علّمنا التراثُ القصصي، البعيدُ والقريب، أن القصة ليست مجرد سرد أحداث، أو انطباعات، أو بث رسائل؛ هي كل هذا، ولكن الأكثر أهمية أنها إيقاع ثقافة، أو حضارة بأوسع معنى.
وحين تكون القصة قصيرة يحتاج إيقاعها إلى التركيز. بعضها يشبه شظية من هولوغرام (راسوم) تحتوي على صورته الكلية، وتظهر هذه الصورة مجسمة في الفضاء حين تسلط عليها أشعة ليزر. ما يحتاجه هذا النوع من السرد الشبيه بتصوير "الكل في الجزء"، انتقاءٌ واصطفاءٌ؛ انتقاءُ نقطة مركزية تتموج انطلاقاً منها دوائر، واصطفاءُ هدف يركّز النظر والفكر ولا يشتّته.
يماثل هذا نحت تمثال بإزالة قطع من كتلة شيئاً فشيئاً إلى أن تظهر صورته؛ أي أن صناعة قصة قصيرة لا تحدث بالتراكم كما يحدث مع الرواية أو الملحمة، بل تحدث بالإزالة وصولا إلى لب ما.
هذه أفكار تخطر لكاتب هذه السطور وهو يقرأ بين حين وآخر "قصة" شبيهة برواية تم اختزالها؛ تتكاثر فيها الشخوص بلا سبب بنيوي، ويكاد يمحى فيها المكان، ويتخفى الزمان، وتحتشد فيها علامات طرق إلى هذا الاتجاه أو ذاك. في كل هذا، إذا افترضت قارئاً عربياً غير متابع للأخبار في أحسن الأحوال، أو قارئاً أجنبياً لا يعرف العربية، فماذا سيصل إليه من هذه القصص؟