"إهانة الرموز التاريخية": تجريم تتلاعب به السلطة

09 نوفمبر 2017
نصر ورور/ سورية
+ الخط -
مع إحالة مشروع قانون يجرّم إهانة الرموز والشخصيات التاريخية إلى لجنتي "الشؤون الدستورية والتشريعية" و"الإعلام والثقافة والآثار" في "مجلس الشعب" المصري منذ أيام، تتوالى التصريحات لقوى وشخصيات سياسية وثقافية بين مؤّيدة ومعارضة.

المشروع قدّمه النائب عمر حمروش أحد أبرز المقرّبين من النظام حيث يرأس "لجنة الشؤون الدينية والأوقاف" في البرلمان التي قدّمت مشاريع سابقة تتعلّق بتجديد الخطاب الديني وتنظيم الفتاوى وغيرها من القضايا التي تحاول المؤسسة الرسمية إظهار دعمها للإسلام "المعتدل"، ما يعكس حالة من عدم الثقة بكلّ ما تقرّه من تشريعات وتعليمات في هذا السياق.

في الوقت نفسه، يبدو الجدل بين المؤيدين والمعارضين بأنه سجال يقف على طرفيه رجال السلطة التي تواصل افتعال معارك وهمية بينهما حيث لا ينخرط فيها سوى عشرات الموظفين لديها، ولن يتغيّر الحال سواء أُقرّ المشروع أو عارضته أغلبية نيابية، إذ سيبقى اتهام أي مواطن بالإساءة إلى شخصية تاريخية وعقابه مسألة تحتكرها المؤسسة الرسمية التي تقمع وتعفو بحسب أهوائها.

حين انتقد الإعلامي إسلام البحيري في برنامجه شخصية البخاري (810 – 870) حُكم عليه بالسجن لسنة أمضى منها عشرة شهور قبل أن يخرج بعفو رئاسي، ما يبدو إرضاء للمشتكي والمشتكى عليه في آن، مقابل التغاضي لأسباب معروفة عن الروائي يوسف زيدان حين هاجم صلاح الدين الأيوبي وعمرو بن العاص.

المدافعون عن إيجاد هذه المنظومة العقابية الرادعة يتغافلون عن عدم وجود توافق على من يسّمون بـ"شخصيات تاريخية" عبر ألفي سنة مضت، فمن ينتصر لأحمد عرابي وثورته هو معادٍ غالباً لحكم محمد علي باشا وأسرته والعكس صحيح، وينسحب الأمر على فترات أقدم يأخذ الاستقطاب حولها طابعاً طائفياً كما في تقييم العهد الفاطمي أو الأيوبي، فمن سيحدّد "القائمة" التي يمنع القانون المسّ بأسمائها.

يُفتتح نص المشروع بالتأكيد على أن هدف القانون هو "حماية الرموز والشخصيات التاريخية من العبث وعدم خداع الشعب بتشوية صورتهم، والإضرار بالمجتمع وزعزعة الثقة لدى الشباب في الرموز والشخصيات التاريخية، والتى تسعى قوى الشر لخلقها فى نفوس الشعب، وإثارة الجدل حول شخصيات ورموز تاريخية والتي قد تؤدى إلى آثار خطيرة على المجتمع"؛ صياغة تنتمي إلى عصر محاكم التفتيش باستخدامها مصطلحات مثل "خداع الشعب" و"الإضرار بالمجتمع وزعزعة الثقة لدى الشباب" و"قوى الشر".

القانون الذي جاء متأخراً كثيراً، بحسب حمروش، تنصّ مادته الأولى على "حظر التعرّض بالإهانة لأي من الرموز والشخصيات التاريخية"، وحين يريد النص توضيح من هم هذه الشخصيات يزيد الأمر غموضاً في المادة الثانية التي يرد فيها "يقصد بالرموز والشخصيات التاريخية الواردة في الكتب والتي تكون جزءاً من تاريخ الدولة وتشكل الوثائق الرسمية للدولة".

العقوبة تحدّدها المادة الثالثة بالحبس مدة تتراوح بين 3 و5 سنوات وغرامة بين 100 ألف جنيه ولا تزيد عن 500 ألف، وتُغلّظ في حال عودة الشخص المدان نفسه لتكرار الأمر، لتصل إلى سبع سنوات وترتفع الغرامة إلى مليون جنيه، لكن المادة الرابعة تعفي من العقاب كل من تعرّض للرموز التاريخية بغرض تقييم التصرفات والقرارات وذلك فى الدراسات والأبحاث العلمية.

يجدر التساؤل في الختام عن معنى "إهانة الرموز"، إذا كان القاضي والمتهم والشهود محكومين لسلطة تحتكر القرار والثروة والمعرفة، وتترك مواطنيها يختلفون على شكل تقديرهم لشخصياتهم التاريخية.

المساهمون