أزمة الأساتذة... نزيف في المنظومة التعليمية المغربية

10 ديسمبر 2018
نقص المدرسين يؤثر على كافة عناصر المنظومة التعليمية (الأناضول)
+ الخط -
تنتقد أسرة التلميذ المغربي وليد عمراوي، عدم وجود أستاذ لمادة الرياضيات طيلة شهرين بعد انطلاق الموسم الدراسي في سبتمبر/ أيلول الماضي، بسبب قلة عدد الأساتذة في مدرسته الثانوية، وعدم توفير أساتذة جدد لتعويض الأساتذة المغادرين.

غياب أستاذ مادة الرياضيات في مدرسة وليد ليس حالة منفردة، بل هو ناجم عن ظاهرة خصاص (نقص) الأساتذة والموارد البشرية في قطاع التعليم بالبلاد الذي يحتاج إلى آلاف المدرسين، وفق إحصائية وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني الصادرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي التي كشفت خلال جلسة برلمانية عُقدت لمناقشة الميزانية الفرعية لقطاع التعليم لعام 2019 عن نقص يقدر بـ 13.814 مدرسا في الابتدائي، و10.744 في مستوى الثانوي.

أسباب الخصاص

يعزو الدكتور محمد بولوز، أستاذ التعليم العالي والمؤطر بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالرباط أسباب الخصاص في الموارد البشرية بقطاع التعليم، إلى التقاعد العادي والتقاعد المبكر والعزل والوفاة، وتابع في إفادته لـ"العربي الجديد": "هناك من يدفعه هاجس الخوف من إصلاح التقاعد حيث يخشى هؤلاء من تمديد سن التقاعد المقرر في 61 عاما، إلى استباق هذه السن ومغادرة المهنة مبكرا".

عامل آخر، وفق بولوز، هو رغبة بعض الأساتذة في الراحة ووضع حد للعمل بالفصل الدراسي بسبب مشاكل مع التلاميذ والاكتظاظ أو بسبب ارتفاع ساعات العمل خصوصا بالابتدائي، إذ يشتغل المدرس ثلاثين ساعة أسبوعيا، فيما يفضل البعض اللجوء إلى الجمع بين التقاعد المبكر والاشتغال من جديد بالتعليم الخصوصي حيث ظروف العمل أفضل وساعات العمل أقل والأجر أفضل أحيانا".

وفي هذا الصدد، تفيد إحصائيات وزارة التربية الوطنية الخاصة بالموسم الدراسي الحالي، الصادرة في نوفمبر الماضي، بأن عدد الأساتذة المحالين على التقاعد العادي (أي بلوغ 61 عاما)، يصل إلى 8104 مدرسين، 5 آلاف في التعليم الابتدائي و3104 في التعليم الثانوي، وأن عدد المحالين على التقاعد المبكر يبلغ 2490 مدرسا في المستويين معا، وأما المتوفون فيصل عددهم إلى 1613 مدرسا.

ووفق قانون الوظيفة بوزارة التربية الوطنية المغربية، فإن التقاعد المبكر أو النسبي كان متاحا من قبل للمدرسين الذين اشتغلوا 21 عاما من الخدمة بالنسبة إلى الرجال، و15 عاما من العمل بالنسبة إلى الإناث، لكن تم رفع السقف إلى 30 عاما من الخدمة بالنسبة إلى الذكور، وفق مذكرة وزارية تعود إلى أكتوبر/تشرين الأول الفائت.


العرض التربوي

يكمل الخبير التربوي والتعليمي محمد الصدوقي كلام بولوز بالحديث عن أسباب تقف وراء الخصاص الفادح في الأساتذة بالمغرب، منها عدم تعويض الأساتذة المحالين على التقاعد أو الذين غادروا التدريس لأسباب مختلفة، بالنظر إلى السياسة التقشفية المتبعة من طرف الحكومة في القطاعات الاجتماعية، ومنها التعليم لأجل المزيد من تقليص الكتلة الأجرية.

وزاد الصدوقي لـ"العربي الجديد" عاملا آخر يتمثل في عدم مواكبة الطلب التربوي المتزايد بتوفير المزيد من البنيات التحتية للعرض التربوي، من قبيل بناء مدارس وحجرات دراسية وجامعات وكليات جديدة، والمناصب المالية المغطية لها، وأيضا عدم توظيف العدد الكافي للكوادر التربوية الذي يلائم الارتفاع المضطرد لعدد التلاميذ والطلبة.

كلام الخبيرالتربوي تعارضه الأرقام الجديدة لوزارة التربية الوطنية التي تشير إلى أن الحكومة رصدت ميزانية تبلغ 50.32 مليار درهم لقطاع التعليم في عام 2019، بزيادة 4.5 في المائة مقارنة بسنة 2018، كما أنها رصدت ميزانية لإحداث 5826 حجرة دراسية جديدة في مؤسسات التعليم الابتدائي، لكن يتدخل البرلماني عن فدرالية اليسار (حزب معارض) عمر بلافريج، قائلا لـ"العربي الجديد" إن "الميزانية المرصودة للتعليم العمومي، ومن ضمنه توظيف الأساتذة والموارد البشرية، غير كافية، مطالبا الدولة برصد ميزانية مالية أكبر حتى يتم انتشال التعليم من أزمته الراهنة، وذلك من خلال النقص في ميزانية قطاعات أخرى ومنحها لقطاع التعليم تحديدا، لأنه أساس كل تنمية".


تداعيات خصاص الأساتذة

تسبب غياب أستاذ الرياضيات عن مدرسة روداني في مدينة الرباط في معاناة وليد العمراوي من مشكلة متابعة هذه المادة وفهمها، خاصة أن المادة نفسها عرفت مشكلة في توفير مدرس لها خلال الموسم الدراسي الماضي، الشيء الذي انعكس على معدلاته الضعيفة في ما بعد.

بدورها، تورد نورة والدة عصام الموز، تلميذ في الإعدادي بمؤسسة وَلادة أنه لا يدرس مادة الفرنسية منذ بضعة أسابيع، بمبرر أنه لا يوجد مدرس لهذه المادة، مضيفة أنها لمّا استفسرت عن الأمر وأخبرتها إدارة المدرسة بأن الأمر يتعلق بمدرسين في عدة مستويات لم تتم تغطية غيابهم بعد، من جراء النقص في عدد الأساتذة.

وتابعت المتحدثة بأن عدم دراسة ابنها هذه المادة دفعها إلى الاستنجاد بدروس الدعم والتقوية، حيث يتوجه عصام إلى أستاذ يوفر "الدروس الخصوصية" للغة الفرنسية مباشرة بعد عودته من المدرسة مساء، مردفة أنه من آثار "التوقيت الصيفي" الذي تم اعتماده أخيرا في البلاد، يضطر ابنها إلى الذهاب ليلا والمجيء متأخرا، ما لا يترك له وقتا إضافيا لمراجعة باقي المواد.

وعدا تأثر التلاميذ سلبا بغياب الأساتذة، يرصد الباحث التربوي بإقليم بولمان، عبد العزيز الأحمر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بعدا آخر في خصاص الطواقم التربوية، ومنها مديرو المدارس أيضا، متمثلا في نهج سياسة ضم المؤسسات التعليمية، وتكليف المدير الواحد بمهام إدارة مؤسستين أو ربما أكثر، إلى جانب أداء بعض المديرين مهام الحراسة العامة، علاوة على الخصاص في أعوان الحراسة والنظافة والطباخين في بعض المطاعم المدرسية.

وأوضح الأحمر أن هذا الخصاص في الأطر الإدارية والتقنية والخدماتية يؤثر بكل تأكيد على المناخ التربوي داخل المؤسسات التعليمية، فينتقل ترتيب الأولويات من الارتقاء التربوي للمؤسسة إلى التدبير التربوي والإداري في حدوده الدنيا حفاظا على السير العادي للمؤسسة بعيدا عن كل ما هو تجديد وتطوير".


حل التوظيف بالتعاقد

أمام حدة ظاهرة الخصاص في قطاع التعليم، يشدد الدكتور محمد بولوزعلى أن الحل هو التوظيف بما يسد الخصاص كاملا غير منقوص، وبما يناسب في تطوير جودة منظومة التربية والتكوين، والقطع مع الحلول الترقيعية مثل التمديد للمتقاعدين إلى آخر الموسم الدراسي، أو إسناد تدريس المواد لغير المتخصصين فيها.

وأبدى بولوز استغرابه إسناد مادة التربية الإسلامية إلى أساتذة الاجتماعيات والرياضة وإسناد الرياضيات لأستاذ فلسفة، أو التقليص من حصص بعض المواد لسد الخصاص أو إسناد الثانوي لغير المؤهلين له من الابتدائي، وغيرها من الحلول الترقيعية التي تلجأ إليها بعض المدارس لتفادي الخصاص".

ولتجاوز الخصاص الفادح للأساتذة، لجأت الحكومة إلى نظام التوظيف في قطاع التعليم عن طريق التعاقد، منذ 2016 وفق مقرر مشترك بين وزير التعليم ووزير المالية، وهو اختيار دافع عنه محمد أدردور، مدير أكاديمية التربية الوطنية بالرباط، بأن التوظيف بالتعاقد هو أفضل حل متاح لتغطية الخصاص الموجود.

ووفق المسؤول الوزاري، فإن التوظيف بالتعاقد هو حل ناجع يروم مصلحة التلاميذ في المقام الأول، وفي الوقت نفسه توظيف الأساتذة الشباب من حملة الشهادات الجامعية عبر مباريات يتم فيها اختيار الأصلح، قائلا: "عقودهم ستتجدد بعد عامين من العمل، وإن حقوقهم مكفولة مثل حقوق الأساتذة الموظفين بشكل رسمي".


معضلات التعاقد ومردودية التلاميذ

ينتقد الخبير الصدوقي حل "التوظيف بالتعاقد" لسد الخصاص في التعليم، بالقول إنه تم تشغيل حوالي 55 ألف مدرس متعاقد في السنوات الثلاث الأخيرة، دون تكوين أساسي وتأهيل مهني وبدون أفق مهني واضح"، وهو ما يؤثر سلبيا على مردودية التعليم وجودته.

وبحسب المتحدث ذاته، فإن التوظيف بالتعاقد يخلف هشاشة وعدم استقرار مهني واجتماعي، كما يضرب الحق في التوظيف للشباب الحاصلين على شهادات جامعية"، مبرزا أن العمل بالتعاقد يروم تحقيق غايات مالية واجتماعية وأمنية صرفة، ولا تهمه جودة التعليم ومستقبل المتعلمين".

بالمقابل، يقول الباحث التربوي عبد العزيز الأحمر إن وزارة التربية الوطنية استطاعت نسبيا تقليص الخصاص في هيئة التدريس بالمؤسسات التعليمية، بفضل الأعداد الكبيرة من المتعاقدين التي رفعت من معدلات تأطير التلاميذ وقلصت من نسب الاكتظاظ والأقسام المشتركة".

وفي الوقت الذي أرادت الحكومة حل أزمة الخصاص بفتح الباب أمام التوظيف بالتعاقد، اندلعت منذ سنتين احتجاجات هؤلاء العاملين بالتوظيف عبر العقدة، وهي التي يلخصها عبد الله وراضي عضو تنسيقية أساتذة التعاقد (تجمع مدني لأساتذة التعاقد المطالبين بالتوظيف الرسمي)، لقول إن "المطلب الرئيسي لأساتذة التعاقد هو الترسيم في الوظيفة العمومية، ونيل كافة الحقوق التي يتمتع بها الأستاذ المرسم".

وبالرغم من تصريح رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، في برنامج تلفزي في نوفمبر الماضي، بأن التوظيف بالتعاقد "يساهم في الرفع من مردودية التلاميذ"، أبرز أساتذة التعاقد من خلال بيان ردا على تصريحات العثماني، بأن المردودية تتدنى بسبب التعاقد، لأن الأستاذ المتعاقد يعمل في ظل شروط مادية ونفسية غير مريحة، إذ إنه يشعر بإمكانية طرده في أي وقت دون أن تحميه قوانين ولا حقوق.