يُعتبر الكاتب الفرنسي ستيفان فوكار (1973) أحد أبرز وجوه الحركة الإيكولوجية في بلاده، وهو يمثل حلقة وصل بين فئتين داخلها؛ الباحثون والإعلاميون، فكثيراً ما تبقى دراسات الفئة الأولى سجينة فضائها الأكاديمي وتظلّ المواد التي تقدّمها الفئة الثانية مشككاً في أصالتها المعرفية.
بإصدراه الأخير، "كيف أصبح علم الاقتصاد ديانة"، يراكم فوكار المؤلفات النقدية ما يمنحه مكانة أساسية في المشهد الثقافي الفرنسي، بدأها بكتاب "الشعبوية المناخية" الصادر في 2010، وهو عمل أعاد إصداره في 2015 مع تطوير للبعد الاستقصائي فيه. وفي 2013، نشر كتاباً مثيراً بعنوان "صناعة الكذب" وفيه يتصدّى للعلاقات التي تربط العلماء بالصناعيين على حساب مستقبل البشرية.
وفي 2018، نشر فوكار كتاب "أسواق وآلهة"، وفيه تصدّى إلى العلاقات المشبوهة بين العلماء - وخصوصاً من هم متخصصون في علوم الاقتصاد - والفاعلين في الدوائر المالية والسياسيين، وضمن نفس الانشغالات يأتي كتابه الأخير الذي صدر عن منشورات "فوليو" منذ أيام.
يبرّر فوكار استخدام مصطلح الديانة لتوصيف علم الاقتصاد إلى كون الأخير قد تحوّل إلى نظرة للعالم قد تحجب ماديته، والمقصود بالمادية هنا الواقع البيئي الذي يعيشه كوكب الأرض، فبالنسبة للباحث الفرنسي يعتقد علماء الاقتصاد أنهم يطوّرون علمهم على المستوى النظري كأي علم من العلوم، غير أنهم لا يقومون سوى بتوفير طلبيات من قبل الصناعيين من أجل استمرار نسق الأرباح. يحدث ذلك بوساطة السياسيين ومن ورائهم واضعو مشاريع البحث العلمي، وهو ما يصنع حالة من الربح المتبادل بين جميع هذه الأطرف، لكن لا يخفى أن الخاسر من هذه الصفقة هي المجتمعات.
من منطلق آخر، يعتبر فوكر أن الفراغ الذي تركه الدين في الحضارة الغربية المعاصرة سرعان ما ملأه علم الاقتصاد في غفلة من الجميع، ومن هنا أصبح المستشار الاقتصادي بمكانة الكاهن وأصبحت السياسات النيوليبرلية في بلدان مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا واليابان وفرنسا بمثابة ديانة الدولة فلا مرجعية تعلو على أطروحات المخططين الاقتصاديين، ويرى فوكار هنا أنه يمكن ببساطة أن نتساءل من يقف في مكانة أعلى من سلطة "الحكم الشرعي"، ويجيب بأنه يمكن استخلاص ذلك بقراءة في التاريخ الفرنسي، وفقد كان الملوك يعتبرون أن الاستثناء في عدم الخضوع لسلطتهم هم رجال الدين، ومن اليسير أن نعرف بأن رجال الاقتصاد قد احتلوا هذا الموقع اليوم.