"البنى الاستعارية": حضارة ما بعد البلاغة

23 ديسمبر 2016
جلال سيبهر/ إيران
+ الخط -
نظراً لما توفّره الاستعارة من قدرات بيانية وجمالية وتعدّد استعمالاتها في مختلف مناحي الحياة اليومية والعلمية، بات تحليل الخطاب الاستعاري مجالاً نشطاً تتناوله معارف كثير من علوم اللغة إلى الفلسفة.

ضمن هذا المطمح، يمكن أن نقرأ كتاب "البُنى الاستعاريَة: نحو بلاغة موسّعة" للباحث المغربي محمد بازي، الذي صدر مؤخراً في طبعة مشتركة بين "منشورات ضفاف" (لبنان)، و"منشورات الاختلاف" (الجزائر)، و"دار كلمة" (تونس)، و"دار الأمان" (المغرب).

ينطلق العمل من مجموعة تساؤلات: إلى أي حد نحن في حاجة إلى مشروع تأويلي موسع موضوعه الاستراتيجيات الاستعارية؟ ما البُنى الاستعارية التي تقوم عليها صناعة الخِطاب؟ أصحيح أن الاستعارة بمفهومها القديم أصبحت محدودة الفعالية في الفهم، وأن إمكانيات استعارية بمفاهيم جديدة حلت محلّها؟ وغيرها.

تتّجه الفصول الأولى من الكتاب إلى بيان الخاصية الاستعارية عند الإنسان بوصفه كائناً يستعير من اللغة ومن الثقافة ومن كل الذخائر والمدوّنات المتاحة له لإنتاج مدونات وأنوال جديدة قابلة للاستعارة بدورها. تنظر هذه المقاربة المنوالية للخطاب على أنه مجموعة من البنى الاستعارية: لغوية وتصورية ومنوالية، يسعى التحليل إلى تتبعها وإبراز حلقاتها الظاهرة والخفية، ثم استقصاء معانيها ومقاصد توظيفها.

يرى المؤلف أن عالم التواصل اليوم فضاء كثيف الاستعارية، وأن جيل اليوم استعاريّ المنشإ. من هنا، يسعى إلى تحليل بعض ملامح هذه السيمياء الاستعارية المنتشرة: الاستعارات الرمزية، والهندسية، والاستعارات العلمية، والاستعارات الإشهارية، واستعارة نماذج الكتابة، واستعارة الأسماء والألقاب، والعناوين.

الجزء الثاني من العمل تجريبيٌّ وتقريبيٌّ توقّف فيه بازي عند بعض مظاهر استعارة المفاهيم والنظريات، وبيَّن مثلاً حدود الاستثمار الاستعاري التي لحق مفهوم النص، والإشكالات الإبستيمية والنقدية والأدبية التي يطرحها استنساخ المفاهيم المعرفية، وأهمية النقد المعرفي الدقيق في تتبّع هذه الاستعارات وانتقالها من علم إلى آخر، ومن ثقافة إلى أخرى.

في مجمله، يهدف الكتاب إلى وضع أسس نظرية استعارية تستوعب التنوّع الحاصل في ثقافتنا اليوم، ونوع التلقي الجمالي الواسع الذي ينسجم مع هذه الحضارة الاستعارية المتطوّرة، مما يدعونا إلى إعادة قراءة نظرية الاستعارة التقليدية قراءة مجدِّدة تسمح باستيعاب الأشكال والأنوال الاستعارية ما فوق الجملة، والسلاسل الاستعارية التي قد تمتدّ على طول الخطاب.

دلالات
المساهمون