"مهرجان الدفتر الشخصي": الكتابة كرياضة شعبية

15 سبتمبر 2017
(من دفاتر المسافرين، "مصلحة السياحة سان فانسان"، فرنسا)
+ الخط -

حتى زمن قريب، لم تكن الكتابات الشخصية نمطاً أدبياً معترفاً به، واقتصر اهتمام بعضهم حوله على ما يقدّمه من معرفة تاريخية. تغيّر الوضع في العقود الأخيرة، وظهرت ضمنه تيارات ومدراس اخترقت عوالم السرد وغيّرت خرائطه، ثم فعلت التكنولوجيا فعلها حين وفّرت فضاءات أخرى للكتابة والنشر والتواصل.

"مهرجان الدفتر الشخصي" هو عنوان تظاهرة تنطلق دورتها الأولى اليوم في باريس، وتنظمها بلدية العاصمة الفرنسية على مدى ثلاثة أيام. قد يبدو الأمر مستغرباً أن تتعهّد بلدية باريس بإطلاق وتنظيم تظاهرات كهذه، لكن ذلك لا يخلو من دعاية للثقافة الفرنسية، التي تقدّم نمط الكتابة الشخصية كـ"قارة" اكتُشفت في فرنسا مع "اعترافات" جان جاك روسو، رغم ما يثيره هذا الطرح من جدل، وأن تبلور هذا النمط أحد مؤشّرات بداية الحداثة الأدبية، كما أن الفرنسيين أدخلوه إلى دوائر التنظير الأدبي مع فيليب لوجون بالخصوص، والذي سيكون أحد ضيوف المهرجان.

لم يعلن بشكل تفصيلي عن قائمة ضيوف المهرجان من أسماء أدبية وفنّية أو شخصيات عامة من مختلف المجالات، ويبدو أن ذلك مقصود ويندرج ضمن رؤية التظاهرة، حيث إنه يفتح أبوابه لجميع أنماط الكتابة الشخصية والتي تمثّل مروحة كبيرة "من الدفتر الشخصي المخبّأ بعناية إلى صفحة فيسبوك"، وهذه المساحة الشاسعة لا يمكن أن تقتصر على الكتّاب الذين نشروا أعمالاً، وهي فرصة للنظر إلى الكتابة كـ"رياضة شعبية" كما صرّح أحد المشرفين.

هكذا يعِد "مهرجان الدفتر الشخصي" بطرح مختلف للتظاهرات الأدبية يستوعب "جماعة" أوسع من الجماعة الأدبية المعروفة. وقد جاء في صفحة فيسبوك التابعة للمهرجان بأنه يوجد اليوم في فرنسا ثلاثة ملايين شخص منتظم في مثل هذا النوع من الكتابات على اختلاف أنماطه ومحامله. هذا الرقم، ورغم أنه تقديري لا غير، إلا أنه ربما يشير إلى خلفيات تسويقية يصعب تحسّسها في الدورة الأولى.

قد تبدو الكتابة الشخصية للوهلة الأولى بتنويعاتها من مذكّرات السياسيين والفنانين إلى يوميات المراهقين، نمطاً أدبياً عفوياً غير أنها ليست كذلك بشكل مطلق فهي مجال توظيفات مختلفة؛ مثلاً تعتبر الانتهاكات النازية ضد اليهود في فرنسا إحدى السرديات التي أثثت متداول الخطاب الثقافي الفرنسي، ومن بين مرتكزات هذه السرديات ومصادرها "يوميات آن فرانك" التي تولّدت عنها روايات وأفلام ومسرحيات.

لكل هذه المعطيات فالمهرجان ليس مجرّد مقترح يلبّي رغبة مجموعة من محبّي هذا الشكل الأدبي وممارسيه، إنه على ما يبدو "علامة ثقافية" جديدة تحبّ أن تتحلّى بها باريس.

دلالات
المساهمون