رفضت أربع مدارس ابتدائية في مقاطعتي توجنين ودار النعيم شرقي وشمالي نواكشوط، قبول ابن الثلاثينية التاته بنت الجيلاني في فصولها الدراسية خلال العام الدراسي 2017/ 2018، رغم محاولاتها المستمرة منذ ثلاث سنوات، بسبب عدم حصولها على وثيقة الميلاد التي تصدرها مراكز الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة، والتي رفضت منح الوثيقة لطفلها، نتيجة عدم توافق الأسماء في بيانات الوكالة مع أوراق والده كما أخبروها.
ويُعد طفل التاته، واحدا من سبعة آلاف طفل من شريحة "الحراطين" ممن لم يستطيعوا الالتحاق بالمدارس، خلال العام الدراسي الماضي، نظرا لعجز أسرهم على تسجيلهم في الوكالة والحصول على وثيقة ميلاد من أحد مراكزها، وفق تأكيد إبراهيم ولد بلال رئيس هيئة الساحل للدفاع عن حقوق الإنسان ودعم التعليم والسلم الاجتماعي (منظمة مجتمع مدني) والذي قال لـ"العربي الجديد" إن "الحراطين إحدى فئات المجتمع الموريتاني التي عانت من العبودية وما تزال تعاني من آثار الاسترقاق، كهشاشة الوضع التعليمي ومحدودية فرص العمل".
وتُعتبر شهادة الميلاد من أهم الوثائق المطلوبة من أجل ولوج الأطفال المدارس العمومية وفق ما يوضحه محمد عالي ولد امخيرف، مفتش تعليم أساسي بوزارة التهذيب الوطني الذي قال لـ"العربي الجديد" إن "التقييد في سجل السكان مشكلة أطفال شريحة الحراطين وغيرهم من الأطفال من شرائح اجتماعية مهمشة".
محرومون من التعليم
يؤكد القيادي في ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين (منظمة مجتمع مدني) عبيد ولد إميجن أن عملية التقييد بيومتريا تفتقر لمعايير الشفافية والمساواة، ولا تتلاءم مع ظروف كافة الموريتانيين حديثي العهد بالاهتمام بالأوراق المدنية، وهو ما يوافق عليه الناشط الحقوقي في ميثاق حقوق الحراطين، الربيع ولد أدوم، موضحا لـ"العربي الجديد" أن التقييد في السجل الوطني للسكان في موريتانيا، عملية معقدة، إذ لم يتم تصميم مشروع السجل على أساس استيعاب جميع الموريتانيين.
وترد عضوة لجنة العدل والداخلية في البرلمان الموريتاني النائبة سعداني بنت خيطور بالقول: "الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة تعتمد نظام شجرة العائلة عند التقييد، أي أنه لا يمكن تقييد أي طفل بدون وجود رقم وطني لوالده وآخر لوالدته، وهذا طبيعي ومبرر بحد ذاته، وهو ما يقوله لنا المسؤولون في الوكالة. لكنها استدركت قائلة لـ"العربي الجديد": أرى أنه في حالة المجتمع الموريتاني، ينبغي اعتماد خطة استثنائية لوجود عوامل متضافرة أدت لوجود أطفال خارج السجل الوطني للسكان، ومنها الطلاق الذي وصلت نسبته إلى أربعين في المائة، معظمها في الطبقات الهشة، إذ يهجر الوالد العائلة في الغالب لأسباب تعود لظروفه الخاصة، وأحيانا يكون الوالدان غير متعلمين، ولا يهتمان بأمر التقييد في سجل السكان".
اقــرأ أيضاً
وتدعو خيطور، الوكالة المختصة إلى ضرورة النظر في آلية لتسهيل تقييد الأطفال المنحدرين من الطبقات الهشة وخاصة "أطفال الحراطين" إذا ما جاءت الأم بما يثبت أنها موريتانية كـ"بطاقة هوية"، لكي "لا يتفاقم عدد المحرومين من العلم، ونضيف أجيالا أمية وبدون وثائق وطنية" على حد تعبيرها. ويغيب ثلث الأطفال الموريتانيين الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات عن سجل السكان وفق تقدير منظمة اليونيسف في العام 2015، غير أن 40 في المائة فقط من أطفال الأسر الفقيرة مُسجلون، مقارنة مع 85 بالمائة من أطفال الأسر الأكثر ثراء بحسب تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش المنشور في موقعها الرسمي بتاريخ 29 مارس /آذار 2018 بعنوان: "موريتانيا: عقبات إدارية تحرم الأطفال من الدراسة".
قوانين غير مطبقة
ينبغي تسجيل المواليد الجُدد في أقرب مركز لسجل السكان خلال 60 يوما من ولادته للحصول على شهادة الميلاد، بحسب تأكيد المحامي أباه ولد أمبارك المستشار القانوني في هيئة الساحل الذي أوضح لـ"العربي الجديد" أن التصريح بالميلاد يقع بالترتيب على "الأب، أو الأم، الأخوة أو الأخوات الأشقاء، الأخوة أو الأخوات لأب، الأخوة أو الاخوات لأم، الأعمام، الأصول لأب، الأخوال، الأصول لأم" وفق المادة 33 من قانون مدونة الحالة المدنية رقم 003 لسنة 2011 الذي ألغى قانون الحالة المدنية رقم 019 لسنة 1996.
وتنص المادة 17 من هذا القانون على أنه "يجب تبرير رفض التصاريح والامتناع عن إصدار وتسليم عقود الحالة المدنية أو تصحيحها، وإبلاغ صاحب الطلب بذلك"، ولا يجوز البتة منع أي طفل من حقه في ذلك ويجب إشعار مقدم الطلب لفائدة الطفل لممارسة حقه أمام القضاء بحسب المحامي أمبارك، الذي لم يجد مبررا لوضع إجراءات معقدة لتسجيل الأطفال وحرمانهم من وثائقهم المدنية، لأن في ذلك إهدارا لحقهم في التعلم. وعن هذا الموضوع يقول: فقط يجب تفعيل النصوص القانونية وإرساء ممارسة إدارية وقضائية تأتي بالتطبيق الأمثل للنص القانوني حتى تُصان حقوق أطفال الطبقات الأكثر هشاشة في المجتمع".
اقــرأ أيضاً
تساهل محدود في المرحلة الابتدائية
قدرت وزارة التهذيب أن 80.4 في المائة من الأطفال في سن الدراسة الابتدائية التحقوا إما بالمدارس العامة، أو الخاصة خلال العام الدراسي 2016-2017، لكن 35 في المائة فقط من الأطفال الذين أنهوا السنة الأخيرة من دراستهم الابتدائية التحقوا بالمدرسة الإعدادية في ذلك العام وفقا للموقع الرسمي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، وهو ما اعتبره ولد بلال معطى مقلقاً يدل على ضرورة إنهاء تلك الظاهرة.
وتتعاون بعض المدارس في تسجيل الأطفال غير الحاصلين على وثائق الميلاد في المرحلة الابتدائية، لكنهم يجدون صعوبة في إجراء الامتحانات الوطنية لدخول المرحلة الإعدادية، ما لم يحصل ذووهم على أوراق مدنية بحسب تأكيد المدير العام لمدرسة النور الخاصة في مقاطعة دار النعيم جنوب نواكشوط معطى مولانه ولد محمد في حديث لـ"العربي الجديد".
وسجل معطى مولانه ولد محمد في مدرسته 374 طفلا تتراوح أعمارهم ما بين السابعة والتاسعة خلال العام الدراسي 2017-2018 وحوالي 212 طفلاً في العام الدراسي الحالي 2018-2019، جميعهم من أطفال الحراطين الذين لم يتمكوا بعد من التقييد في سجل السكان.
وعلى الرغم من العلم المسبق للمدارس بحرمان هؤلاء الأطفال من إجراء الامتحانات الوطنية ما لم يحصلوا على أرقام وطنية عن طريق التسجيل البيومتري، إلا أنهم يتساهلون مع الأسر الموريتانية لتسجيل أبنائها في إطار تضامنهم مع آباء التلاميذ بحسب ولد محمد الذي يأمل أن يتم التغلب على مشكلتهم قائلا: المسألة مجرد مساعدة إنسانية نقوم بها لعل أسرة الطفل تتمكن من تقييده في سجل السكان قبل وصوله إلى السنة السادسة الابتدائية (شهادة التعليم الأساسي)، ولكن إذا أنهى السادسة ابتدائي تخرج وضعيته عن صلاحيات مدير مدرسته، ويصبح الطفل ملزماً بإحضار رقم وطني في سجل السكان، كي يتمكن من إجراء مسابقة سنة أولى إعدادي.
وتعمل هيئة الساحل على إيجاد حلول للأطفال المقيدين لديها قبل أن يصلوا إلى مرحلة المسابقات الوطنية والتي تلزمهم بتقديم أوراق مدنية للمشاركة فيها، من خلال تحركات مستمرة على المستويين الشعبي والرسمي للتوصل مع جهات حكومية (مسؤولون في وزارتي العدل والتهذيب الوطني) للوصول إلى آلية تعترف بوجود هؤلاء الأطفال وتمكنهم من الاستفادة من الخدمات الاجتماعية بحسب ولد بلال.
لكن الأربعينية السالكه بنت العيد (من شريحة الحراطين) التي تسكن في مقاطعة دار النعيم شمال نواكشوط، تخشى من عدم إلحاق ابنتها ذات التسعة أعوام في المرحلة الإعدادية بسبب فشلها في تسجيلها بسجل السكان، بعد أن استطاعت إلحاقها بمساعدة هيئة الساحل في المدرسة الابتدائية، رغم أنهم تعهدوا لها بالبحث عن حل للمشكلة. ويطمئنها ولد أمخيرف بالقول: "يمكن لأسرة الطفل غير الحاصل على وثيقة الميلاد أن تحصل على إفادات موقعة من طرف حاكم المقاطعة التي يسكن فيها، وبموجب تلك الورقة، يسمح له بدخول المدرسة وإجراء الامتحانات الوطنية". لكن بعض أمهات الأطفال يرفضن هذه الخطوة، لأنها تثير الشبهات حول عدم وجود والد شرعي، وهو ما سيتسبب لهن في التعرض للسجن بتهمة الزنى وبالتالي هناك فخ للسيدات وفق ما أكده ولد بلال.
حلول مؤجلة
دعت منظمة هيومن رايتس ووتش الحكومة الموريتانية في 29 مارس /آذار 2018 إلى تغيير سياساتها لضمان عدم حرمان أي طفل في سن الدراسة من الحق في التعلم بسبب الافتقار إلى وثائق الهوية الصحيحة.
ويؤدي حرمان هؤلاء الأطفال من العلم إلى تحديد مصيرهم بين العمل في ورشات الأعمال الحرة، أو البقاء في الشارع، من دون تربية تحصنهم من الأفكار المتطرفة بحسب ولد محمد، وهو ما يؤكده ولد بلال، الذي قال: أعتقد أن هناك مسؤولية مزدوجة، فالدولة لا تأخذ بعين الاعتبار وجود هؤلاء الأطفال، وهي تعلم بوجودهم وبالتالي تتركهم للضياع. والمسؤولية الثانية تتعلق بمحدودية جهود منظمات المجتمع المدني التي تهتم بالكثير من الأمور باستثناء قضية هؤلاء الأطفال، وفي إطار عمل هيئة الساحل الحقوقية أجرينا عدة لقاءات مع مسؤولين حكوميين (منهم وزير العدل السابق إبراهيم ولد داداه) ومستمرون في ذلك إلى أن يتم إنصاف الأطفال". وتؤكد النائبة خيطور وجود تعهدات من وزير الداخلية بالعمل على ايجاد حل للمشكلة بعدما طالبه أعضاء لجنتي العدل والداخلية في البرلمان بضرورة رفع المعاناة عن هؤلاء الأطفال وأسرهم.
ويُعد طفل التاته، واحدا من سبعة آلاف طفل من شريحة "الحراطين" ممن لم يستطيعوا الالتحاق بالمدارس، خلال العام الدراسي الماضي، نظرا لعجز أسرهم على تسجيلهم في الوكالة والحصول على وثيقة ميلاد من أحد مراكزها، وفق تأكيد إبراهيم ولد بلال رئيس هيئة الساحل للدفاع عن حقوق الإنسان ودعم التعليم والسلم الاجتماعي (منظمة مجتمع مدني) والذي قال لـ"العربي الجديد" إن "الحراطين إحدى فئات المجتمع الموريتاني التي عانت من العبودية وما تزال تعاني من آثار الاسترقاق، كهشاشة الوضع التعليمي ومحدودية فرص العمل".
وتُعتبر شهادة الميلاد من أهم الوثائق المطلوبة من أجل ولوج الأطفال المدارس العمومية وفق ما يوضحه محمد عالي ولد امخيرف، مفتش تعليم أساسي بوزارة التهذيب الوطني الذي قال لـ"العربي الجديد" إن "التقييد في سجل السكان مشكلة أطفال شريحة الحراطين وغيرهم من الأطفال من شرائح اجتماعية مهمشة".
محرومون من التعليم
يؤكد القيادي في ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين (منظمة مجتمع مدني) عبيد ولد إميجن أن عملية التقييد بيومتريا تفتقر لمعايير الشفافية والمساواة، ولا تتلاءم مع ظروف كافة الموريتانيين حديثي العهد بالاهتمام بالأوراق المدنية، وهو ما يوافق عليه الناشط الحقوقي في ميثاق حقوق الحراطين، الربيع ولد أدوم، موضحا لـ"العربي الجديد" أن التقييد في السجل الوطني للسكان في موريتانيا، عملية معقدة، إذ لم يتم تصميم مشروع السجل على أساس استيعاب جميع الموريتانيين.
وترد عضوة لجنة العدل والداخلية في البرلمان الموريتاني النائبة سعداني بنت خيطور بالقول: "الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة تعتمد نظام شجرة العائلة عند التقييد، أي أنه لا يمكن تقييد أي طفل بدون وجود رقم وطني لوالده وآخر لوالدته، وهذا طبيعي ومبرر بحد ذاته، وهو ما يقوله لنا المسؤولون في الوكالة. لكنها استدركت قائلة لـ"العربي الجديد": أرى أنه في حالة المجتمع الموريتاني، ينبغي اعتماد خطة استثنائية لوجود عوامل متضافرة أدت لوجود أطفال خارج السجل الوطني للسكان، ومنها الطلاق الذي وصلت نسبته إلى أربعين في المائة، معظمها في الطبقات الهشة، إذ يهجر الوالد العائلة في الغالب لأسباب تعود لظروفه الخاصة، وأحيانا يكون الوالدان غير متعلمين، ولا يهتمان بأمر التقييد في سجل السكان".
وتدعو خيطور، الوكالة المختصة إلى ضرورة النظر في آلية لتسهيل تقييد الأطفال المنحدرين من الطبقات الهشة وخاصة "أطفال الحراطين" إذا ما جاءت الأم بما يثبت أنها موريتانية كـ"بطاقة هوية"، لكي "لا يتفاقم عدد المحرومين من العلم، ونضيف أجيالا أمية وبدون وثائق وطنية" على حد تعبيرها. ويغيب ثلث الأطفال الموريتانيين الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات عن سجل السكان وفق تقدير منظمة اليونيسف في العام 2015، غير أن 40 في المائة فقط من أطفال الأسر الفقيرة مُسجلون، مقارنة مع 85 بالمائة من أطفال الأسر الأكثر ثراء بحسب تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش المنشور في موقعها الرسمي بتاريخ 29 مارس /آذار 2018 بعنوان: "موريتانيا: عقبات إدارية تحرم الأطفال من الدراسة".
قوانين غير مطبقة
ينبغي تسجيل المواليد الجُدد في أقرب مركز لسجل السكان خلال 60 يوما من ولادته للحصول على شهادة الميلاد، بحسب تأكيد المحامي أباه ولد أمبارك المستشار القانوني في هيئة الساحل الذي أوضح لـ"العربي الجديد" أن التصريح بالميلاد يقع بالترتيب على "الأب، أو الأم، الأخوة أو الأخوات الأشقاء، الأخوة أو الأخوات لأب، الأخوة أو الاخوات لأم، الأعمام، الأصول لأب، الأخوال، الأصول لأم" وفق المادة 33 من قانون مدونة الحالة المدنية رقم 003 لسنة 2011 الذي ألغى قانون الحالة المدنية رقم 019 لسنة 1996.
وتنص المادة 17 من هذا القانون على أنه "يجب تبرير رفض التصاريح والامتناع عن إصدار وتسليم عقود الحالة المدنية أو تصحيحها، وإبلاغ صاحب الطلب بذلك"، ولا يجوز البتة منع أي طفل من حقه في ذلك ويجب إشعار مقدم الطلب لفائدة الطفل لممارسة حقه أمام القضاء بحسب المحامي أمبارك، الذي لم يجد مبررا لوضع إجراءات معقدة لتسجيل الأطفال وحرمانهم من وثائقهم المدنية، لأن في ذلك إهدارا لحقهم في التعلم. وعن هذا الموضوع يقول: فقط يجب تفعيل النصوص القانونية وإرساء ممارسة إدارية وقضائية تأتي بالتطبيق الأمثل للنص القانوني حتى تُصان حقوق أطفال الطبقات الأكثر هشاشة في المجتمع".
تساهل محدود في المرحلة الابتدائية
قدرت وزارة التهذيب أن 80.4 في المائة من الأطفال في سن الدراسة الابتدائية التحقوا إما بالمدارس العامة، أو الخاصة خلال العام الدراسي 2016-2017، لكن 35 في المائة فقط من الأطفال الذين أنهوا السنة الأخيرة من دراستهم الابتدائية التحقوا بالمدرسة الإعدادية في ذلك العام وفقا للموقع الرسمي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، وهو ما اعتبره ولد بلال معطى مقلقاً يدل على ضرورة إنهاء تلك الظاهرة.
وتتعاون بعض المدارس في تسجيل الأطفال غير الحاصلين على وثائق الميلاد في المرحلة الابتدائية، لكنهم يجدون صعوبة في إجراء الامتحانات الوطنية لدخول المرحلة الإعدادية، ما لم يحصل ذووهم على أوراق مدنية بحسب تأكيد المدير العام لمدرسة النور الخاصة في مقاطعة دار النعيم جنوب نواكشوط معطى مولانه ولد محمد في حديث لـ"العربي الجديد".
وسجل معطى مولانه ولد محمد في مدرسته 374 طفلا تتراوح أعمارهم ما بين السابعة والتاسعة خلال العام الدراسي 2017-2018 وحوالي 212 طفلاً في العام الدراسي الحالي 2018-2019، جميعهم من أطفال الحراطين الذين لم يتمكوا بعد من التقييد في سجل السكان.
وعلى الرغم من العلم المسبق للمدارس بحرمان هؤلاء الأطفال من إجراء الامتحانات الوطنية ما لم يحصلوا على أرقام وطنية عن طريق التسجيل البيومتري، إلا أنهم يتساهلون مع الأسر الموريتانية لتسجيل أبنائها في إطار تضامنهم مع آباء التلاميذ بحسب ولد محمد الذي يأمل أن يتم التغلب على مشكلتهم قائلا: المسألة مجرد مساعدة إنسانية نقوم بها لعل أسرة الطفل تتمكن من تقييده في سجل السكان قبل وصوله إلى السنة السادسة الابتدائية (شهادة التعليم الأساسي)، ولكن إذا أنهى السادسة ابتدائي تخرج وضعيته عن صلاحيات مدير مدرسته، ويصبح الطفل ملزماً بإحضار رقم وطني في سجل السكان، كي يتمكن من إجراء مسابقة سنة أولى إعدادي.
وتعمل هيئة الساحل على إيجاد حلول للأطفال المقيدين لديها قبل أن يصلوا إلى مرحلة المسابقات الوطنية والتي تلزمهم بتقديم أوراق مدنية للمشاركة فيها، من خلال تحركات مستمرة على المستويين الشعبي والرسمي للتوصل مع جهات حكومية (مسؤولون في وزارتي العدل والتهذيب الوطني) للوصول إلى آلية تعترف بوجود هؤلاء الأطفال وتمكنهم من الاستفادة من الخدمات الاجتماعية بحسب ولد بلال.
لكن الأربعينية السالكه بنت العيد (من شريحة الحراطين) التي تسكن في مقاطعة دار النعيم شمال نواكشوط، تخشى من عدم إلحاق ابنتها ذات التسعة أعوام في المرحلة الإعدادية بسبب فشلها في تسجيلها بسجل السكان، بعد أن استطاعت إلحاقها بمساعدة هيئة الساحل في المدرسة الابتدائية، رغم أنهم تعهدوا لها بالبحث عن حل للمشكلة. ويطمئنها ولد أمخيرف بالقول: "يمكن لأسرة الطفل غير الحاصل على وثيقة الميلاد أن تحصل على إفادات موقعة من طرف حاكم المقاطعة التي يسكن فيها، وبموجب تلك الورقة، يسمح له بدخول المدرسة وإجراء الامتحانات الوطنية". لكن بعض أمهات الأطفال يرفضن هذه الخطوة، لأنها تثير الشبهات حول عدم وجود والد شرعي، وهو ما سيتسبب لهن في التعرض للسجن بتهمة الزنى وبالتالي هناك فخ للسيدات وفق ما أكده ولد بلال.
حلول مؤجلة
دعت منظمة هيومن رايتس ووتش الحكومة الموريتانية في 29 مارس /آذار 2018 إلى تغيير سياساتها لضمان عدم حرمان أي طفل في سن الدراسة من الحق في التعلم بسبب الافتقار إلى وثائق الهوية الصحيحة.
ويؤدي حرمان هؤلاء الأطفال من العلم إلى تحديد مصيرهم بين العمل في ورشات الأعمال الحرة، أو البقاء في الشارع، من دون تربية تحصنهم من الأفكار المتطرفة بحسب ولد محمد، وهو ما يؤكده ولد بلال، الذي قال: أعتقد أن هناك مسؤولية مزدوجة، فالدولة لا تأخذ بعين الاعتبار وجود هؤلاء الأطفال، وهي تعلم بوجودهم وبالتالي تتركهم للضياع. والمسؤولية الثانية تتعلق بمحدودية جهود منظمات المجتمع المدني التي تهتم بالكثير من الأمور باستثناء قضية هؤلاء الأطفال، وفي إطار عمل هيئة الساحل الحقوقية أجرينا عدة لقاءات مع مسؤولين حكوميين (منهم وزير العدل السابق إبراهيم ولد داداه) ومستمرون في ذلك إلى أن يتم إنصاف الأطفال". وتؤكد النائبة خيطور وجود تعهدات من وزير الداخلية بالعمل على ايجاد حل للمشكلة بعدما طالبه أعضاء لجنتي العدل والداخلية في البرلمان بضرورة رفع المعاناة عن هؤلاء الأطفال وأسرهم.