجارب أثبتت أن حالاتهم الصحية تحسنت بعد حصص من العلاج بالمياه؛ ولهذا أصبح كثير من السياح الأوروبيين يأتون مرتين للاستشفاء في تونس، كل عام، الأولى في شهر أبريل/نيسان والثانية في شهر أكتوبر/تشرين الأول.

وأوضحت التومي أن حصص العلاج تكون في حالات كثيرة مكملة للجراحة، وبالتالي فإن برنامج السائح القادم للاستشفاء في تونس، يكون بحسب الملف الطبي والحالة الصحية للمريض، كما أن العلاجات تختلف بحسب كل حالة وتراوح بين التدليك بالمياه، أو التداوي بالطحالب والأعشاب، وغيرها من العلاجات التي تقدم بشكل علمي بحسب احتياجات كل مريض.

وفق عديد المختصين في الاستشفاء بالمياه فإن عام 2016 زاخر بالمشاريع الجديدة في مجال السياحة العلاجية والاستشفائية، إذ سيتم خلال العام المقبل افتتاح مراكز استشفائية بالمياه الحارة في بني مطير وقربص وبولعابة وبرمجت تستهدف جلب كثير من الزيارات من سياح دول مثل الصين وروسيا، ما يجعل تونس تستعيد أنفاسها بعد ضربتي باردو وسوسة الإرهابيتين اللتين أدتا إلى سقوط عشرات القتلى وعزوف السياح عن زيارة تونس، وهو ما يعول عليه عدد من الخبراء في مجال الاستشفاء والعاملين في مهنة السياحة بمختلف تخصصاتهم، ممن يأملون في أن تكون السياحة الطبية رهان تونس مستقبلاً وبديلاً عن السياحة التقليدية التي شهدت تراجعاً حاداً هذا العام.

-------
اقرأ أيضا:
السياحة العلاجية العربية[1/4].."نفط الأردن" يعاني غياب الاستراتيجات
دلالات