"سُليمى".. الخوف في وجوه العابرين

03 يوليو 2015
لقطة من العمل
+ الخط -

سليمى، امرأة فلسطينية سورية في السابعة والأربعين من عمرها، تفقد عائلتها بسبب مشاركتها في إسعاف الجرحى في الثورة السورية؛ فيُطلّقها زوجها، ويختار طفلها وطفلتها الذهاب مع والدهما. كل ما سبق لن يوقف سليمى أو يجعلها تتراجع عن موقفها ونشاطاتها، بل سيزيدها قوة وصلابة.

من الحكاية السابقة، التي سبق وحدثت في الواقع مع استبدال أسماء الشخصيات الحقيقية حفاظاً على سلامتهم (كما يذكر في الفيلم)، صنع المخرج السوري الشاب، جلال الماغوط، فيلم الرسوم المتحركة "سليمى"(2014، 15 د)، وهو عملٌ حظي بعدة مشاركات ضمن مهرجانات خاصة بأفلام التحريك في باريس وزغرب وشتوتغارت ولايبزغ، وعُرض مؤخراً في الدورة التاسعة والثلاثين من "مهرجان أنسي الدولي لأفلام التحريك" في فرنسا.

ينفتح الفيلم على صور أبنية باهتة بالأبيض والأسود من وسط دمشق، تحديداً أمام مبنى مجلس الشعب. يختار الماغوط حدثاً جرى في تلك المنطقة أيام الثورة السلمية في سورية، ألا وهو وقفة الناشطين المدنيين التي عُرفت بلافتاتٍ حملت وقتها عبارة "أوقفوا القتل. نريد أن نبني وطناً لكل السوريين"، كنقطة ارتكاز أساسية بانياً عليها أحداث عمله.

تجري المطابقة سريعاً، في ذهن المتلقي، بين ما جرى في الواقع وبين ما قدّمه الماغوط في فيلمه، لكن سرعان ما تفرض وجوه الفنان السوري نفسها عندما تتداخل وتتصارع ملامحها بين وجوه الناشطين الخائفة، وملامح الحيرة والخوف في وجوه العابرين، وهو ما لا تخفيه أيضاً وجوه مجموعات الأمن و"الشبيحة" التي تعتقل سليمى وتقودها إلى فرع الأمن.

في فرع الأمن، سيكون عقاب سليمى مضاعفاً، كونها امرأة أولاً، ومُحجّبة ثانياً، والأهم أنّها لاجئة فلسطينية "لا شأن لها بما يحدث في سورية" كما يقول لها ضابط الأمن في أثناء التعذيب.

في جلسة التحقيق، ستعود بها الذاكرة إلى أيام الطفولة وبداية شعورها بالاشمئزاز من هذا النظام الذي اعتدى رجاله على والدها أمام عينيها عندما كانت طفلة، وحفلة التعذيب في المدرسة عندما شتمت حافظ الأسد، إضافة إلى ثبات جملة "الحيطان إلها أذان" في رأسها. العودة من أحداث الذاكرة إلى واقع سليمى ليس أفضل حالاً مع صرخات المعتقلين وآلامهم في حفلات التعذيب.

تتشارك المصائب العامة والخاصة التي تنهال على رأس البطلة الفلسطينية السورية، فتتعرّض للاعتقال مرة ثانية وللمضايقات في مناطق نشاطها كونها امرأة. كما أن طفليها لن يتعرفا إليها، لكنها ستجابه كل ما سبق بالقول: "لو رجع فيني الزمن كنت عملت أكتر من هيك".

تظهر الصورة في عمل الماغوط مسكونة بالتفاصيل الغريبة التي تتناحر ضمن لوحة عامة تتسم بالهدوء الظاهري، لكن الإمعان في تفاصيلها وفي مرجعياتها في الواقع سيكشف، حالاً، عن صراع لا يمكن التنبؤ بشدّته إلا عندما تتحرك الشخصيات المرسومة، وكأن الحركة بالنسبة لها ملاذ أخير من الموت/ الثبات، والغرابة ليست إلا قدرة البشري على تفسير الواقع والتفاعل معه.

دلالات
المساهمون