"تدبير القداسة": تراث الدخول على السلطان

11 مارس 2019
زمان جاسم/ السعودية
+ الخط -

تتزايد الدراسات العربية في حقل التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي مؤخراً، وتحاول الاستفادة في اشتغالاتها من مناهج العلوم الإنسانية، منها ما يقارب أدبيات السوق وتطوّر أنظمته خلال حقب مختلفة وتاريخ الأوبئة والأمراض، والسجلات الشرعية والمحاكم وغيرها.

"تدبير القداسة: الحجابة والحجاب - أدب الدخول على السلطان في التراث العربي الإسلامي" عنوان الكتاب الصادر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" للباحث السوري محمد حيان السمّان الذي يدرس العلاقة بين السلطة السياسية والمجتمع في السياق العربي - الإسلامي، من خلال موضوع الحجابة والسلطان المحتجِب عن رعيته، والوقائع المتصلة بالقدوم على أصحاب السلطة من خلفاء وملوك وسلاطين ووزراء وغيرهم، وانتظار الإذن بلقائهم.

في مدخل الكتاب، يعالج المؤلّف مسألة الحجابة والحاجب من حيث اللغة والاصطلاح، ومسألة الحجابة عند ابن خلدون من منطلق الحضارة الداعية إلى انتحال الألقاب وتمييزها، ومسألة الاستئذان الشرعي والحجابة والفرق بينهما.

يشتمل القسم الأول "في منعرجات التاريخ" على ستة فصول، يبحث الأول "انبجاسات مبكّرة، بين مبدئية الدعوة وضرورات الدولة" يبحث في الحجابة ورمزية الباب عند عمر بن الخطاب، وهو صاحب الموقف المتشدد من مسألة احتجاب ولاة الأمر عن الجمهور، وتقييدهم الإذن بدخول ذوي الحاجات إليهم.

في الفصل الثاني "الأوان الأموي، بواكير الاستخدام السياسي للحجابة" يتناول المؤلّف ولادة الدولة السلطانية في الإسلام، أي دولة بني أمية، وانتقال الحجابة من ممارسة فردية طارئة إلى أداة فاعلة في إدارة العلاقة بين السلطة السياسية والمجتمع، وفي الفصل الثالث "حجبة وآلهة، تدبير القداسة ومراقبة الإذعان" يدرس الحجابة بين العصرين الأموي والعباسي، والتغيرات البنيوية التي طرأت على خطة الحجابة، لجهة الوظائف والمهام والأدوار التي اضطلع بها الحَجَبة، أو لجهة المفاهيم الثقافية والإدارية العملية المتعلقة بخطة الحجابة.

يقدّم السمّان في الفصل الرابع "الحجابة بين مستنقع السياسة وتوحش السلطة" نبذات موجزة لحجبة لمعوا في العصر العباسي، وفي الفصل الخامس "الحجابة في الأفق الأندلسي (1)، قرطبة بين رمزية "باب العدل" واستبداد "الفتيان المَخْصيين" يتطرّق إلى محددات التمايز وملامحه في خطة الحجابة بين المشرق والأندلس، ويتوقف في الفصل السادس "الحجابة في الأفق الأندلسي (2)، من سرير الهيبة إلى الحَجْر على الخليفة" عند استحكام الحجابة ورسومِ الخدمة في الأندلس.

يضم القسم الثاني "تقنيات الضبط وتعبيرات الانصياع" أربعة فصول، في الأول "إنزال الناس منازلهم على باب السلطان" يبحث المؤلف في دور الحاجب في حفظ المراتب وترتيب المنازل، ومعيار "إنزال الناس منازلهم" على باب الخليفة عمر بن الخطاب، والسياسة بوصفها معياراً في إنزالهم منازلهم على باب معاوية، والمراتبية بوصفها مبدأً صارمًا على أبواب العباسيين، وتجليات هذه المراتبية واستحقاقاتها في دار الخلافة.

في الفصل الثاني "مدينة السلطان المحتجب" يختار المؤلف مدينتي بغداد والزهراء الإسلاميتين إذ يعتقد أنهما خضعتا، من جهة دواعي التأسيس والتخطيط أو التطور والتوظيف، لمتطلبات وهواجس تتصل بمسألة احتجاب السلطان عن الجمهور، وأشكال وعي العلاقة بين السلطة والناس.

يتناول في الفصل الثالث "أدباء على العتبات" مسألة الأدب والحجابة في العصر الأموي، ثم في العصر العباسي، وفي الفصل الأخير "محكيّات أبواب الحكام" يجد المؤلف أن التأثير الحقيقي للحجابة، موضوعاً وأفقاً للتفكير الإبداعي الحر والمعالجة الفنية المبتكرة، موجود في الحكايات القصيرة المتداولة على نطاق واسع في المصنفات الأدبية. ولدت هذه الفكرة وتبلورت في سياق الانفصال الذي كرسته الحجابة بين السلطان والناس، والابتعاد المتزايد لولاة الأمر عن الجمهور خارج تحديدات السلطة وترتيباتها الصارمة.

المساهمون