جنود إسرائيل الغربيون (3): فرنسا خزان بشري لجيش الاحتلال

29 يناير 2015
استفحال ظاهرة هجرة الفرنسيينف للقتال في إسرائيل (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أسر حماس للجندي الإسرائيلي الفرنسي جلعاد شاليط كشف عن دعم الجالية اليهودية الفرنسية للجيش الإسرائيلي والضغوط الدبلوماسية الفرنسية لإطلاق سراحه، مما أبرز التعاون العسكري والاستخباري بين فرنسا وإسرائيل.
- الجالية اليهودية في فرنسا تُعد مصدر دعم بشري للجيش الإسرائيلي، حيث يشارك شبابها في الحروب الإسرائيلية، مما يُعزز العلاقات الفرنسية الإسرائيلية ويُثير تساؤلات حول "استيراد الصراع" إلى فرنسا.
- تظهر تناقضات السياسة الفرنسية في معاملة اليهود الفرنسيين المشاركين في الجيش الإسرائيلي مقارنة بالمقاتلين إلى جانب الجهاديين، مما يثير تساؤلات حول التزام فرنسا بالعلمانية وحقوق الإنسان.
كشفت قضية أسر حركة "حماس" للجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط، الفرنسي الجنسية، عن عمق انخراط الجالية اليهودية الفرنسية في إمداد آلة الحرب الإسرائيلية بالمقاتلين. وقد كان لافتا حجم الضغوط الدبلوماسية الفرنسية التي بذلت، من أجل إطلاق سراحه في صفقة تبادل الأسرى بين حماس من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.

كشف أسر شاليط أيضا، عن عمق التعاون العسكري والاستخباري بين فرنسا وإسرائيل، ودرجة الأمان التي يشعر بها جنود وضباط الجيش الإسرائيلي حين يعودون إلى فرنسا، بعد انتهائهم من "مهامهم" القتالية، إذ إن فرنسا "لن تكون حقيقيةً، إذا خلت من يهودها"، كما قال، مؤخرا، رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، الذي وعد هو ووزير داخليته، بحل "رابطة الدفاع اليهودي"، بسبب طابعها شبه العسكري واعتداءاتها على العرب واليهود الرافضين لدولة إسرائيل، ولم يفيا بوعودهما، ولا زال موقعها الإلكتروني يَنشَطُ أكثرَ من ذي قبل.

مخزون بشري

يبلغ عدد اليهود في فرنسا نحو 600 ألف شخص (الرقم غير رسمي؛ لأن القوانين الفرنسية تحظر أي إحصاء مبني على أساس عرقي أو إثني أو ديني، ومن هنا، أيضا، صعوبة تحديد عدد مسلمي فرنسا، بشكل دقيق)، وهو ما يجعل فرنسا أول بلد أوروبي، وثاني بلد، بعد الولايات المتحدة الأميركية، يحتضن أكبر نسبة من اليهود، ما يجعلها خزانا بشريا لإسرائيل، إذ يلتحق شبابها بالجيش الإسرائيلي ويشاركونه حروبه العدوانية، وآخرها حروب غزة الثلاث.

لا يجد اليهود الفرنسيون أدنى حَرَجٍ في الخروج من فرنسا والعودة إليها، وغالبا ما يُصرّحون بها، كمصدر فخرٍ، وينشرونها في وسائل إعلامهم بالغة النشاط، من مجلات وصحف وتلفزيونات، يعتمدون على تاريخ العلاقات الفرنسية الإسرائيلية، ودور فرنسا الكبير في تسليح إسرائيل وصنع سلاحها النووي، كعاصم من أي مساءلة.

تناقض

يلوك الساسة الفرنسيون، مع كل صراع عسكري في الشرق الأوسط، مصطلح "استيراد الصراع"، وينسبونه للمتضامنين مع نضالات الشعب الفلسطيني، متغافلين عن الجانب الآخر (اليهودي الفرنسي)، وبالتالي فالمصطلح ليس حكرا على المتعاطفين مع الفلسطينيين، خصوصا حين أكّدت وسائل الإعلام مقتل الجندي الفرنسي الإسرائيلي الشاب جوردان بنسمحوم، 22 سنة، في حي الشجاعية بغزة في الحرب الأخيرة على القطاع.

يعد الشاب جوردان بنسمحوم واحدا من فيلق أجنبي، يؤازر الجيش الإسرائيلي، ويتم انتخابهم على أسس إثنية ودينية، وهي حالة فريدة في العالم. هكذا، فإن اليهودي الفرنسي، من مدينة ليون الفرنسية، بنسمحوم، استفاد من "يهوديته" كي يلتحق بوحدة غولاني أو وحدة النخبة إيغوز.والديانة اليهودية، هنا، هي معيار التجنيد في الجيش الإسرائيلي. وهذا هو المعيار الديني، الذي تتم إدانته في فرنسا، حين يلتحق مواطنون فرنسيون بسورية للقتال إلى جانب "الجهاديين"، كما لاحظ الباحث والدبلوماسي الفرنسي السابق مارك شير- ليباران.

محام في ثياب الميدان

الصدمة من التعاون بين يهود فرنسا وإسرائيل ليست وليدة حرب إسرائيل الأخيرة على غزة، إذ حدثت صدمة أخرى عام2004، حين شاهد الفرنسيون تقريرا في القناة الثانية يُصوّر المحامي الفرنسي، أرنو كلارسفيلد، بعد حصوله على الجنسية الإسرائيلية، في لباس حرس الحدود الإسرائيليين.

وهو بالطبع ليس المثال الوحيد، وإن كان جيش الاحتلال الإسرائيلي يرفض الكشف عن عدد هؤلاء "الجنود"، الذين يأتون من كل بلاد العالَم. والغريب أن هذا المحامي، الصديق السابق لكارلا بروني، زوجة ساركوزي، ترشح للانتخابات البرلمانية الفرنسية عن مدينة باريس، على قائمة حزب نيكولا ساركوزي، ولم يَفُز.


تتعالى أصوات كثيرة في فرنسا للتأكيد على أنه لا يجب أن نأخذ هذه الظاهرة مأخذ الهزل. ليس، فقط، لأنها تستورد، فعليا، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بل، وأيضا، لأنها تطرح مسألة شرعية عملية تجنيد عسكري مرتكز على الهوية الدينية. إذ يصف جوهان إلبوري، صحافي في موقع ميديا بارت الإخباري، قضية التحاق اليهود الفرنسيين بالجيش الإسرائيلي بالفضيحة. ويرى أنها "استقطاب ديني دعوي في بلد علماني، تعززه تصريحات لقادة عسكريين إسرائيليين، لا تبخل في الإطراء على هؤلاء الفرنسيين الملتحقين بالجيش الإسرائيلي، إن من جهة إقدامهم وشجاعتهم أو من جهة الإيمان التوراتي بالأرض الموعودة".

ويضيف أن "الحصول على الجنسية الفرنسية يستلزم احترام وتقاسُم قِيَم فرنسا، في حين أن الجنسية الإسرائيلية تستوجب أن يكون المرء يهوديا، وهو ما يعني الدفاع عن السياسة العنصرية للدولة، ولسياسة الأبرتهايد التي تُمَارَس على الفلسطينيين، رؤية إسرائيل، من خلال المبدأ اللاهوتي للشعب المختار، والأرض التي يجب الدفاع عنها بأي ثمن، تتعارض مع مبادئ الجمهورية الفرنسية".

البروباغاندا

كيف يمكن إقناع شاب في مقتبل العمر بالمشاركة في حرب من أجل بلد يكاد لا يعرف عنه شيئا؟ الاجابة عبر البروباغاندا الإسرائيلية، عبر استخدام الشبكات الاجتماعية، يمكن بسهولة العثور على هذه الدعاية بسهولة، على الموقع الإلكتروني للجيش الإسرائيلي، الذي يبث باستمرار فيديوهات بروباغاندا في "يوتيوب"، موجهة إلى يهود العالم، كما تبثها صفحتا "فيسبوك" و"تويتر" التابعتان للجيش الإسرائيلي.

"الجهاد" الإسرائيلي، لا يبدو أنه يقلق السلطات الفرنسية، ووسائل الإعلام، التي انتفضت، ولا تزال، حين طُرِح موضوع الشباب الفرنسيين الذين قاتلوا في سورية، لم تفعل شيئا إزاء ظاهرة الجنود الفرنسيين في الجيش الإسرائيلي.

"لأن الحرب الدينية وجرائم الحرب، كما يقول جوهان إلبوري، هي أقل عنفا حين تمارسُها أجهزةُ حليفٍ استراتيجي لفرنسا وحلف الناتو".

أما المُدافع عن قضية فلسطين، بيير ستامبول، رئيس الاتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام، والذي عاش في أحد الكيبوتسات واكتشف في السبعينيات من القرن الماضي فظاعة الصهيونية، التي يراها لا تتلاءم مع اليهودية، لأنها توتاليتارية تنتهك حقوق الإنسان، فيندد باستفحال ظاهرة الهجرة من أجل القتال في إسرائيل، ويرى أن سياسة مقاطعة البضائع الإسرائيلية التي تندرج ضمن مبادرات من أجل ممارسة الضغوط الاقتصادية والجامعية والثقافية والسياسية على إسرائيل، لا تؤثر كثيرا على الاقتصاد الإسرائيلي، ولكنها تؤثر على صورته بشكل كبير.

جرائم حرب

الناشط توفيق تهاني، الأكاديمي وعضو المكتب الوطني لجمعية التضامن الفرنسية- الفلسطينية، كان من السبّاقين في مطالبة رئيس الوزراء مانويل فالس، بمحاكمة الجنود الفرنسيين اليهود الذين حاربوا في غزة، والذين ارتكبوا فظاعات وجرائم حرب.

وأشار إلى أن العديد منهم لا يحمل حتى الجنسية الإسرائيلية. ويكشف تهاني لـ"العربي الجديد": "أنه حسب مصادر قنصلية فرنسية، فإن عدد اليهود الفرنسيين الذين يؤدون الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي يتراوح ما بين 7000 و8000 شخص، وإن كان أغلبهم إما وُلد، أو يعيش في إسرائيل منذ عدة سنوات".

طلب محاكمة الجنود الإسرائيليين، لا يزال ضعيفا، والحملة من أجله لا تزال في بداياتها الخجولة، وهو ما لن يؤثر، طالما أن القانون لم يتغير ليجرّم الأمر، وهو ما حدا بمايير بن حايون (صحافي وناشط يهودي يميني متطرف) إلى أن يكتب: "منذ فترة طويلة، لا ينخرط شباب يهود فرنسيون في الجيش الإسرائيلي ويقاتلون معه، فقط، بل إن الأمر متأصّلٌ في اتفاقات رسمية بين دولة إسرائيل والجمهورية الفرنسية. لا شيء غير قانوني وسري في الأمر".

البروباغاندا الإسرائيلية لا تتوقف عن تعبئة وتجنيد الشباب من العالم بأسره، وتنتشر في وسائل الإعلام الرسمية الإسرائيلية التي تنتشر في فرنسا صورة تتضمن 7 جنود قدموا من 7 دول، من أجل "الدفاع عن إسرائيل"، من زيمبابوي وكوبا واليونان وبنما وواحد من بلد عربي، لا تذكره، ومن نيوزيلندا ومن الفليبين".

تسهيل السفر

لا يتحدث الصحافي الفرنسي المرموق ألن غريش، فقط، عن تساهل فرنسا مع المقاتلين اليهود في جيش الاحتلال، بل يكشف، كيف تُسهّل باريس سفر اليهود الفرنسيين إلى إسرائيل. وينقل ألن غريش، رئيس تحرير مجلة لوموند ديبلوماتيك عن صحيفة جيروزالم بوست الإسرائيلية، أن السفير الفرنسي في إسرائيل، باتريك ميزوناف، استقبل عشرة جنود جنّدهم الجيش الإسرائيلي ضمن صفوفه، بينما لا تزال عائلاتهم تقيم في فرنسا، وشرح كيف هنأهم السفير الفرنسي على "انخراطهم الشجاع".

ويسخر ألن غريش من كلمة السفير، ويعقب بأنه هنّأهُمْ: "على شجاعتهم للعمل في صفوف جيش الاحتلال، والتي تقوم منظمات الدفاع عن الحقوق البشرية، بشكل يومي، بتوثيق جرائمه. ولكن الفلسطينيين، في نظر ممثل الجمهورية الفرنسية، ليسوا كائنات بشرية، من دون شك".
ويختتم غريش كلامه: "نتذكر الفضيحة التي تسببت فيها نداءات الوزير الأول الإسرائيلي، سنة 2004، أرييل شارون، التي تطالب يهود فرنسا بالهجرة إلى إسرائيل. ولكننا كنا نجهل أن الحكومة الفرنسية تُساهم في هذا المشروع"!